معهد التكنولوجيا الزراعية في إدلب يفتح أبوابه امام الطلاب
يشعر المزارع أبو وائل بسعادة عارمة، حين يذهب برفقة إبنه محمد إلى حقله المزروع بأشجار الزيتون، ويشاهد ولده، وهو يطبّق ما تعلمه في المعهد من علوم وخطوات، من شأنها الإهتمام بالأشجار، لزيادة إيرادها ومكافحة أمراضها، فيتحقق موسم قطاف وفير.
محمد هو أحد الطلبة الذين استفادوا من افتتاح معهد التكنولوجيا الزراعية في إدلب، الذي يحدّثنا عنه عميد المعهد د. خالد الطويل (46 عاماً)، قائلاً: “افتتحت منظمة سبارك الهولندية معهد التكنولوجيا الزراعية في جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب، بتنفيذ من مكتب التعاون الدولي الزراعي، بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث كانت الدورة الأولى للمعهد. وتأتي أهميته، باعتبار أنَّ كل المعاهد الزراعية في المناطق المحرّرة، قد تم إلغائها، وأصبح المكان الوحيد لتعلم الزراعة هو كلية الزراعة الحكومية. وليس بمقدور جميع الطلاب الإلتحاق بها، لكونها في مراكز المحافظات، وبالتالي قد يتعرض الطلاب للأخطار، ولا سيّما بسبب انتشار حواجز النظام على الطرقات العامة… فجاءت فكرة افتتاح المعهد، ليستوعب الطلاب المنقطعين عن الدراسة في كليات الزراعة، أو الراغبين ببدء دراسة هذا التخصص. ليمد الطلاب بأبحاث التكنولوجيا الزراعية، بهدف تجهيز كوادر متخصصة تعمل بأسس علمية، من أجل تطوير وإدارة العمل الزراعي في إدلب.” ويؤكد د. الطويل، أنَّ أولوية القبول في المعهد تكون للطلاب المنقطعين عن الدراسة في الكليات والمعاهد الزراعية وكلية الطب البيطري، ومن ثمّ تأتي الأولوية لحَمَلة شهادة الثانوية الزراعية، ثمّ الثانوية العلمية، ثمَّ الأدبية على التوالي. أي أنَّ المعهد يسعى لإعطاء الفرص بحسب الأولوية، لا أن يتحوَّل لباب واسع لكل مَن أراد الدراسة في ظل المشاكل التعليمية.
بلغ عدد طلاب المعهد 230 طالباً وطالبة، ويتوازن عدد الإناث مع الذكور، في أقسام منفصلة.
وعن آلية الدراسة يقول عميد المعهد: “يدرس الطالب في المعهد لمدة سنتين مقسَّمة إلى ستة مستويات، وكل مستوى مدته ثلاثة أشهر، ليحصل على شهادة خبرة في نهاية كل مستوى. وبعد أن يُتم الطالب جميع المستويات، يُمنح شهادة التخرج النهائية التي تكون مصدّقة من الخارجية الهولندية، حكومة الإئتلاف السوري، منظمة التعاون الدولي الزراعي ومنظمة سبارك.”
وعن الخطة التعليمية في المعهد، يقول المدرِّس عبد الرحمن البيوش (39 عاماً): “بدأت الخطة التعليمية، بأنّ يخضع الطالب لدورة تدريبية مكثَّفة، يدرس فيها أربعة مقررات متعلقة بخدمات الزيتون ما قبل القطاف، والمكافحة المتكاملة لآفاته، والآلية الحديثة لتصنيع زيت الزيتون. ثم تمَّ اعتماد باقي المواد الزراعية لاحقاً، وهي: وقاية النبات والبساتين، الصناعات الغذائية، الإنتاج الحيواني، الإنتاج النباتي واللغة الإنكليزية. بالإضافة إلى مادة إدارة المشاريع الزراعية، حيث تعمل المنظمة على تنفيذ المشاريع التي يعمل فيها الطلاب خلال مدة دراستهم، لتحقيق فائدة مقرونة بالعمل.”
