ناشطون يسعون إلى ضبط ممارسات “الجيش الحر”
ينتشر على موقع يوتيوب مقطع مصور يظهر مقاتلين من المعارضة يصفّون عدداً من الأسرى على الأرض وهم يصيحون “الله أكبر”، بينما يستغيث الأسرى ويحاولون إثبات براءتهم في اللحظة الأخيرة. ما هي إلا بضع دقائق حتى يدوّي صوت الرصاص وتختفي كل الأصوات الأخرى، بعد أن أصبح الأسرى جثثاً هامدة.
هذه المشاهد هي جزء من جرائم حرب نسبها محققو الأمم المتحدة إلى مسلحي المعارضة، حيث صرحت المحققة الدولية كارلا دل بونتي الأسبوع الماضي أن هناك دلائل تشير إلى ارتكاب قوات النظام خمس مجازر بين منتصف تموز/يوليو 2012 ومنتصف كانون الثاني/يناير 2013، وارتكاب قوات المعارضة مجزرتين في الفترة نفسها.
يؤيد بعض مناصري المعارضة هذا النوع من الممارسات، كما يبدو من التعليقات على المقاطع المصورة مثل المقطع المذكور والتي تشيد بالانتقام من عناصر الجيش النظامي و”الشبيحة”. ولكن هناك مجموعات من ناشطي المجتمع المدني تعتبر أنّ ما يجري يسيء إلى الثورة، وقد عمل هؤلاء الناشطون على مشاريع تهدف إلى مكافحة ما يعتبرونه ممارسات خاطئة من قبل هؤلاء المقاتلين.
في إطار هذه الجهود، قامت مجموعة “واو الوصل” بطبع كتيّبات تصف مقاتلي “الجيش الحر” بـ”أبطال سورية وأبنائها الأحرار” وتشرح لهم قواعد السلوك الواجب اتباعه أثناء القتال. يشدد هذا الكتيّب على أهمية حسن معاملة الأسرى وتحييد المدنيين، بالإضافة إلى عدم الإفراط باستخدام القوة العسكرية، ويستند إلى مقاطع من القرآن والكتاب المقدس، بالإضافة إلى أقوال من الزعيم الهندي غاندي وناشط حقوق الإنسان الأميركي الشهير مارتن لوثر كينغ. وتوزّع هذه الكتيّبات على المقاتلين في المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الحر” في محافظات إدلب وحلب وريف دمشق.
“نريد أن نخاطب الشباب المقاتلين بلغتهم، نحترم معتقداتهم، سواء كانوا من “الجيش حرّ” أو إسلاميين،” يقول أحد المتطوعين الذي رفض الكشف عن اسمه.
ويشير النشطاء الذين عملوا على توزيع الكتيّب إلى اختلاف ردات فعل المقاتلين، فبينما سخر بعضهم من “تنظير جماعة السلمية”، رحّب البعض الآخر بالفكرة واعتبرها تضامناً معهم.
ويقوم “مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا” أيضاُ بمبادرة مشابهة، حيث ينشر موقع المركز مدونة تشرح ضرورة التقيّد بالسلوكيّات الحميدة أثناء القتال. وقد نظم المركز أيضاً لقاءات حول العدالة الإنتقالية مع قيادات كتائب “الجيش الحر” المقاتلة في ريف حلب وريف إدلب ومنطقة جبل الأكراد في محافظة اللاذقية.
“أغلب القادة والناس لا فكرة لديهم عن العدالة الانتقالية. يتقبلنا البعض لكنّ البعض الآخر يرفضنا لأنّنا من خارج (مناطقهم)،” يقول ريناس، أحد القيّمين على المشروع.
ويمتد عمل المركز أيضاً إلى السعي لتأسيس مجالس إدارة مدنية في المناطق التي تخضع لسلطة الجيش الحر بعيداً عن تدخل المسلحين.
“لدينا قاعدة أساسية، المجتمعات لن تتطور تحت حكم العسكر،” يضيف ريناس. “المدنيون خائفون وما زال المجتمع يحكمه العسكريون، فيديرون أمور الحياة اليوميّة وحتى الإغاثة.”
وقد حصلت في الأشهر القليلة الماضية عدة مظاهرات في المناطق التي تخضع لسيطرة “الجيش الحر” في حلب وسراقب في محافظة إدلب، تندد بالتجاوزات التي يرتكبها مقاتلو المعارضة، وقد أدت في بعض الأحيان إلى الصدام بين المسلحين والناشطين المدنيين.
ونظمت “لجان التنسيق المحلية” يوم الجمعة 22 شباط/فبراير مظاهرات في كامل المناطق السورية، تدعو إلى تنظيم سلاح “الجيش الحر” مع التأكيد على دوره الإيجابي. ورفعت لافتات تحمل عبارات مثل: “أدهشنا العالم بالبطولات فلندهشه بالممارسات” و”البندقية التي لا ثقافة خلفها تدمر ولا تبني.”
الناشط الإعلامي أحمد قدور من مدينة سراقب هو أحد الناشطين المحليين الذين يعترضون على التجاوزات من قبل مقاتلي المعارضة. شارك قدور في شهر كانون الثاني/يناير في مظاهرة في سراقب ضد الممارسات السلبية التي يقوم بها مسلحو “الجيش الحر”. وهو يشرح أنه لا يعترض على وجود الهيئات الأمنية التابعة للمعارضة المسلحة، ولكنه يعترض على بعض ممارساتها، لا سيما وأنها تتخذ إجراءات أمنية بدون الرجوع إلى المحكمة أو المجلس المدني.
يؤكد قدور أن هذا التحرك يؤسس لترسيخ مواجهة أي سلطة تسيء التصرف: “لم تكن تلك مظاهرة عابرة، هي تمثيل لحركة كبيرة، لن يخرسنا أحد بعد أن صرخنا بوجه الأسد.”