مشروع المأوى الدافئ في شتاء سوريا

تقصد الكروم كل صباح لجمع الحطب لتدفئة أولادها الأيتام في هذا الطقس البارد، الذي بدأ موسمه في إدلب وريفها متزامنا مع حرب شعواء وارتفاع في أسعار المحروقات. أم حسن (42 عاماً) من مدينة كفرنبل، هي واحدة من المئات الذين عجزوا عن شراء مواد التدفئة في ظل ما تشهده البلاد من أوضاع معيشية صعبة، كالفقر الذي بات ملازما للكثيرين جراء الحرب والغلاء والنزوح والتشرد.

تقول أم حسن “بعد وفاة زوجي تدهورت أحوالنا المادية، وأصبحنا بالكاد نؤمّن طعامنا. خصوصأً أن لدي ستة أطفال. لا نملك مردوداً سوى دكان صغير نؤجره شهريا بمبلغ 10 آلاف ليرة سورية”. هذا المبلغ بحسب أم حسن لا يكفي حتى لجلب الأشياء الضرورية من طعام وشراب ودواء. أما مواد التدفئة فتوفيرها شبه مستحيل. خاصة بعد ارتفاع الأسعار بشكل كبير لكل شئ على حد تعبيرها. وهذا ما يدفعها لجمع الحطب من الكروم. عدا عن قيام أطفالها بجمع بعض الأكياس البلاستيكية والكرتون من الشوارع  وحاويات القمامة، وذلك لإشعالها داخل مدفئة مهترئة تصدق بها عليهم أحد الجيران.

توزيع وسائل للتدفئة والإنارة على الطاقة الشمسية على الأهالي صورة من مشروع شلتر

يتغير وجه أم حسن ونتفرج أساريره فجأة وهي تقول “وسط كل هذا البؤس، وصل مندوب بسيارة كبيرة تحوي العديد من المساعدات الشتوية” وتشير بفرح إلى أنها حصلت على مدفئة جديدة، إضافة إلى كمية من الفحم وبعض الأدوات المطبخية، وهي مقدمة من منظمة سوريا للاغاثة والتنمية. تضيف أم حسن بابتسامة كبيرة “لقد جاءت هذه المساعدات في وقتها، بارك آلله بمن يسعى لتخفيف بعض المعاناة عن كاهلنا نحن السوريين.”

منظمة سوريا للاغاثة والتنمية هي منظمة مدنية تعمل من خلال كوادر متخصصة على مشاريع مبتكرة، تنموية في غالبيتها، ومشروع تأهيل المأوى (شلتر) هو أحد المشاريع التي عملت هذه المنظمة على تنفيذها. تتمحور فكرته حول تقديم المساعدات لأكبر عدد ممكن من المتضررين بسبب قدوم فصل  الشتاء. فصل الموت البارد بالنسبة لأصحاب المنازل المهدمة، والمنازل الخالية من وسائل التدفئة.

أم حسن لم تكن الوحيدة المستفيدة من هذه المساعدات فقد شملت معونات الشتاء أكثر من 325 عائلة في إدلب وريفها، بحسب ما صرّح به لموقعنا المدير اللوجستي للمنظمة عبيدة دندوش (39 عاماً). موضحاً أن المشروع شمل عدداً من المناطق في إدلب هي كفرنبل، معرة حرمة، جرجناز، حاس.  ويقول دندوش “أهداف المشروع هي ترميم الضرر الجزئي في المنازل، مثل تركيب أبواب ونوافذ للبيوت المتضررة من جراء القصف العنيف الذي  تتعرض له هذه المناطق. مدفوعين بالحاجة الملحّة لمساعدة أصحاب تلك المنازل نتيجة قساوة فصل الشتاء الذي لايزال في بدايته. ويشير دندوش إلى الموضوع الأهم وهو تقديم وسائل تدفئة إضافة إلى مواد للانارة،  من خلال تقديم ألواح طاقة شمسية خاصة بالانارة وبطاريات ومولدات وما شابه”. ويؤكد الدندوش أن هذه المساعدات هي خاصة بالعوائل الفاقدة للمعيل، الأرامل وعوائل الشهداء وعوائل المعتقلين والفقراء والنازحين.

وعن آلية العمل يقول دندوش “اعتمدنا على المجالس المحلية لتوثيق الحالات الإنسانية التي بحاجة للمساعدة، وتم إجراء استبيان لأهالي المنازل المتضررة للنظر في كيفية المساعدة  قدر الإمكان.”

كما اهتم المشروع بإقامة ورشات ودورات للدعم النفسي، ومنها محاضرات في التوعية الصحية الخاصة بأمراض الشتاء، كالتي أقامتها المنظمة في مركز الرعاية الصحية في جرجناز.

