منع استعمال الدراجات الهوائية في شوارع دمشق
قد يكون الازدحام الخانق الذي تشهده شوارع دمشق خلال ساعات النهار، وغلاء أسعار المحروقات وغيرها، من الأسباب التي دفعت بالعديد من سكان العاصمة وضواحيها القريبة إلى الاعتماد على دراجاتهم الهوائية كوسيلة للتنقل. وهذه الظاهرة انتشرت في العاصمة قبل اندلاع الأحداث، فقيادة الدراجة الهوائية في دمشق ليست لممارسة الرياضة أو للتسلية فحسب بل هي بالأكثر وسيلة للتنقل. وكانت قلة من الفتيات يستخدمنها أيضاً رغم نظرة المجتمع المحافظ. لكن هناء سائقي الدراجات لم يدم طويلاً، بدأت المعاناة مع التضييق من قبل الحواجز الأمنية، التي قد تنتهي بمصادرة الدراجات وقد يمس السوء صاحب الدراجة حتى.
ويشاهد عند أكثر من حاجز في شوارع رئيسية في العاصمة، نقل العشرات من الدراجات المصادرة إلى أماكن مجهولة، حيث يرجح أصحاب الدراجات أنها تعامل معاملة الخردة ومن الصعب استرجاع أي دراجة بعد مصادرتها.العقوبة من قبل شرطي المرور لمن تُضبط معه دراجة داخل المدينة دفع مخالفة بقيمة 260 ليرة سورية (ما يقارب الدولارين) ويتم حجز الدراجة حتى تدفع المخالفة.
بدأ هذا التضييق بالتدرّج، وتمثلت المرحلة الأولى بمنع سائق الدراجة من المرور في شوارع مختصرة والتي أغلقت أمام السيارات، ثم أخذت الحواجز تطالب سائقي الدراجات بأوراق تثبت أنهم يعملون لدى مكتب أو مطعم وأنهم بحاجة لدراجة، في مثل هذه الحالة يتم التغاضي ويسمح للسائق بالمرور لكن قد يمر عند حاجز آخر لا يعترف بمثل هذه الورقة، أو يطلب ورقة لها علاقة برخصة قيادة ولا يوجد مركز يمنح هكذا رخص، فينتهي الحال بمن لا يملك شيئاً من هذا بأن تُصادر دراجته. قد تتساهل حواجز أخرى بتطبيق هذا الأمر أحياناً وتبعاً للهوية التي يحملها سائق الدراجة، حيث يتم التضييق على من تشير بطاقة هويته إلى أنه يسكن في منطقة تسيطر عليها المعارضة.
الدراجات النارية ليست حالها بأفضل فقد منعت أيضاً من الاستخدام داخل المدن، وخاصة العاصمة، وتم مصادرة الكثير منها خلال العامين الأخيرين، ولكن هناك الكثير من التجاوزات يقوم بها عناصر الأمن، فالعديد منهم يستخدم الدراجات النارية للتنقل في شوارع المدينة.
هذا وقد سبق ووقعت تفجيرات استخدمت فيها دراجات نارية مفخخة، كالتفجير الذي استهدف خروج المصلين من جامع في حي ركن الدين الدمشقي وأسفر عن مقتل ستة من المدنيين ومن القوى الأمنية وذلك بتاريخ 7 أيلول/سبتمبر 2012.
محمد شاب عشريني يعتمد على دراجته الهوائية ليتنقّل بين منزله وجامعته منذ فترة طويلة، اعترضته عدة مواقف عند الحواجز انتهت بمصادرة الدراجة، وكادت أن تؤدي به إلى الاعتقال.
أما حسن (18عاماً)، فما زال يستخدم دراجته لاجتياز المسافات القصيرة، ويقول إنه يمر بالطرقات الضيقة ويتجنّب الشوارع الرئيسية، وهو يعمل بتوصيل الطلبات التي تُطلب من بقالية والده، وبإمداد المتجر ببعض السلع اليومية، فهو بحاجة إليها وسيحاول قدر إمكانه المحافظة عليها من أن تصادر. حال حسن كحال آخرين فضّلوا المغامرة والاستمرار باستخدام درّاجاتهم والمثابرة على فعل ما اعتادوا عليه لسنوات طويلة لكن مع بعض الحذر والتحايل.
