نازحو ريف اللاذقية بمواجهة فصل الشتاء

يقطع الأشجار للتدفئة ويخزنها بالقرب من خيمة نزوحه تصوير أحمد حاج بكري

يقطع الأشجار للتدفئة ويخزنها بالقرب من خيمة نزوحه تصوير أحمد حاج بكري

“لم أجد أي عمل لي، وبات تأمين الحطب لتدفئة عائلتي خلال فصل الشتاء أمراً صعباً جداً، بعد أن كنت سابقا أحد أهم تجار الحطب في المنطقة”. قال إسماعيل عمر (29 عاماً) بعد خسارته مصدر رزقه الوحيد الذي كان يؤمن من خلاله ما تحتاجه أسرته، وهو العمل بقطع الحطب وبيعه في محافظة إدلب.

وتأتي خسارة عمر لمصدر رزقه بعد تقدم قوات النظام وسيطرتها على مساحات واسعة من مناطق ريف اللاذقية الشمالي. هذه المناطق التي كانت تعتبر غاباتها المصدر الأساسي للحطب، لكل من المناطق المحررة في محافظة إدلب وريف اللاذقية وصولاً الى محافظة حلب.

وعن الارتفاع الكبير الذي يسجله سعر الحطب في هذه المناطق، يقول عمر “لقد ازداد سعره أربعة أضعاف عما كان عليه العام الماضي. وذلك مع حلول فصل الشتاء، وإقبال الأهالي على شراء الحطب من أجل التدفئة، وسط قلة كمياته وصعوبة توفيره ونقله”.

ويلفت عمر إلى أن سعر طن الحطب الواحد بلغ 60 ألف ليرة سورية وما فوق، أي أكثر من 100 دولار أمريكي في حين كان سعره العام الماضي 15 ألف ليرة. مبيّناً أن السبب الرئيسي في الارتفاع الكبير بالأسعار هو تقدم قوات النظام وسيطرتها على غابات ريف اللاذقية، وتوقف أغلب العاملين بالحطب عن العمل به نتيجة هذا الوضع.

ويعتمد التجار على جلب الحطب من بعض الغابات التي بقيت في المناطق المحررة، ولكن الأمر أصبح خطيراً في ظل استهداف قوات النظام لهم بشكل مستمر بمختلف أنواع الاسلحة، فضلا عن صعوبة وخطورة نقل الحطب بإتجاه مناطق ريف إدلب. يضاف إلى موضوع المخاطرة مشكلة ارتفاع أسعار المحروقات ولاسيما المواد التي تستخدم  في آلات التحطيب مع الأخذ بعين الاعتبار كلفة النقل وقلة المناطق التي يتوجد بها الحطب وقربها من خطوط التماس على الجبهات.

ويختلف سعر الحطب بحسب نوعه. فحطب السنديان يعتبر الأفضل في حين يقل سعره في حال كان الحطب مقطوعا من شجر المرخ. بالإضافة إلى جودته وشكله فالحطب الجاهز للتدفئة، الصغير واليابس يفرق سعره عن الحطب الطويل والأخضر.

سابقا كان يعمل في مهنة قطع الحطب نحو أربعين بالمئة من سكان مناطق ريف اللاذقية، نتيجة غياب فرص العمل وتوفر الحطب بشكل كبير، وسهولة جمعه وقطعه وقربه من أسواق التصريف.

إلّا أن اعداداً كبيرة من السكان والعائلات النازحة هذا العام ستحرم ن مدافئ الحطب، وستجبر على البحث عن مصادر ثانية للتدفئة. مثل مدافئ المازوت بسبب رخص سعره مقارنة مع الحطب، وتوفره في المنطقة أيضا. وعلى الرغم من ذلك فإن الحطب شكل أزمة كبيرة لاسيما لدى العائلات الفقيرة النازحة من مناطق ريف اللاذقية والتي كانت تعتمد على جمع الحطب وتوفيره للتدفئة والطبخ والغسيل. وعمدت العديد من المنظمات الإغاثية إلى توزيع كميات من الفحم و كميات من براميل المازوت للنازحين قبل العاصفة الثلجية بأيام لمساعدتهم على تجاوز فصل الشتاء ومواجهته.

