معبر الموت الحلبي يتحول إلى الحياة
مجاهد أبو الجود
تمكّن فريق الهلال الأحمر من تسهيل عبور نحو 250 حالة، خلال ستة أشهر، حيث تلقوا العلاج اللازم في المشافي الجراحية المتخصصة بالأمراض المزمنة
(حلب-سوريا) “تعميم، تعميم، أوقفوا القنص واسمحوا بعبور المدنيين”، بهذه العبارة ينادي الجندي رفاقه المتمترسين خلف بنادقهم وسواترهم, لتبدأ رحلةٌ جديدة في مدينة حلب بين شطرين أحدهما يخضع لسيطرة الثوار وآخر يخضع لسيطرة قوات النظام, إنها رحلة سكان يعانون من الموت اليومي.
تحوّل معبر كراج الحجز في مدينة حلب أو ما يسميه السكان “معبر الموت الحلبي” إلى معبر للحالات الإنسانية الصعبة، وأصحاب الأمراض المزمنة التي لا علاج لها في الأحياء الخاضعة لسيطرة الثوار. هذه الرحلة التي تستغرق 5 دقائق أصبحت وبعد استحداث المعبر تتطلب نحو ساعتين بسبب العوائق والحواجز والإجراءات الأمنيةز لم تعد الرحلة مرتبطة بالجغرافيا والمسافة بقدر ارتباطها بالسلطة.
نحو 40 حالة إنسانية عبرت خلال الأسبوع الأول من شهر شباط/فبراير 2015، في حصيلة هي الأكبر لعدد الحالات التي تعبر لتلقي العلاج غير المتوفر في هذه المناطق.
حالات العبور الإنساني هذه بدأت ضمن مبادة انطلقت في شهر تموز/يوليو 2014، بعد أن قدّم الهلال الأحمر السوري خطةً لإنقاذ ذوي الأمراض المزمنة، تتيح لهم العبور من معبر كراج الحجز إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لإجراء العلاج اللازم، عشرات الحالات تخرج بشكل أسبوعي بإشراف الفريق الموكل من الهلال بمتابعة ملف الحالات الإنسانية.
المبادرة تضمنت أيضاً السماح بإدخال بعض الأدوية واللقاحات إلى الأحياء الخاضعة لسيطرة الثوار مقابل السماح لفريق الهلال الأحمر بإدخال عمال لإصلاح الأعطال الخدمية في مناطق النزاع، إضافة لوقف القنص وإطلاق النار أثناء دخول فريق الهلال من معبر كراج الحجز، إلا أن البند الأخير من الاتفاقية لطالما تم خرقه، خصوصا أثناء إدخال أدوية أو لقاحات إلى أحياء الثوار.
فالجرعات الدوائية التي يدخلها فريق الهلال غالبا ما تأتي من اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو من الأمم المتحدة، ليشرف فريق الهلال على إدخالها من معبر كراج الحجز ليتم توزيعها على المشافي الطبية داخل أحياء مدينة حلب، أو يشرف على إدخالها من طريق دمشق-حلب الدولي إن كانت المساعدات ستوزع في الريف الحلبي.
“عملية تسهيل عبور الحالات الانسانية تتم بشكل أسبوعي يومي الأحد والأربعاء، حيث بدأت أول الأمر بإخراج عدة حالات، وارتفعت تدريجياً لتصل إلى ثلاثين حالة في يوم واحد” حسب الهلال الأحمر.
حركة أحرار الشام المسؤولة عن معبر كراج الحجز تقوم بشكل مستمر بتسهيل عمل فريق الهلال، ويقول أمير المعبر التابع لحركة أحرار الشام ياسر فليس: “طريق السفر طويل وفي كثير من الأحيان لا يناسب أصحاب الأمراض المزمنة، إضافةً لعدم وجود علاج لمرضى السرطان والكلى والحالات المشابهة… لذلك قمنا بالسماح بخروج هذه الحالات عبر معبر كراج الحجز”.
وأوضح فليس أن القرار جاء بعد التشاور مع كافة الفصائل المرابطة على جبهة المعبر، ليكون بإجماع الفصائل العسكرية.
ولكن إثبات الحالات الإنسانية التي تستدعي العبور للعلاج، لا بد لإتمامه خضوع المريض لكشف طبي من قبل فريق طبي مكلف من لجنة الهلال. أحد الأطباء (فضل عدم ذكر اسمه) قال: “أغلب الحالات التي تأتينا هم مرضى الأورام، بالدرجة الأولى أمراض السرطان، ومن ثم المرضى الذين يحتاجون لـقسطرة قلبية أو رنين دماغي”.
وعادةً ما يقوم الأطباء بفحص المريض من نواحٍ أخرى، فـ “المريض الذي لديه قدرة على تحمل متاعب السفر الطويل لا يُعطى إحالةً أو إذنا بالعبور”. ولا يتوقف الأمر على الموافقة الطبية إذ لا بد أن تليها موافقة أمنية من طرفي النزاع للسماح بانتقال المريض. عشرات الحالات لم يسمح لهم بالعبور بسبب عدم حصولهم على هذه الموافقة، رغم أنهم بوضع طبي حرج.
أبو محمد شيخ مسن يبلغ من العمر خمسون عاماً، حصل على موافقة طبية وأمنية وهو الآن ينتظر العبور إلى الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام لإجراء عملية “اصلاح بتر ساق” بعد أن تعرض لحادث سير في حي طريق الباب بحلب، في حين أن أم أحمد لم يحصل ابنها على الموافقة الأمنية لإجراء “رنين دماغي” رغم أن عمره لا يتجاوز الـ 15 سنة.
تمكّن فريق الهلال الأحمر من تسهيل عبور نحو 250 حالة، خلال ستة أشهر، حيث تلقوا العلاج اللازم في المشافي الجراحية المتخصصة بالأمراض المزمنة. ويسعى فريق الهلال في الفترة المقبلة لفتح معبر كراج الحجز ولو لبضع ساعات في الأسبوع، ليكون ذلك من أهم الانجازات التي قام بها الهلال الأحمر السوري لتسهيل الحياة المدنية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.