في دمشق من حوّل دراجته إلى متجر صغير يشكل مصدر عيشه، كحال العم منير (60عاماً) الذي بدأ قبل حوالي الثلاث سنوات ببيع نوع من الحلويات الشامية المعروفة باسم (تماري كعك) بعد أن تقاعد من وظيفة آذن في مدرسة، فقد صمّم صندوقاً صغيراً للدراجة يضع به حلوياته ويتجول به في أحياء دمشق، اعتمد في الفترة الأخيرة على نمط جديد وعدل عن حياة التجوال، اختار مكاناً محدداً غير بعيد عن منزله، يمكث فيه أغلب يومه يبيع بضاعته خوفاً من أن تصادر دراجته.
سعد (40عاماً) والموظف في فرع مرور دمشق يقول: “تم منع استخدام الدراجات الهوائية داخل مدينة دمشق لأسباب أمنية وهذا تعميم صدر عن فرع مرور دمشق مؤخراً، وقد يمنحون رخص لقيادة الدراجات من مركز المحافظة قريباً”. وعن الأسباب يشير سعد إلى: “أن الوضع الأمني في حالة استنفار، والدراجة الهوائية تسلك الطرق المختصرة والضيقة فلا يخضع سائق الدراجة والدراجة للتفتيش عند الحواجز. وقد وقعت حوادث كثيرة سببها مثل هذه الدراجات من اختراقات للقوانين، وقد تكون وسيلة للفارين من القانون والتفتيش أو قد تحمّل بمواد ممنوعة وما إلى ذلك”.
وشاركت الدراجة الهوائية بالاحتجاجات، وتم توظيفها للتعبير عن معارضة حكم عائلة الأسد، فقد حدث في سوق الحميدية في دمشق أن تم تثبيت سماعة على دراجة بداخل صندوق حديدي محكم الإغلاق، وربطت الدراجة بواسطة أقفال داخل السوق الذي يعجّ بالباعة والمارة ورجال الأمن. وأخذت السماعة المجهزة والمشحونة تصدح بأغاني الثورة والأغاني المسيئة للنظام السوري، ولم يتمكن رجال الأمن المستنفرين أن يوقفوا الأصوات إلا بعد مرور مدة.
ولأزمة منع الدراجات الهوائية في دمشق عدة أوجه، إذ يعبّر محمد (40 عاماً) الذي يملك متجراً لبيع الدراجات في منطقة باب شرقي عن أسفه لما يحصل من مصادرة للدراجات ومنع استخدامها وقد شاهد بعينه أكواماً مكدسة من الدراجات في ساحة المحافظة في وسط دمشق. ويشير إلى أنه ليس من الغريب في ظل هكذا أحداث أن يصدر هذا الأمر من الدولة والمواطن المسكين هو من يدفع الثمن دائماً، ويأمل بحلول وتيسيرات قريبة لهذا الأمر. وعن مدى تضرر عمله تحدث عن انخفاض كبير للطلب وتراجع مبيعاته للدراجات إلى حد كبير بعد أن شهد حالة مبيع جيدة وزاد الطلب على الدراجات وخاصة من قبل الشباب في فترة ما قبل منع استخدامها، هذا وقد ساهم الغلاء وارتفاع سعر صرف الدولار وسوء أحوال الناس بانخفاض الطلب أيضاً، حيث تضاعفت أسعار الدراجات حوالي المرة والنصف للدراجات المتوسطة النوعية وثلاث مرات للدراجات ذات النوعية الممتازة، وانخفض أيضاً مبيع الدراجات ذات المقاس الصغير حيث لم تعد الشوارع والساحات آمنة بالنسبة للأطفال واليافعين لممارسة هوايتهم بركوب الدراجة. ويوجد العديد من المتاجر المختصة ببيع الدراجات في دمشق قد أغلقت وفقدت قدرتها على الاستمرار.