منزل الجيران الذي ينتظر عودتهم وعودتنا

 

في ذاك المنزل الذي استطاعا الحصول عليه بعد أكثر من 25 سنة خدمة في مؤسسات الدولة، قضينا أجمل أيام طفولتنا مع أطفالهما، في ذاك المنزل حلمنا ولهونا تحت الياسمينة التي نشرت أزهارها في أرجاء حديقته وقد عبقت رائحتها وامتزجت برائحة الأرض والمحبة والوحدة السورية التي تجلت بأبهى صورها كلما اجتمعنا معهم. ، كانوا من طائفة مختلفة عن طائفتنا، إلا أنهم لم يكونا إلا والدين آخرين لنا وأطفالهما إخوتنا.

في ذاك المنزل خططنا لرحلات كثيرة، صنعنا الحلويات، احتفلنا بأعياد ميلادنا ومناسبات كثيرة، حتى اختلقنا مناسبات خاصة بنا. أبكينا أحبة فقدوهم هم أو نحن ووجدنا الحلول لمشكلات واجهتنا.

ذاك المنزل الذي لم يشهد فقط على مسيرة حياتهم بل مسيرة حياتنا نحن أيضا، أُرغموا على إغلاق أبوابه خلفهم بعد أن خيم السواد على المدينة الصغيرة التي احتضنتنا نحن وهم لسنوات عديدة والتي اعتبروا أهلها أهلهم وطائفتها طائفتهم. أغلقوا أبوابه وتركوا خلفهم الذكريات والأحلام ترقد في كل زاوية منه.

لملموا دموعهم على أمل العودة وسلموا منزلهم لمستأجرين. بكينا حرقة لأنهم رحلوا وتركونا لوحدنا في هذا الخوف الكبير، لكن حياتهم كانت أهم لاسيما أن أميراً، لا أدري من ولاه علينا، اعتبرهم مرتدين وحكم على حياتهم بالنهاية وعلى رقابهم بالذبح.

حاولنا تخفيف آلامنا ومواساة أنفسنا بأن هذا السواد سوف ينجلي وسيعودون لنرسم سوية مستقبل سوريا ومستقبلنا بكل الألوان والطوائف.  وما واسانا أكثر أن ذاك المنزل بقي بأمان ولم يأخذوه بحجة أن أصحابه مرتدين. ربما تاه عنه كتبة التقارير، إلى أن جاء اليوم الذي وقعت فيه عيونهم على هذا المنزل، بلّغوا عنه ليبعثروا تلك الأحلام في زواياه ويشوهوا كل لوحة جميلة رسمناها سوية. أخرجوا المستأجرين وقدموه على طبق من الفضة لأحد جزاريهم ليخيم السواد عليه وتكتب له قصة جديدة لكن تفوح من كلماتها رائحة الدم والبارود.

أصبح المنزل لهم حسب شرعهم الكاذب. استخدموا فناجين قهوة كنا نشرب فيها، ناموا على أسرة كنا ننام عليها نحن وأطفال أصحاب المنزل. جلسوا تحت الياسمينة التي لربما ذبلت ورودها عندما رأت مقدار الحقد الذي في قلوبهم.

سرقوا ضحكاتنا في ذاك المنزل، سرقوا نكاتنا الهزيلة التي كنا نضحك عليها حد البكاء، سرقوا لعبة الورق والشطرنج والمونوبولي و لربما حتى المكعبات التي ابتكرنا منها أشياء كثيرة في أول أيام طفولتنا.

يا ترى ما حال جدرانه وأثاثه؟ بالتأكيد فقدت بريقها ولمعانها واشتاقت صخبنا، بالتأكيد ترثي حالنا وضياعنا، بالتأكيد لا تزال منتصبة تنتظر عودتنا.