مصاعبُ الحياة أثقلت كاهلي
بعدَ وفاة والدتي واستشهاد أُختي، وإصابة أخي التي أقعدتهُ طريحَ الفراش، فتخلت عنهُ زوجته بعدَ شهرين من إصابته… لم يعد لنا أنا وأبي وأخي سوى الله مُعيلاً. عشنا فترة فقر وحرمان كبيرين، وكلَّما مضى الوقت ازدادت حالتنا صعوبةً، الأمر الذي اضطرَّني للخروج للبحث عن فرصة عمل، علّها تسدُّ الحاجة التي يعيشُها منزلنا.
ماذا أعمل وليسَ لدي أي مؤهّل علمي والفرص قليلة؟ كنتُ قد دخلتُ الجامعة ولكني لم أُكمل سنتي الأولى بسبب الأوضاع الأمنية.
في 1 شباط/فبراير 2014، بدأتُ العمل في تنظيف المنازل، وخلال فترة وجيزة أصبحتُ معروفةً لدى معظم أهالي المدينة. كان كثيرٌ منهم يأتي ويطلب مني العمل لديهم. تحسّنت حالتنا المادية قليلاً، ولم نعد بحاجة أحد. لا أنكر أنَّ هذا العمل كان يُسبب لي بعض الإحراجلكنَّ حاجة أهلي فوقَ كل اعتبار.
عملتُ لأكثر من شهرين… وفي صبيحة يوم 13 أيار/مايو 2014، طلبت مني إحدى النساء القدوم إلى منزلها لتنظيفه. وأنا في طريقي إليها، لا أدري ما الذي حدثَ لي. استيقظتُ لأجد نفسي في المشفى. سيارة صدمت بي فأفقدتني الوعي، وكسرت يدي اليمنى. وبعد أن كنتُ المعيلة لأهلي أصبحت بحاجة إلى مَن يخدمني نظراً لتعرضي للحادث، الأمر الذي دفعَ إبنة خالي للقدوم إلى منزلنا كل يوم ومساعدتنا.
بمجرّد أن تعافيت من الإصابة، عدتُ إلى العمل مجدداً، مع فرحة كبيرة اعترتني لأننا لن نحتاج أحداً بعدَ اليوم. وعدتُ لتلبية متطلبات أخي وأبي من أدوية وغيرها.
هي فترة قصيرة لم تتعدَّ الشهرين في عملي مجدداً، إلى أن وقعتُ في أحدِ المنازل، ولن أتمكَّن من معاودة العمل بحسب ما أشارت لي إحدى طبيبات المدينة.
لم تدم فترة استراحتي سوى أُسبوع واحد فقط، لأعود وأبحث عن عملٍ أكثرَ ملاءمةً من سابقه. إلى أن عملتُ في عيادة طبيب، كانت مهمتي فيها تنسيق مواعيد المرضى. المقابل المادي لم يكن وافياً بالغرض، لكن كما يُقال “بحصة تسند جرّة”. استمريت في العمل ما يقارب الستة أشهر إلى أن علمتُ بانطلاق دورة إعلامية خاصة بالإناث لـ “راديو فرش“، التي بموجبها يتم اختيار بعض المتدرِّبات، للعمل في الراديو.
بالفعل، التحقتُ بتلكَ الدورة إضافةً لعملي لدى الطبيب، فأنا بحاجة لأكثر من مدخول مادي كي أتمكَّن من تأمين مصروف المنزل… وبعدَ انتهاء الدورة، كنتُ من اللواتي تم قبولهن للعمل في الراديو، وكانَ ذلك محصِّلة اجتهادي لأحصل على ذلك العمل من أجل تحصيل المال والعيش بكرامة أنا وعائلتي، فعملتُ في تحرير الأخبار في الموقع الإلكتروني التابع لراديو فرش.
أنهكني التعب بعدَ فترة، فقد كنتُ أخرجُ من الساعة السابعة صباحاً إلى عيادة الطبيب وأعودُ في الساعة الثانيةَ عشرَ ظهراً، وأقوم بتحضير الطعام لأخي ووالدي، ثم أعودُ وأنطلق الساعة الواحدة ظهراً للإلتحاق بالعمل في الراديو حتى الساعة الخامسة مساءً. هذا التعب دفعَني إلى الاستغناء عن العمل في العيادة والبقاء في عملي الحالي في الراديو.
لكنّ يوم 14 حزيران/يونيو 2016، أعادَ لي ذاكرة الفقر وسوء الحال الذي كنتُ أعيشهما سابقاً، فقد علمتُ من زميلاتي أنَّ العمل في راديو فرش توقَّفَ بسبب مُضايقات جبهة النصرة للمنظمة التي تُدير الراديو. استمرَّ توقفُ العمل شهراً تقريباً، لأبدأَ البحثَ عن عملٍ جديد، إلى أن أخبرتني إحدى زميلاتي بأنّ العمل في الراديو استؤنف.
منذُ ذلكَ الحين، نعيشُ في الراديو فترة صعبة منَ الضغوطات التي نتعرَّض لها من قبل جبهة النصرة… فكل يوم يردُنا أنَّ الراديو قد يُغلَق، وبالتالي ينقطعُ رزقُنا الذي من خلاله نتمكّن منَ العيش بكرامة بعيداً عن حاجة أحد.
ريم العيسى (23 عاما) من كفرنبل، متزوجة وأم لولدين. انقطعت عن متابعة دراستها الجامعية وكانت في السنة الأولى تخصص تاريخ، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية.