من المسؤول عن جفاف بحيرة المزيريب ؟

""البحيرة كانت منتزه ومتنفس المنطقة الجنوبية الوحيد للأهالي، وتعد معلماً سياحياً تاريخياً، وكانت محط للحجاج قديماً، وازداد الإقبال عليها بعد سيطرة النظام السوري على منطقة حوض اليرموك "

(درعا-سوريا) بعد أن كانت مقصداً ومنتزهاً للسكان في درعا للاستمتاع بمنظر مياهها والسباحة فيها وصيد الأسماك، تحولت بحيرة المزيريب إلى مستنقع للحشرات والأوساخ، وأعدم الجفاف جميع أشكال الحياة فيها.
يقول أبو عمار (48 عاماً) وهو أحد أهالي قرية المزيريب: “تعتبر بحيرة المزيريب إحدى أجمل المناطق الطبيعية وأكبر المسطحات المائية في محافظة درعا، ومن أكبر المصادر المائية التي تؤمن المياه لأهالي محافظتي درعا والسويداء”.
ويضيف أبو عمار: “كانت منطقة سياحية جميلة على مستوى الجنوب السوري، فكان أهالي درعا قاطبة يقصدونها للاستمتاع بمنظر مياهها العذبة، والسباحة فيها وصيد الأسماك وركوب القوارب للتجول بين ضفافها، إضافة للزائرين من مختلف المحافظات السورية الأخرى”.
ولم تؤثر الظروف المناخية التي طرأت على المنطقة طيلة الأيام الماضية رغم الارتفاع الكبير في درجات الحرارة على منسوب مياه البحيرة، لكن التصرفات الجائرة من بعض المزارعين في بلدة المزيريب والبلدات المجاورة لها، أدت إلى انخفاض منسوب مياهها حتى سيطر عليها الجفاف.
محمد الكسابرة (29 عاماً) أحد أهالي درعا يعتبر “ان السبب الرئيسي لجفاف البحيرة هي تلك الآبار الارتوازية التي حفرها المزارعون بشكل عشوائي. وقد تجاوز عددها الـ 500 بئر، إضافة لعشرات المضخات التي تقوم بسحب مياه البحيرة ونقلها إلى الحقول الزراعية في المنطقة، في ظل غياب الرقابة من قبل القوة التنفيذية التي تهاونت في وضع ضوابط للحد من هذه الظاهرة”.
ويقول الكسابرة: “إن التصرفات الجائرة من قبل بعض المزارعين والإهمال من قبل الجهات المسؤولة، حول البحيرة إلى مستنقع للبعوض والقوارض والأوساخ، بعد أن جفت معظم مياهها التي كان يزيد ارتفاعها على 3 أمتار، مما يهدد أهالي بلدة المزيريب والبلدات المجاورة بالأمراض، وخاصة الأطفال الذين يلعبون ضمن حدودها الجافة”.
رئيس المجلس المحلي في بلدة المزيريب عبد الرحيم الغانم يقول من جهته: “نحن نسعى جاهدين لحل مشكلة جفاف البحيرة، وبدأنا بتوسعتها وزراعة الأشجار الحرجية في محيطها، ومنعنا مزارعي المنطقة المحيطة بالبحيرة من حفر الآبار بشكل عشوائي، وقمنا بمصادرة المضخات التي كانوا يستخدمونها لسحب مياه البحيرة لريّ حقولهم”.
ويضيف الغانم: “يبقى أن مجلس محافظة درعا الحرة لم يحرك ساكناً إزاء هذه المشكلة. سواء كان مادياً أم معنوياً، إضافة لضعف إمكانات المجلس المحلي للبلدة، وعدم تبني المشروع من قبل المنظمات والجهات المانحة، وهو ما أدى إلى تأخير إنهاء التوسعة والتشجير، وازدياد تفاقم مشكلة الجفاف”.
ويتحدث الغانم عن “ظروف طبيعية ساعدت في تدارك المشكلة، ما سمح للبحيرة باستعادة قسم من مياهها إثر وصول جزء من المياه المغذية لها إلى مكان تجمعها في البحيرة”.
ويشدد الغانم على “أن ذلك لا يكفي للقضاء على الجفاف، بل علينا ردم الآبار العشوائية الجديدة، والانتهاء من مشروع التوسعة والتشجير حول في محيط البحيرة، ووضع قوانين وضوابط وإلزام جميع المزارعين بها قبل حلول فصل الصيف القادم، وإلا فسيتفاقم الأمر أكثر من ذلك، وقد يؤثر على المياه الجوفية في المنطقة بأكملها”.
وقد تسببت هذه التصرفات الجائرة بقطع مصادر الرزق وسبل الحياة لدى عدد كبير من أبناء المنطقة الجنوبية، ممن كان عملهم في البحيرة مصدر رزقهم الوحيد.
عبدالله الغزاوي (28 عاماً) كان يمتلك قارباً سياحياً صغيراً، يعمل به في بحيرة المزيريب، ويؤمّن من خلاله القوت اليومي لعائلته قبل أن تجف.
يقول الغزاوي: “كان القارب مصدر رزقي الأساسي كما هو حال الكثير من شبان المنطقة، فكان عملنا يكمن في أخذ الزائرين من أهالي المحافظة والمحافظات المجاورة في جولات بين ضفاف البحيرة بقواربنا الصغيرة التي بلغ عددها نحو 150 قارباً، وبأجور زهيدة لا تتجاوز الـ 200 ليرة سورية (ما يقارب نصف دولار أميركي) للشخص الواحد”.
ويضيف الغزاوي: “البحيرة كانت منتزه ومتنفس المنطقة الجنوبية الوحيد للأهالي، وتعد معلماً سياحياً تاريخياً، وكانت محط للحجاج قديماً، وازداد الإقبال عليها بعد سيطرة النظام السوري على منطقة حوض اليرموك مثل وادي جلين وسد عدوان، لكن بعد جفاف البحيرة لم يبق للأهالي أي متنفس في المنطقة، ولم يبق لنا من مصدر نعيل به أسرنا”.
وفي وصف البحيرة بعد جفافها يقول أبو فؤاد وهو أحد أبناء المحافظة: “من يشاهد هذا المنظر يظن أن الساعة قد اقتربت، وماتت النفس وهلك من في الأرض جميعاً… يا أسفاه على بحيرة عرفتها كل كتب الجغرافيا لتكون الدلالة والمعلم والتاريخ والحضارة، جفت اليوم ولا نعلم إن كانت ستعود أم لا”.