نجحت ابنتي في المدرسة التركية فماذا عن باقي الاطفال؟

8. ثلاثة أطفال يحاولن تنظف صفهم، المدرسي، في احدة المخيمات الواقعة في ريف حماة

8. ثلاثة أطفال يحاولن تنظف صفهم، المدرسي، في احدة المخيمات الواقعة في ريف حماة

"ابنتي اليوم في الصف الخامس الابتدائي في إحدى المدارس التركية، ولم يتغير أي شيء في وضع البلد. بل على العكس، الأمور تزداد سوءاً، وغالبية الأطفال الذين يقيمون في سوريا حرموا من حقهم في التعليم. "

بعد مرور سنة ونصف السنة على الحرب الدائرة في سوريا، وبسبب سوء الاوضاع وتدهورها في ريف حماه الشمالي، قررت وزوجي واهله الذهاب الى تركيا.
كانت الفكرة أن نقضي بضعة أشهر حتى تهدأ الاوضاع في البلد، ونرتاح من قضية النزوح من قرية إلى أخرى بسبب القصف. ومن ثم نعود إلى بيتنا. ولكن هذا لم يحدث للأسف.
بعد قدومي إلى تركيا في آب/أغسطس 2012، كانت ابنتي الوحيدة قد بلغت السن القانوني لدخول المدرسة. كنت أقيم في منزل مشترك مع أهل زوجي الذي لم يكن قد وجد عملاً بعد.
سألت عن أمور الدراسة. وعرفت ان هناك مدرستين فقط في المنطقة. ذهبت إلى إحداها وسجلت ابنتي فيها. كانت المدرسة بناء من 3 طوابق. الطابق الثاني يضم 6 غرف للتدريس وغرفة للمعلمين. هذا كل ما كانت عليه المدرسة وقتها!
كانت الصفوف مخصصة للطلاي من الأول وحتى التاسع. طبعا الصفوف لا تستوعب عدداً كبيراً، فكانت ـوقات الدوام مقسمة لدفعتين. دفعة صباحية من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة 12 ظهراً. والدفعة الثانية تبدأ 12 ظهراً وتنتهي الرابعة عصراً.
ولم تكن هناك من ملعب طبعاً الأمر الذي لا يسمح بإقامة أي نشاط. كانت الممرات التي تقع بين الصفوف هي ساحة المدرسه فقط! كان أغلب التلاميذ لا يخرجون للفرصة ما بين الدروس. بسبب ضيق المكان وازدحامه.
كنت اخشى ألّا يتوفر لابنتي مقعداً في المدرسة، وتضيع أول سنة من دراستها. ولكن الحمدلله تم قبولها وسط معارضة زوجي وأهله على ذهابها إلى المدرسة، لأنها وحيدتي.
حاولوا نهيي عن الموضوع بأن الأمور في سوريا ستحلّ قريباً. وإن ضاعت هذه السنة ستستكمل ابنتي دراستها في بلدها، وستعوّض هذه السنة. وبالتأكيد سيتم تسوية الاوضاع لجميع الطلاب. ولأني كنت متيقنة أن شيئاً لن يتغير في أوضاع البلد أصرّيت على ذهابها إلى المدرسة.
لا أنكر أنني كنت أخاف عليها كثيراً ولكن كنت أتجاهل شعور الخوف هذا، بأن دراستها وتعليمها هما الأهم. ويجب ألّا أترك عواطفي تسيطر على عقلي. حاولوا الضغط علي كثيراً لأتراجع عن قراري، وتخويفي عليها بالخطف أو الضياع لا سمح الله.
نجحوا بإدخال الرعب إلى قلبي بالفعل. ولكن رغم كل هذه الضغوط لم أتراجع. ولكن قررت صرت آخذها إلى المدرسة وأعيدها إلى البيت بنفسي، رغم بعد مدرستها عن البيت. وجدت أن هذا الحل الأنسب لكي أكون مرتاحة.
بدأت ابنتي عامها الدراسي الأول برغبة شديدة. وساعدها في ذلك أن معلّمتها جعلتها تحب المدرسة وترغب في الذهاب إليها. كانت شابة في العشرين من عمرها. لطيفة جدا، تستقبل طلابها وتودعهم بالقبل فرداً فرداً. تحضر لهم الهدايا، تضع لهم صوراً ملونه وجميله على كل وظيفة. لا انسى فضلها في حب ابنتي للدراسة.
كنت أصطحب ابنتي إلى المدرسه كل يوم عند الساعة 12 ظهراً، وأذهب لإحضارها عند الساعة الثالثة والنصف. رغم أن وقت الانصراف يكون الساعة الرابعة، ولكن كنت أفضل التواجد باكراً وانتظارها، على أن اعيش قلق انها خرجت ولم تجدني.
لم أكن الأم الوحيدة التي تنتظر ابنتها. كانت هناك الكثير من الأمهات والآباء أيضاً. بعض الطلاب بيوتهم بعيدة ولازالوا أيضاً في سنتهم الدراسية الأولى، وكان يتوجب على أحد الوالدين إحضار الأطفال إلى المدرسة.
كنت أنتظر ابنتي وأنا اكلم إحدى الامهات، وهكذا لا أشعر بثقل الوقت. صحيح أن الامر كان صعباً، ولكن كان يجب علي أن اتحمل القرار الذي اتخذته. خوفاً على مستقبل ابنتي من الضياع، خرجت بها من سوريا رغبة في تعليمها.
أنهت إبنتي عامها الدراسي الأول بتفوق والحمدلله. ولكن الأهم من التفوق انها لم تتعرض لأي أذى كان. وبدأت بالتفكير في ما يحدث بعد هذه السنة. هل ستستكمل ابنتي دراستها في هذا البلد وفي نفس المدرسة التي لا تشبه المدارس؟ أم أنها ستكون في سوريا وفي بلدتنا!؟ بعد مضي أكثر خمس سنوات على إقامتنا في تركيا، أدركت ان احلامي بعودتنا كانت مضحكة.
ابنتي اليوم في الصف الخامس الابتدائي في إحدى المدارس التركية، ولم يتغير أي شيء في وضع البلد. بل على العكس، الأمور تزداد سوءاً، وغالبية الأطفال الذين يقيمون في سوريا حرموا من حقهم في التعليم.
أنا اليوم سعيدة أنني لم اتراجع عن قراري، في أن تبدأ ابنتي دراستها يومها. سعيدة أن كل محاولات تخويفي لم تؤثر علي، فقد كانت ستضيع سنة من دراستها على أمل لا أمل منه أصلاً.
أتمنى أن تنتهي هذه الحرب المأساوية في سوريا، وان يأخذ جميع الأطفال حقهم في التعليم وفي حياة طبيعية كباقي اقرانهم في باقي دول العالم. شعور مرير أن يكبر ابنك وهو لا يعرف كيف يكتب اسمه او يحسب عددين. والأصعب ان ينتج عن هذا العنف الذي يرونه جيلاً جاهلاً مخيفاً، يتعلم فقط كيف يمسك السلاح بدل القلم.
مريم احمد (35 عاماً) متزوجه وأم لطفلة واحدة تبحث عن عمل.