ويشير البيوش إلى أنّ منظمة سبارك، الجهة الداعمة للمعهد، قامت بافتتاح معهدين آخرَين، في المناطق المحررة في حمص ودرعا. ويكون الدعم، عبرَ تأمين النفقات التأسيسية من طاولات ومقاعد وأجهزة كمبيوتر وقرطاسية، بالإضافة إلى دفع رواتب المدرِّسين، وإعطاء راتب رمزي للطلاب لدفع تكاليف النقل.
وكمدرِّس، يتحدّث البيوش عن الصعوبات التي تواجه المعهد، قائلاً: “عدا عن القصف وفقدان الأمان، فإنّ الصعوبات التي نواجهها أغلبها مادية. فمثلاً، يفتقر المعهد لوجود سيارة لنقل الطلاب إلى الحقول من أجل الدروس العملية والجولات الحقلية، فنضطر لاستئجار السيارات. إضافةً إلى النقص في تجهيز المختبرات. ولو توافرت الإمكانيات، لكان المعهد نموذجياً بكل المقاييس.”
أمين (21 عاماً) طالب تركَ دراسته في كلية الزراعة، يقول: “كنت في السنة الثالثة حين اضطررت لترك الجامعة، بسبب تردّي الأوضاع الأمنية من جهة، وضعف وضعي المادي من جهة أخرى. وعندما سمعت بافتتاح معهد التكنولوجيا الزراعية، قمت بالتسجيل، رغبةً مني بصقل معلوماتي التي تعلمتها في الجامعة، ومن أجل اكتساب خبرة إضافية، وللحصول على شهادة المعهد بعد إنهاء كل المستويات.” ويسعى أمين جاهداً، كي يكون من الطلاب الأوائل، لأنَّهُ يتم إيفاد الأوائل إلى خارج سوريا، لاستكمال دراستهم بالزراعة.”
أمّا مروة (20 عاماً)، تعبّر عن سعادتها بالإلتحاق بالمعهد، وتقول: “عدد الإناث في المعهد مساوٍ لعدد الذكور أو يفوقه أحياناً، وهذا يُشعرني بالسعادة. وكطلاب نحقق فائدة كبيرة، حيثُ نتعلم إدارة المشاريع الزراعية، على اعتبار أنَّ الزراعة هي من أهم النشاطات البشرية في منطقتنا. ونكتسب أساليب جديدة في الإهتمام بالمزروعات، وكيفية إدارة الأراضي بشكل جيد، في ظل ظروف الحرب. ونسعى لاستصلاح وتأهيل الأراضي التي أُهمِلت.” تُشيد مروة بالمدرّسين في المعهد، وتقول أنهم من أكفأ المدرّسين، وجميعهم من حملَة الشهادات العليا.
وليد (19 عاماً)، لم يكن يتوقع أن يتابع دراسته بعد أن حصل على شهادة الثانوية الزراعية. لكنَّ المعهد فتح الباب أمامه لمتابعة دراسته، للحصول على فرصة عمل يواجه بها متطلبات الحياة وضيق الأحوال. فيقول: “بات الإلتحاق بالجامعات حلماً بالنسبة لكثير من الشبّان، وهذا يشكل عبئاً علينا، وعائقاً في طريقنا للتخصص. لكننا نجد في المعاهد حلاً مبتكراً، يساعدنا على استكمال تعليمنا، فتصبح البديل أمامنا.”
يقول د. خالد الطويل، متحدِّثاً عن أهمية المعهد في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها المناطق المحرَّرة: “أمام هجرة الخبراء الزراعيين وترك مساحات واسعة من الأراضي دون استثمار، وتراجع قطاع الزراعة الذي بات يهددّ الأمن الغذائي… أصبح معهد التكنولوجيا الزراعية ضرورة ملحّة، يساعد شبابنا على حمل لواء النهوض بالزراعة، واستعادة الأمل بغدٍ أفضل، قد يحمل الخير والبشرى لهُم وللوطن.”