مكب “الخرابات” في رأس العين ينتظر حلاً بيئياً
في القسم الشمالي من مدينة رأس العين السورية، شمال شرق محافظة الحسكة، يقع الحيّ ذو المسمّيات العدّة: حي الحوارنة، حي الخرابات أو الكورنيش الشمالي، كما يحلو لسكان المدينة تسميته.
يبعد الحي مسافة 500 متر عن الحدود التركية. هذه المنطقة الفاصلة بين البيوت السكنية والحدود هي المكب الرئيسي لنفايات المدينة البالغ عدد سكانها 80 ألف نسمة. تفرّغ الجرارات التابعة للبلدية كل يوم حمولتها من النفايات التي تزيد عن 25 طن. تقوم آليات البلدية بقلب القمامة فتنبعث الروائح الكريهة وتنتشر في كل أرجاء الحي، يضاف إلى ذلك انتشار الذباب والبعوض والقوارض. وتحرق القمامة مرتين على الأقل في الأسبوع من قبل البلدية للتخلص منها. علي، أحد سكان الكورنيش الشمالي، يقول: “رائحة القمامة والدخان المتصاعد من المكب نتيجة حرقها له تأثير على صحة المواطنين وخاصة الأطفال. نلاحظ وجود حالات مرضية كثيرة مثل الربو. ولا حضور لمديرية الصحة أو منظمات أخرى عندنا التي من المفترض أن تقوم بالكشف على صحتنا وعلى صحة أطفالنا”.
سامر بدوره يسكن في الكورنيش الشمالي وهو يراقب يومياً مجموعات من الباحثين في القمامة، أو “النباشين”، الذين يلاحقون جرارات البلدية لجمع بقايا البلاستيك والتنك الذي يتم بيعه لأصحاب مكابس المعدن المتمركزين في الحي ويستطرد سامر قائلا: “يعاني حيّنا من إزعاج آخر متمثل بأصوات المكابس ليلاً و نهاراً. أما النسوة المربيات للمواشي في منازلهم فيقمن بجمع بقايا الخضار من ذلك المكب لإطعام مواشيهن.”
يصف أحمد، وهو أحد سكان الحي، المكب بأنه أضحى جزءاً لا يتجزأ من جغرافية المنطقة وتاريخها منذ قرابة ربع قرن. وأحمد متأكد من أن خلفية السكان الإجتماعية والقومية لها علاقة بوجود المكب في هذه المنطقة بالذات ويقول: “عدم سماع أصوات أبناء الحي يعود إلى كون معظم الأهالي من الأكراد الفقراء. لذا عليهم أن يعيشوا طوال حياتهم ضمن هذه الزبالة ويتعطروا بروائحها!”
أحد أبناء الحي يقول إن الأهالي سئموا من تقديم مئات العرائض والإحتجاجات إلى الجهات المعنية لإيجاد حل لهم: “البلدية ترمي مسؤولية نقل المكب على الجهات العليا. مكافأتنا ليس فقط مكب النفايات وإهمال البلدية بل حتى إهمال تام من قبل مديرية الصحة بالكشف عن أضرار تلك القمامة وروائحها على حياة السكان. وكأننا لسنا بشراً وليس من حقنا أن ننعم بحياة أفضل”.
لا يُخفى على أحد الإهمال الذي يعاني منه الكورنيش الشمالي. شوارع الحي ترابية وغير مغطاة بالإسفلت. عندما تهب الريح يشكل هذا التراب سحباً من الغبار وينتشر في كل مكان. أما في الشتاء، فتتحول الشوارع إلى مستنقعات مليئة بالوحل. يسكن أهالي الحي من الأكراد في بيوت مبنية من الصفيح والإسمنت، أما النَوَر فيقيمون في خيم. ويعمل سكان المنطقة كعمال أو فلاحين والبعض الآخر في المهن التجارية. يقع الحي خارج المخطط التنظيمي لمدينة رأس العين لأنه واقع على مشارف الحدود السورية – التركية ويصف المهندس عبد الرزاق العزيز، الرئيس السابق لمجلس بلدية رأس العين بأن “حي الحوارنة أو حي الكورنيش الشمالي هو عملياً تجاوزات ومخالفات سكنية منذ القدم.”
يشير العزيز إلى جهود بذلها المجلس لحل مشكلة المكب ويقول إن هناك محاولات جرت لنقله إلى القرب من قرية مختلة التي تبعد عن المدينة مسافة 17 كيلومتراً، “إلا أنّ أهالي هذه القرية احتجوا ومنعوا دخول آليات البلدية، فقمنا بإرجاع النفايات إلى المكب الحالي،” يضيف العزيز. “هناك خطة مستقبلية نعمل عليها لنقل المكب إلى منطقة قريبة من الطريق الدولي الذي يبعد مسافة 35 كم جنوب مدينة رأس العين.” تقع هذه الأرض ضمن دائرة أملاك الدولة في الحسكة. والطريق الواصل إلى المكب الجديد لم يجّهز بعد. “طالبنا جهات معنية ومنها مديرية الخدمات الفنية بالحسكة بتعبيد وتزفيت هذا الطريق بمسافة 7 كم فقط وذلك للحاجة الماسة له. ونحن بانتظار الموافقات على تنفيذه،” يقول العزيز.
وأوضح العزيز أن “البلدية قامت بعمل دراسة مستقبلية أولية لتنفيذ مشروع كورنيش الشمالي السياحي حيث يصبح مكان المكب حدائق ومتنزهات عامة مع زرع أشجار فيها. بالإضافة إلى تنفيذ محلق شمالي للمدينة. وعرضنا هذا المشروع على الجهات المعنية مراراً لكن لم تخصص لنا موازنة العمل به حتى الآن.”
رئاسة البلدية الجديدة متمسكة بتنفيذ هذين المخططين ولكنهما لم يدخلا حيذ التنفيذ وهي تلقي اللوم، كما قال رئيس البلدية السابق عبد الرزاق العزيز، على جهات عليا في محافظة الحسكة.
أما الموظف أ. ف. المهندس في مديرية الخدمات الفنية في الحسكة، الذي لم يود الكشف عن اسمه، فيعيد الكرة إلى ملعب بلدية رأس العين ويقول إن هناك بالفعل مخطط تنظيمي للكورنيش الشمالي ولكن البلدية في رأس العين مسؤولة عن تنفيذه: “معظم بلديات المنطقة لديها مخططات تنظيمية مدروسة ولكنها تبقى حبراً على ورق. عندما يتلقون شكاوي من قبل المواطنين يدّعون أن الجهات العليا لا تنفذ المشاريع.”
مكب النفايات في حي الكورنيش الشمالي في رأس العين مثال للعديد من المشاكل البيئية التي تعاني منها مدن الجزيرة السورية وبلداتها. القامشلي مثلاً تعاني من مشكلة نهر الجقجق الذي تحول إلى مكب للنفايات. مدينة الدرباسية ليست بأحسن حال، فهي تعاني من تسرب مياه الصرف الصحي إلى مجرى الوادي الذي تحول إلى مستنقع تنبعث منه الروائح الكريهة، بالإضافة إلى وجود خط مجرور رئيسي للصرف الصحي، يخترق أطراف المدينة والأراضي الزراعية المحيطة بها مكشوفاً. المنطقة بأشد الحاجة إلى مشاريع بنية تحتية ولكن ليس من المتوقع أن يتم تنفيذ أي منها في ظل الظروف السياسية الحالية.