يقيم الحاج محمود في مخيمات النزوح في ريف إدلب الغربي. نزح من قرية أرض الوطى في جبل الأكراد في ريف اللاذقية. وبحسب الحاج محمود هذا العام هو الأول الذي يمر على سكان ريف اللاذقية في ظل وجود أزمة في الحطب، وتوجههم لشرائه بمبالغ مالية أو شراء المازوت بدلاً عنه. سابقاً كانوا يصدّرونه إلى الكثير من المناطق بالإضافة إلى تخزين ما يحتاجونه بكل سهولة.

ويقول الحاج محمود “لا يوجد مقارنة بين التدفئة التي تصدر عن الحطب وبين التدفئة على مدافئ المازوت خصوصا في الشتاء البارد في مناطق إقامتهم، وأيضا في ظل تواجدهم ضمن خيم لا ترد عنهم أي برد. ولكنهم مجبرون على ذلك، في ظل الغلاء الكبير في أسعاره وما يعانونه من أوضاع مادية سيئة وظروف قاسية”.

أم خالد وهي نازحة من جبل الأكراد تسكن في مخيم الأنصار تقول “أن غلاء أسعار الحطب وعدم توفره كما كان في السابق سوف يؤثر على كافة مجالات الحياة، خصوصا أن أغلب النساء كنّ يعتمدن عليه من أجل الطبخ وتحضير الطعام والغسيل لغلي الماء والاستحمام، عند انقطاع الغاز أو عند ارتفاع أسعاره، كذلك كان معظم السكان من الفقراء من أهالي ريف اللاذقية، يعتمدون على جمع الحطب وبيعه مع اقتراب حلول فصل الشتاء، وكان يشكل مصدر دخل للعديد من الأسر”.

أحد أعضاء المجلس المحلّي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه اتهم النظام بقصف معظم الغابات في ريف اللاذقية وحرقها لمنع الثوار من الاستفادة منها في المعارك والمواجهات. كما تحدث عن مسؤولية الأهالي أيضا عن فقدان مادة الحطب هذا العام نتيجة القطع العشوائي للغابات المحروقة وحتى الخضراء منها، بهدف التجارة وكسب المال، دون التفكير بما سيحصل بعد قطع معظم الغابات بشكل شبه كامل وبيع حطبها.

ويحاول المجلس المحلي تنظيم عملية قطع الغابات وتجارة الحطب لكن من دون تحقيق أي تقدم بسبب عدم التزام التجار بتعليمات المجلس، كونهم يبحثون عن الربح بالدرجة الأولى. وبعد تقدم قوات النظام على جبهات الساحل وتوجه النازحين الى ريف إدلب أصبح الحطب من أهم ما يقفده النازحون الذين لم يتعودوا على خوض فصل الشتاء من دون مدافئه.

بعض العائلات تمكنت من جمع كميات من الحطب من الغابات الموجودة بالقرب من المخيمات ولكنها لا تكفي لكل فصل الشتاء. وبمعدل تقريبي تحتاج كل عائلة بين 3 الى 5 طن من الحطب لمواجهة برد الشتاء. خصوصاً أنهم يسكنون الخيم.

تجدر الإشارة الغابات الموجودة بالقرب من المخيمات تم حرقها في وقت سابق من قبل قوات النظام وقطع حطبها من قبل التجار. ويذكر أن ريف اللاذقية كان يتميز بغاباته الكثيفة ذات الأشجار المتنوعة، وكان الأهالي يتوجهون لجمع الحطب منها، خصوصا تلك التي تعرضت للحرق نتيجة القصف بالقذائف الحارقة فكانت تشكل مصدراً لحطب التدفئة، أما حاليا فيواجه آلاف العائلات في ما تبقى من مناطق في ريف اللاذقية وفي ريف إدلب وفي المخيمات مخاطر البرد في ظل أزمة الحطب هذه.