مدير مكتب إدلب لمنظمة سوريا للاغاثة والتنمية الدكتور عقبة الدغيم (30 عاماً) وفي لقاء مع “دماسكوس بيورو” قال :”من المناطق التي شملها مشروع الشلتر الذي نفذته منظمة سوريا للاغاثة والتنمية في إدلب وحلب، كفرنبل، جرجناز، حاس ومعرة حرمة. وهدفنا أن نستمر في التوسع وأن نشمل مناطق أخرى”. ولفت الدغيم إلى ان  المشروع استهدف البيوت المتضررة والمهدمة وراعى الحالات الإنسانية من نزوح وفقدان المعيل والاعاقات”.  وقد بلغ عدد المستفيدين في إدلب وحدها حتى الآن نحو 540 بيتاً.

ويشير الدغيم إلى التنسيق المستمر مع المجالس المحلية حيث اعتمدت قوائم المستفيدين بالتشارك مع المجلس المحلي ثم شكلت لجان للكشف والتأكد وتقييم الضرر والحاجة.  وكل قوائم التوزيع والعمل ختمت من المجالس المحلية.

وينوه الدغيم إلى أن المنظمة تعنى بالعديد من الجوانب الطبية أيضاً،  ومن مشاريعها في إدلب  مشفى الشام الجراحي والعديد من مراكز رعاية الأم والطفل. وهناك عيادة متنقلة للنازحين الجدد بالإضافة لإعداد مركز شعاعي وطبقي محوري حاليا.

عائلة أبو أحمد (40 عاماً) تتألف من خمسة أولاد وأم وأب تعرض لبتر يده نتيجة شظية أصابته. العائلة نازحة من ريف حماه إلى قرية معرة حرمة، ولكن نظراً لاوضاعها المادية السيئة وعجزهاعن استئجار منزل اضطر أفراد العائلة للعيش في منزل شبه مهدم.  وعن هذ الأمر يقول أبو أحمد “كان نزوحنا في فصل الصيف، لذلك لم نعر أهمية لعدم وجود بعض النوافذ والأبواب وتضرر جانب من الجدران. إلّا أننا بتنا في وضع حرج مع دخول فصل الشتاء البارد، فالريح تعصف بنا من كل جانب، ولا نملك المال الكافي لإصلاح هذا المنزل”. وأوضح أبو أحمد أنه حاول وضع بعض الأقمشة أو العوازل البلاستيكية على النوافذ والأجزاء المهدمة في الجدران، إلا أن ذلك لم يجد نفعاً.

زار مندوب مشروع تأهيل المأوى منزل أبو أحمد، وعاين الاضرار تمهيداً لتقديم المساعدة. وفعلا تم إصلاح المنزل من قبل ورشة تابعة للمشروع. كما تم منح العائلة  مدفأة جديدة وبعضا من الأدوات المطبخية ووسائل الإنارة. أبو أحمد بدا سعيداً كونه لم يعد يعاني وعائلته من برد الشتاء هذا العام. وقال “لقد أعاد لنا هذا المشروع نوعاً من الحياة المفقودة، بعد أن أصبحنا لاجئين في أوطاننا، غرباء في أرضنا”. يشكر أبو أحمد جميع القائمين على هذا المشروع الذي يصفه بالإنساني.  من جهتها تشكر أم أحمد ألله لوجود أناس يشعرون بمعاناة غيرهم ويسعون لمساعدتهم.

الحاجة رهوج السبعينية لها قصة أخرى مع برد الشتاء، كانت تعيش مع زوجها الضرير وقد هجرها أولادها وعائلاتهم بعد أن تحولوا للاجئين في دول الجوار. الحاجة رهوج أوضاعها مأساوية، وقد منعها فقرها من جلب مواد التدفئة هذا الشتاء، وهي تعبر عما يدور في خاطرها باكية “كنت أضطر كل يوم للنوم باكراً، علّي أشعر بالدفء داخل الفراش. ولا أنام قبل أن تبتل وسادتي بالدموع من شدة البكاء”. أما في النهار، فهي وزوجها كانا يرتديان معاطفهما البالية ويجلسان أمام المنزل لينالا بعضا من دفء شمس الشتاء.  أكثر ما كان يؤلم الحاجة رهوج أنها تعيش على الصدقات مع زوجها. كما أنها تشتاق لأولادها الذين لم ترهم منذ سنوات. ولكن أوضاع الحاجة رهوج باتت أفضل بعد أن زارها مندوب المشروع، وقدّم لها مواد التدفئة والإنارة. تقول  الحاجة رهوج “أصبح بإمكاني أن أعيش حياة طبيعية بعد أن أنعم ألله علي بالدفء. أصبحت أستطيع مشاهدة التلفاز من خلال بطارية الإنارة التي منحوني إياها “. وتختم الحاجة حديثها بالقول “سيستمر الأمل بأن بلادنا ستعود يوما، حتى ولو بعد ليل طويل”.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي