مدارس كفرنبل تفتح أبوابها بالرغم من القصف
عبد الله كليدو
(كفرنبل، سوريا) – بدأ العام الدراسي 2013/2014 في مدينة كفرنبل في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30,000 نسمة، مع انقسام الأهالي بين مؤيد لافتتاح المدارس ومتخوف ومعارض لها.
ومرد التخوف من افتتاح المدارس هو الأوضاع الأمنية بالدرجة الأولى والخشية على أرواح الطلاب، في ظل استمرار المعارك في أكثر من مكان. هذه الخشية يعبر عنها مدير إحدى المدارس في كفرنبل قائلاً “سمعت بأنهم سيقومون بضرب وادي الضيف (شرق مدينة معرة النعمان المجاورة لكفرنبل، وتعسكر فيه منذ أكثر من سنة قوات حكومية نظامية)، إن قاموا بضربه سيتوقف التدريس في المدارس حتماً، فهو لم يبدأ فعلياً بعد…”.
قلق مدير المدرسة يقابله إصرار عضو منظمة “اتحاد المكاتب الثورية” محمد الحبيش (29 سنة)، الذي يشدد على إلزامية وقدسية التعليم، ويقول: “الحرب قد تدوم لسنوات عديدة، فهل نترك أولادنا بلا تعليم”.
على مقلب أهالي الطلاب تبدو الصورة مختلفة، حيث يتساءل صاحب دكان بقالة، رفض ذكر اسمه: “ما الفائدة من إرسال أطفالي إلى المدرسة؟… كيف أرسلهم تحت القصف وأنا أعرف مسبقاً إن أرسلتهم سيطردون بحجة القصف؟” ويضيف: “أنا مستعد أن أترك أولادي فريسة الجهل على أن أدعهم يموتون على الطرقات”.
ويلتقي موقف صاحب الدكان مع موقف الشرطي المنشق عن النظام أحمد عبود القاسم (38 سنة)، الذي يقول: “يجب حماية المدارس من القصف، لا أستطيع إرسال أطفالي إلى المدرسة لأنهم يخشون من القصف”.
يوجد في مدينة كفرنبل عشر مدارس رسمية كانت تابعة لوزارة التربية والتعليم، ست منها كانت مليئة بالنازحين، وثلاث مشغولة من قبل المجلس العسكري والمجلس المحلي وبعض الكتائب المقاتلة، بالإضافة إلى مدرسة “ذي قار” التي دمرت أثناء إحدى المعارك بين الجيش النظامي وقوات المعارضة، منذ أكثر من سنة.
قبيل الإعلان عن بدء العام الدراسي، قام المجلس المحلي بالاشتراك مع المجلس العسكري وبعض هيئات في المدينة بتسوية أوضاع النازحين. وعن هذا الإجراء يقول رئيس المجلس المحلي لمدينة كفرنبل خالد الخطيب: “أصدر المجلس المحلي بالاشتراك مع المجلس العسكري قراراً بإخلاء النازحين من المدارس، وقمنا بتخصيص مبلغ 20 ألف ليرة سورية (117 دولار) لإصلاح مدرسة “ذي قار” لنقل النازحين إليها”.
هذا التدبير الذي لم يرق لمعظم النازحين واعتبروه ظالماً ومجحفاً بحقهم، حيث يقول أبو أحمد المعراوي، وهو نازح من مدينة معرة النعمان (50 سنة): “إذا كانت مدرسة ذي قار غير صالحة للدراسة، فكيف تريدون منا أن نسكن فيها؟!”.
ورغم سوء وضعها وضآلة المبلغ المخصص لإصلاحها توجهت إليها بعض الأسر من بعض المدارس كمدرسة الريفية ومدرسة أبي بكر الصديق ومدرسة الشهيد فضل الخطيب، أما بالنسبة للمدارس الثلاثة المتبقية فقد بدأ التدريس فيها مع وجود بعض الأسر النازحة كمدرسة العزيزية ومدرستا اليرموك الحديثة والابتدائية.
أما بالنسبة للمدارس التي يشغلها المجلس المحلي والمجلس العسكري وكتيبة “صقور الإسلام”، يقول رئيس المجلس المحلي خالد الخطيب: “نحن عرضنا على القائمين على مدرسة الحاسوب بإفراغ قسم من المدرسة للدراسة، وتعهدنا لهم بحماية المختبرات والحواسيب”.
من جهته يقول رئيس المجلس العسكري في كفرنبل المقدم أحمد العيسى (50 سنة): “عرضنا على القائمين على مدرسة التوجيه أن نفرغ لهم أربع شعب دراسية ولكنهم قالوا: إن المنطقة التي توجد فيها المدرسة هي أشبه بمنطقة عسكرية، ونحن نخاف على الطلاب من القصف، لذلك تم توزيع الطلاب على المدارس الأخرى”.
