من سجن النظام إلى سجن هيئة تحرير الشام من يعوّض المعتقلين
#لنحقق_العدالة
“لا فرق بين الفصائل العسكرية والنظام” يقول جعفر الذي أمضى عاماً كاملاً في سجون هيئة تحرير الشام كما في سجون النظام حيث أمضى شهرين. رغم اختلاف التهم ومدة الاعتقال، لكن أساليب التعذيب واحدة، جعفر بقي بالمنفردة في سجن الهيئة لمدة 162 يوماً. يعاني اليوم الكثير من الآثار النفسية والجسدية جراء الاعتقال.
يروي جعفر بكثير من الأسى تجربته مع الاعتقال، بدايةً في سجن النظام بتهمة التفكير بالانشقاق عن الجيش والهرب حين كان يؤدي خدمته العسكرية مع بداية الثورة في سوريا والإعلان عن تشكيل الجيش الحر. حينها بقي معتقلاً لمدة شهرين، وبعد دفع عائلته لمبالغ مالية تمكن من الخروج، والهرب نحو مناطق سيطرة المعارضة في إدلب في العام 2012، ليعيش مرحلة جديدة من حياته.
تعرّض جعفر للاعتقال مرة ثانية في العام 2017 من قبل هيئة تحرير الشام من منزله في بلدة سلقين بريف إدلب. وجاء الاعتقال بحسب الهيئة لأسباب عدة أبرزها انه ابن مدينة اللاذقية والتي تعرف بأن أغلب سكانها موالون للنظام. إضافة إلى اسمه الذي لم يكن له ذنب به فهو يحمل اسم جده. قضى معظم فترة اعتقاله بسجن مدينة حارم بريف حلب، ليتم نقله بعدها إلى سجن آخر، وهو عبارة عن مغارة تحت الأرض. لم يعرض خلال هذه المدة الطويلة أمام أي محكمة. وإنما كانت مقتصرة على التعذيب والتحقيق والتهديد باعتقال عائلته وزوجته في حال عدم اعترافه بما نسبوا له من تهم، أو بتنفيذ حكم القصاص (الإعدام) بحقه. خرج من السجن في العام 2018، مع قرار بالنفي إذ تم إعطائه مهلة لعدة أيام للخروج من المناطق التي تسيطر عليها الهيئة، ليهرب بعدها نحو تركيا.
بالنسبة لجعفر لا توجد عدالة ولا يمكن لأي قضاء أو منظمة دولية أو إنسانية أن تعوض المعتقلين عما عاشوه في المعتقلات. ولا يكفي محاكمة من قام بتعذيبه والتحقيق معه إنما لا بد من إنهاء هذا الحكم واطلاق سراح المعتقلين سريعاً. ويلفت جعفر أن الجميع يركز على المعتقلين في سجون النظام الذين يتعرضون لتعذيب كبير وظلم، لكنه لا يقلّ أبداً عمّا يتعرض له المعتقلون في سجون الفصائل العسكرية، وتحديداً هيئة تحرير الشام. جعفر شهد الكثير من الحوادث، وكان يرى تعذيب الهيئة للرجال والنساء على حد سواء.
لا يرى جعفر إمكانية بتحقيق العدالة أبداً رغم كل ما وقع عليه من ظلم وافتراءات، جعلت حياته مدمرة وجعلته يعيش أياماً طويلة من الخوف. يصحو بشكل متكرر ليلاً وهو يصرخ أن يوقفوا التعذيب عنه فهو لم يفعل أي شيء.
يعمل جعفر جاهداً اليوم بهدف تأمين لقمة عيشه وتعويض ما عاشه من ألم. ولكي لا يترك لنفسه مجالاً لتفكير فهو يعمل بتوصيل طلبات الطعام لصالح أحد المطاعم في تركيا. معتبراً أنه فقد الكثير من توازنه وتركيزه رغم تحصيله الجامعي. إلا أنه يفضل عدم العمل ضمن اختصاصه بسبب تعبه الجسدي والنفسي وعجزه عن القيام بأعمال تحتاج إلى التركيز بسبب انعكاسات التعذيب عليه ورسوخها في ذهنه.
المحامية والناشطة الحقوقية بنان عبد الكريم تقول “أن العدالة لا تتجزأ ولا يمكن أن تطبق بحق جهة من مرتكبي الانتهاكات في سوريا دون أخرى. فلا يمكن محاسبة المجرمين في النظام دون المجرمين في الفصائل وتحديداً هيئة تحرير الشام، بسبب مسؤوليتها عن وقوع الكثير من الانتهاكات وحالات الاعتقال التعسفية والظالمة والتي لعبت فيها الخلافات الشخصية والاختلاف بالآراء والأفكار دوراً كبيراً”. وتشدد عبدا لكريم على “أن العدالة تأتي من خلال وضع دستور وقوانين تضبط كافة تفاصيل الحياة وعلى أساسها تقوم هذه المحاكمات”.
وتعتبر بنان عبد الكريم “أن العدالة في سوريا تكون من خلال منع المجرمين من الطرفين، سواء النظام أو المعارضة من ارتكاب انتهاكات وجرائم جديدة. ومن تعرض للأذى والاعتقال أو أي انتهاك يجب أن يتم تعويضه من خلال محاكمة المجرمين حتى ولو بشكل غيابي. إن العدالة تقتضي كشف جرائمهم وتحمل مسؤوليتها ولو بشكل غيابي، وفضحهم وإعلان مسؤوليتهم عن هذه الجرائم ووضعهم ضمن تصنيفات محددة.
وتشير عبد الكريم إلى وجود الكثير من الوسائل التي تساعد في تحقيق العدالة ومنها إشراك الضحايا أو من تعرضوا للانتهاك في بناء النظام الجديد. هذا الأمر قد يشكل تعويضاً ويحمل نوع من تحقيق العدالة فضلاً عن محاولة الابتعاد عن التعويض الشخصي وإنما العمل الجماعي لكي يحصل كل من تعرض للانتهاك على حقوقه ويتحاسب جميع المسؤولين عن إلحاق الأذى به.
جعفر لا يرى حالياً أي طريقة أو وسيلة من الممكن أن تحقق العدالة أو أن تعوضه ما عاناه. هو يعيش في وضع نفسي سيء يسعى لتحسينه وتداركه مستقبلاً متأملاً في حال تحسنه أن يتوجه للقضاء الدولي في ظل استمرار الحرب في سوريا وإلى المحاكم السورية العادلة إن وجدت خلال السنوات القادمة ليس بهدف تعويضه وإنما لمحاكمة هؤلاء المجرمين على حد قوله.