معرض كتاب دمشق… أكثر من غياب و طائرات من ورق في مهب الأزمة

تتنقل رايسا الحسن مراسلة التلفزيون السوري بين أجنحة معرض الكتاب، تقتنص كاميرتها زائراً من هنا وآخر من هناك. أحد الزائرين ينوء بكتاب الأغاني كاستعراض لا يخلو من طرافة.

المشاركون في دورة هذا العام لم يتعدوا 250 دار نشر

الرسالة اليومية التي بثتها الفضائية السورية على مدى الأيام العشر لمعرض دمشق السابع والعشرين للكتاب من 8 حتى 18 من أيلول الجاري لم تنجح في إخفاء غيابات كثيرة عن فعالية عريقة في الحياة الثقافية السورية. الرحلة نحو المعرض الذي يقع على بعد عشرين كيلومتراً عن العاصمة تبدأ من أمام وكالة سانا السورية للأنباء. وفي محطة ثانية تنطلق حافلات النقل العام من ساحة باب توما. تقطع الباصات رحلتها على الطريق السريع لمطار دمشق الدولي عابرةً قرى مختلفة، ترافقك أشجار صفصاف وصنوبر ولافتات مطاعم باب الحارة والقرية الشامية على طول طريق تشعرك أنك على سفر، أو أنك تتجه لمغادرة العاصمة السورية، لولا أن الباص ينعطف أخيراً نحو مدخل مدينة المعارض، لتدخل إلى بوابة المكان الذي تم تخصيص قطعة من أرضه لمعرض الكتاب الدولي. هنا تحتشد صالات عرض السيراميك والجرارات الزراعية وصابون الغار الحلبي جنباً إلى جنب مع صالتي معرض مكتبة الأسد. وعلى امتداد 12 ألف متراً مربعاً خصصت جلها هذا العام لأجنحة خاصة بالجامعات السورية الحكومية والافتراضية والمراكز الثقافية الأجنبية، تصدرها المركز الثقافي الروسي وجناح السفارة الهندية بدمشق إضافة لمكتبات عمومية.

تشديد أمني على باب المعرض، تفتيش دقيق للحقائب والوجوه. في اليوم الأول تصادفك شخصيات رسمية توجتها نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية. تهبط المرأة الستينية من سيارتها السوداء وسط إهتمام إعلامي بالغ الحفاوة، فالعطار وزيرة ثقافة سابقة وكثيراً ما توصف ولايتها بالعصر الذهبي لوزارة الثقافة السورية. تقص العطار الشريط الحريري وتتجول فى أجنحة المعرض بعد أن تعطي كلمة للتلفزيون السوري لم تخلو من إشارة واضحة للأزمة السورية وخصوصية إقامة هذه الدورة لمعرض الكتاب: “هناك ثقافات أخرى غريبة عن كياننا وتراثنا ووجودنا وهي ثقافة مغالطة معادية بدأت تنتشر وتجرنا إلى حضيض الحياة بدلاً من أن تدفعنا إلى المستويات الأرقى” وتقول الوزيرة السابقة بأن هذه الثقافات الطارئة “بدؤوا يشيعونها عبر الفضائيات وأحياناً عبر الكتب”. كلام العطار يقودنا مباشرةً لمقاطعة معظم دور النشر الإسلامية السورية والعربية للمعرض الدمشقي، فيما تحضر دار العكيبان السعودية ودار الفكر واليقين السوريتين بقوة في واجهة الأجنحة كفاتحة لزوار يبحثون عن عناوين الفقه وأسرار الجن والجان، ومحاذير ليلة الدخلة على المسلم والمسلمة وفوائد الوضوء الروحية.

خلى المعرض من تواقيع الكتب والندوات والمحاضرات

 كتلة دور النشر اللبنانية حضرت هي الأخرى لكن معظمها كان بالوكالة، مثل الريس والطليعة والساقي والآداب والعودة، معظمها عرضت عناوين قديمة، بينما اشتركت دارا الانتشار العربي ودار الفارابي بشكل مباشر. حدثنا صاحب دار الفارابي علي بحسون متحمساً: “سأحدثك بصراحة، مجرد إقامة المعرض هو نجاح للسوريين، أنا واحد من الأشخاص الذي شارك في تشجيع دور النشر اللبنانية على القدوم، مع أنهم حين رؤوا إسمي مسجلاً على موقع المعرض اتهموني بالجنون، هم الآن يندمون لأنهم جاؤوا إلى دمشق بأعداد قليلة من الكتب التي قاربت على النفاذ من الأيام الأربعة الأولى نظراً لإقبال الزوار”. ممثلو دور أخرى لم تتمكن من تسجيل بيع يذكر.

المشاركون في دورة هذا العام التي حملت شعار “سوريا بخير” لم يتعدوا 250 داراً فيما كانت دورة العام الماضي قد وصلت إلى أكثر من 400 من الناشرين العرب والأجانب، مفارقة تركت آثارها اللحظة الساخنة التي تعصف بالبلاد منذ منتصف آذار/مارس الماضي. وكانت وزارة الثقافة قد أصرت على إدراج المعرض في خطتها بعد أن علقت مؤخراً الكثير من فعالياتها السنوية. وتغيبت قرابة خمسين دار نشر سورية عن المشاركة كان أبرزها دار قدمس ودار التكوين ودار ممدوح عدوان، فيما حضرت دار بدايات بمجموعة كاملة من كتب أدونيس إضافةً لدار رفوف بأربعة عناوين جديدة كان أبرزها رواية “سيأتيك الغزال” لخليل صويلح ودار نون الحلبية التي تكلم إلينا صاحبها محمود وهب شاكياً: “دفعت أجرة الجناح قرابة 35 ألف ليرة وكلفني النقل قرابة 15 ألفاً فيما بيعي في اليوم الواحد لا يتعدى الخمسة آلاف ليرة، أنا خاسر لا محالة، ولا أحد يسند ظهر الدور الناشئة، فمعظم الدور الحلبية تعاني وتندثر”. ويقول محمود وهب بأنه يطبع من العنوان الواحد أقل من 500 نسخة ولا تنفذ هذه الطبعة إلا في خمسة أعوام.

عرس الكتاب السوري تغيب عنه لهذه الدورة كل من المغرب والعراق والجزائر ومصر، فيما حضرت المكتبات العمومية في محاولة لسد الفراغ الناجم. وخلت دورة “سورية بخير” من الأنشطة الموازية من تواقيع الكتب والندوات والمحاضرات، رغم أن مدير مكتبة الأسد علي العائدي كان قد وعد زوار المعرض في تصريح له آخر شهر آب/أغسطس بمحاضرات وندوات ولقاءات مع كتّاب. وقاطع الكثير من المثقفين السوريين معرض الكتاب فتغيبوا عن المقهى الذي كانوا يقصدونه بكثرة في الدورات السابقة. ويذكر أيضاً أن دوام المعرض لهذا العام إمتد يومياً بين الساعة الحادية عشرة صباحاً والعاشرة مساءً بخلاف الدورة السابقة التي كان يمتد الدوام فيها بين الخامسة ظهراً والحادية عشرة مساءً، مما أرهق أصحاب دور النشر ورتب عليهم أعباء إضافية من أجور عمال وموظفي بيع.