بالإضافة إلى هاتين المدرستين هناك مدرسة الصناعة، والتي سرقت جميع معداتها في القسم العملي منذ معركة تحرير مدينة كفرنبل قبل نحو عام، وفي هذا السياق يقول المقدم في المعارضة المسلحة قائد كتيبة “صقور الإسلام” جمال العلوش (43 سنة): “مدرسة الصناعة مؤلفة من ثلاثة مبانٍ، ونحن موجودون في القسم العملي الذي سرقت جميع معداته منذ معركة تحرير كفرنبل”. ويضيف العلوش: “الطلاب لا يحتاجون هذا القسم، ومع ذلك نحن مع أي قرار شريطة أن يطبق على الجميع” .
أما بالنسبة للمدارس الست الباقية، والتي كان يشغلها النازحون، فهي تعاني من أمور شتى, وفي هذا الإطار يقول مدير إحدى المدارس، رافضاً ذكر اسمه: “ما نمتلكه من أساس المدرسة 10% فقط، والعمل في هكذا ظروف صعب جداً، والكادر الإداري يقوم بعمل متواصل لتأمين دوام الطلاب” ويحمل أبو يزن مدير مدرسة “الريفية” النازحين المسؤولية عن التخريب الذي لحق بالمدارس ويقول: “أغلب النازحين الذين كانوا في المدرسة حطموا أخشاب المقاعد وأحرقوها للتدفئة، وقاموا بسرقة الألمنيوم من المدافئ لبيعه، بالإضافة إلى أن بعضهم قاموا بتكسير الأقفال”. ويضيف: “على المجلس العسكري تعيين حرس ليلي على المدارس… أو تسيير دوريات ليلية لحماية المدارس من المخربين”.
ازدادت نسبة الطلاب في المدارس بسبب أبناء النازحين، والطلاب من المدارس الأخرى المشغولة من قبل المجلسين المحلي والعسكري وبعض الفصائل المسلحة. ويقول نازح من قرية كفرومة يدعى أبو أكرم (55 سنة): “المدرسة كانت بمثابة المنزل لنا، ولكن فقدنا المنزل ولا أريد أن أفقد مستقبل أبنائي”.
وبسبب قلة المقاعد التي كسر وحرق معظمها يستعمل المقعد الواحد أحياناً خمسة طلاب، مع العلم أن المقعد مخصص لطالبين فقط، وفي بعض المدارس لا يوجد حتى كرسي للأستاذ فيضطر أن يبقى واقفاً طوال الحصة الدراسية .
بالإضافة إلى القصف الذي يؤثر سلباً على دوام المدارس، هناك مشكلة أخرى وهي تأخر الكتب المدرسية، وقيام بعض الأفراد بالمدينة بالمتاجرة بهذه الكتب، حيث يقول أحد مسؤولي الكتب المدرسية الذي رفض ذكر اسمه: “التأخير ليس من المكتبة المركزية في مدينة إدلب، فالكتب متوفرة وبكثرة… التأخير من أمناء المكاتب في المدارس الذين تأخروا في تدقيق جداولهم”. ويضيف: “سعر نسخة الكتب للصف الثالث الثانوي ما يقارب الثلاثة آلاف ليرة سورية، وهي تباع في مدينة كفرنبل بعشرة آلاف ليرة سورية، هم يتاجرون حتى بمستقبل طلابنا”.
كما برزت أيضاً مشكلة الطلاب الذين قدموا امتحاناتهم لصالح مديرية امتحانات “الائتلاف الوطني السوري”، وخصوصاً طلاب الصف الثالث الإعدادي، فالمدارس الحكومية لا تقبل بهم، وعلى هذا الأساس لا يستطيع العاملون في المدارس الحكومية قبول هؤلاء الطلاب خوفاً من فصلهم من عملهم وانقطاع رواتبهم. وبهذا الخصوص يقول أبو شكيب مدير المدرسة الثانوية: “لا نستطيع قبول طلاب الائتلاف إلا كمستمعين فقط، لأنهم لا يستطيعون تقديم امتحانات لدينا، لأن النتائج تسلم في النهاية لدائرة الامتحانات في مدينة إدلب التابعة للحكومة في دمشق”. ويضيف: “لا تعترف دائرة الامتحانات في مدينة إدلب بشهادة الطلاب الذين حصلوا على شهادتهم الإعدادية من الائتلاف، فكيف سيقدمون الأول الثانوي… يجب على الائتلاف تبنّي هؤلاء الطلاب”.