مشروع لإيواء النساء وذوي الاحتياجات الخاصة في إدلب
جدران إسمنتية استعداداً لفصل الشتاء تصوير نايف البيوش
ترتب راما أثاث منزلها الجديد، بعد رحلة نزوح إستمرت لمدة 6 أشهر، قضتها متنقلة من منطقة إلى أخرى لتستقر بعدها في مخيم المدينة المنور في قرية باريشا في ريف إدلب الشمالي.
المخيم الذيي تقطن فيه راما يأتي ضمن المبادرة التي أطلقها المجلس المحلي في مدينة كفرنبل بالتعاون مع جمعية التعاون الخيرية. مشروع سكني لإيواء النساء وزوجات الشهداء والمعتقلين والمصابين من ذوي الإحتياجات الخاصة.
رئيس المجلس المحلي في مدينة كفرنبل هيثم الخطيب (35 عاماً) يشرح لحكايات سوريا عن آلية عمل لمشروع بالقول: “عملنا على شراء أرض تبلغ مساحتها 40 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) لإنشاء مخيم يضم النساء وذوي الاحتياجات الخاصة من مدينة كفرنبل”
ويضيف الخطيب: “تبلغ القدرة الإستيعابية للمخيم حوالي 500 خيمة سكنية تضم مايقارب 10 آلاف شخص، نظراً لضيق المخيم وعدم قدرته على تخديم كافة أهالي المدينة، قمنا بوضع شروط وأولويات للسكن حيث تعد فئة النساء وذوي الاحتياجات الخاصة، الأكثر ضعفاً في المجتمع وهو ما دفعنا لإطلاق المشروع”.
ويتابع الخطيب: “تهدف المبادرة لتخفيف الأعباء المالية وتكاليف إيجارات المنازل والتي أصبحت مرتفعة جداً. بلغ الإيجار شمالي إدلب أكثر من 40 ألف ليرة سورية للمنزل، وهو ما يزيد من معاناة النازحين، بالإضافة لإيوائهم قبل قدوم فصل الشتاء، مما يجعل نقل أمتعتهم واستقرارهم أمراً سهلاً، ويعمل المجلس على تأمين كافة المستلزمات من السلل الإغاثية والغذائية لسكان المخيم”.
المهندس فادي الحناك (45 عاماً) وهو أحد القائمين على المشروع يعرب عن سعادته ويقول: “من الواجب علينا العمل وتقديم كل طاقتنا والإمكانيات المتاحة لتخديم هذه الفئات التي تألمت ما يكفي، وهذه المشاريع أقل مايمكن فعله لأجلهم”.
ويتابع الحناك: “لاقى المشروع إقبالاً كبيراً من النساء الأرامل والمعيلات. وبلغ عدد العوائل المستفيدة ما يقارب 480 أسرة، يتم التسجيل إلكترونياً ليقوم المجلس بإجراء كشف على العوائل المستهدفة لتقييم حالة الأسر، وتناسبها مع المعايير المطلوبة وذلك لضمان خدمة الشريحة المستهدفة”.
ويوضح الحناك: “يعمل المشروع على بناء غرف إسمنتية حيث تبلغ مساحة الغرفة 8 أمتار مربع لضمان عدم تأثرها بالعوامل البيئية من سيول وفيضانات وخاصة مع قدوم فصل الشتاء”.
ويعد مخيم “المدينة المنورة” الأول من نوعه في المنطقة، كونه يخدم فئة النساء والأرامل حيث يحتوي على كتل أسمنتية وبنية تحتية متماسكة بالإضافة لوجود طرق معبدة تضمن عدم تأثر المخيم بالتغييرات المناخية.
راما الحسين (36 عاماً) إحدى المستفيدات من المشروع تقول: “بعد فترة نزوح طويلة قضيتها في المخيمات الحدودية استطعت اليوم الإستقرار في هذا المخيم، حيث أن جميع المخيمات الحدودية تفتقر إلى أدنى مقومات العيش، من الأدوية والمواد الغذائية بالإضافة لكثرة الأوبئة والأمراض نتيجة اكتظاضها بالنازحينـ خاصة بعد الحملة العسكرية الغير مسبوقة على قرانا وبلداتنا. كما وجدت في المخيم الجديد راحتي النفسية كونه يضم الكثير من صديقاتي بعد أن فرقنا النزوح والتهجير”.
يعاني النازحون من مشاكل عديدة أبرزها ارتفاع إيجارات المنازل وندرتها نتيجة استغلال بعض ضعفاء النفوس للوضع القائم. وما نتج عنه من نزوح وتشريد حيث عمل المشروع على التخفيف من معاناتهم الكبيرة.
مصطفى السعيد (42 عاماً) يقول: “إضطررت لإستئجار منزل بقيمة 30 ألف ليرة سورية نتيجة نزوحي من منزلي في مدينة كفرنبل، وهو مايعادل نصف مدخولي الذي أنفقه على أسرتي. خاصة أنني لا أستطيع العمل نتيجة إصابتي جراء غارة جوية، ما أدى لبتر قدمي وإصابات جسيمة في جسدي. خفف عنا المشروع العديد من الأعباء التي آلمتني أكثر من ألم إصابتي نتيجة الإستغلال الحاصل في المناطق الشمالية متناسين تماماً ما نمر به من ظروف صعبة وقاسية”.
ويشدد السعيد على “ضرورة إنشاء مثل هذه المشاريع كونها تخدم الأشخاص المتضررين الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم وتخفف عنهم أعباء النزوح وتكاليف السكن.
“تركنا بيوتنا غصباً عنّا وليس لنا غير رحمة الله” كلمات ترددها الحاجة خديجة (62 عاماً) معبرة عن حزنها وألمها لما آلت إليه أوضاعها من نزوح وتشريد إذ تقول: “بارك الله بجهود كل من ساهم في هذا المشروع الذي خفف عنا الكثير من أعباء التهجير والنزوح. ساعدونا على تأمين مأوى وأمنوا لنا بعض المفروشات بعد أن كنا على أرصفة الطريق. خرجنا من بيوتنا بثيابنا فقط ونحن بأمس الحاجة لمثل هذه المبادرات التي تساعدنا وتخرجنا من مرارة النزوح والتشريد بعد أن سويت بيوتنا ومنازلنا بالأرض”.
مع إزدياد وتيرة الحرب في سوريا تبقى المشاريع السكنية والخيام أقصى ما يتمناه نازحو ريف إدلب الجنوبي الذين وضعتهم الحرب تحت سندان القصف ومطرقة الإستغلال.