مجند منشق يروي قصته
المقال التالي مبني على مقابلة أجريت مع أكرم الوالي المجند المنشق عن الفرقة 18 من الجيش السوري. لم تتمكن أسرة التحرير من التحقق من المعلومات التي أدلى بها الوالي من مصدر مستقل بسبب صعوبة الظروف الميدانية في سوريا.
محي الدين عيسو
أكرم الوالي واحد من آلاف المجندين السوريين الشباب الذين قرروا الإنشقاق عن الجيش النظامي خلال تأديتهم الخدمة العسكرية. التجارب المختلفة التي عاشها الوالي مع فرقته خلال تكليفها بقمع الإحتجاجات في حمص وضعته في مأزق أخلاقي، فكان الفرار المخرج الوحيد بالنسبة إليه.
يقول أكرم الوالي، الذي يبلغ العشرين من عمره، إن دروس التوجيه السياسي أصبحت منذ بداية الإحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، والتي انطلقت في درعا جنوب البلاد في منتصف مارس/آذار 2011، جزءاً أساسياً من البرنامج اليومي للمجندين السوريين. يقول الوالي إن الضابط المسؤول عن تلك الدروس كان يحرّضهم على قتل “المندسين والمسلحين” الذين دخلوا سوريا خلسة والذين يشاركون في “مؤامرة كونية،” حسب تعبير الضابط، بمساعدة بعض الدول العربية والأجنبية. ويشير الوالي إلى أن الهدف من هذه الدروس كان أيضاً رفع معنويات الجنود الشباب وتذكيرهم بواجبهم، الدفاع عن تراب الوطن السوري خلال الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
حسب قول أكرم الوالي، المتحدر من مدينة القامشلي، فإن ضباط الجيش كانوا على يقين من أن حمص ستنتفض وأنها لن تقف متفرجة على أبناء درعا وهم يُقتلون. “لذلك فإن التحضير النفسي كان من أولويات ضباط دروس التوجيه السياسي قبيل خروج المواطنين في حمص والذين خرجوا بالفعل بأعداد كبيرة وتجمعوا في ساحة الساعة في مركز المدينة واعتصموا فيها مثلما فعل المصريون في ساحة التحرير في القاهرة.”
الدخول إلى مدينة حمص
في درس التوجيه السياسي الأخير قبل إرسالهم لإقتحام حمص، كما يروي أكرم، وعلى غير العادة، وقف الضابط المسؤول جانباً وقام خمسة من المدنيين بإعطاء الدروس والتعليمات للمجندين ليكتشفوا فيما بعد أنهم ضباط من الأمن السياسي والأمن العسكري.
“للمرة الأولى نشاهد هؤلاء المدنيين وللمرة الأولى نسمع كلمة إرهابيين وقتلة ومأجورين داخل مدينة حمص وعلى ضرورة قتالهم وتطهير المدينة منهم ومن إجرامهم ليؤكدوا لنا بأن عناصرهم ستقف في الخط الخلفي لمراقبة المجندين والعسكر.” إلا إن أكرم كغيره من المجندين عند دخوله حمص لم يلاحظ وجود الإرهابيين ويصف مشاهداته قائلاً: “عند أول دخول لنا إلى المدينة كانت المظاهرة بساحة الساعة وكان الناس يهتفون للحرية والكرامة والتضامن مع درعا بأعداد كبيرة لا يحملون معهم سوى أغصان الزيتون وبعض اللافتات والأعلام السورية، وقد طلب منا الضابط المسؤول أن نقمع التظاهرة بأي طريقة وإلا فأن المصير الأسود بانتظارنا.” والمقصود “بالمصير الأسود” استلام جماعة الأخوان المسلمين السلطة لأن الضابط “ينتمي إلى الطائفة العلوية،” بحسب تعبير الوالي. ويضيف قائلاً: “قامت عناصر الجيش بضرب المتظاهرين بالعصي الكهربائية لتفريقهم إلا أنهم كانوا مصرين على التظاهر وعدم ترك الساحة، عندها أمرونا أن نطلق النار. فانقسم الجنود إلى قسمين، قسم يطلق النار في الهواء وقسم يطلقه على صدور المواطنين، ومن يكتشف أمره بأنه لا يطلق النار تأتيه الرصاصة من الخلف عبر أسلحة الأجهزة الأمنية المرابطة خلفنا. كانت أعداد الضحايا من المدنيين والعسكريين بالعشرات. تفرق المواطنون ولم يبقَ أحد في الساحة غير العسكر والأجهزة الأمنية، لنعود فيما بعد إلى درس التوجيه السياسي.”
ويؤكد أكرم الوالي بأن في ذلك اليوم قُتل بالفعل بعض العسكريين الذين لم يطلقوا النار على المواطنين على أيدي المخابرات.
إقتحام بابا عمرو
داخل الثكنة العسكرية بحي الوعر في حمص عاد الضباط الأمنيون إلى إعطاء الدروس بعد أن لاحظوا أن أعداداً من المجندين لم يطلقوا النار على المتظاهرين، ليقولوا، بحسب الوالي: “إن من يرفض الأوامر العسكرية أو يتخاذل في أداء واجبه في حماية الوطن سيكون مصيره الموت لأنه لا يستحق الحياة. فمعركتنا هي معركة بقاء، إما نحن أو هؤلاء الإرهابيين!”
“لم أنم تلك الليلة،” يقول أكرم، “لأنني كنت أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن أكون قاتلاً أو أن أكون مقتولاً.”
في الصباح الباكر، تم إبلاغ المجندين بضرورة اقتحام حي بابا عمرو المنتفض منذ أول يوم خرجت فيه مدينة حمص ضد النظام، وأن هناك مجموعات مسلحة تطلق على نفسها إسم “الجيش الحر” متواجدة في هذا الحي والذي أغلب سكانه من ذوي الدخل المحدود. يقول أكرم: “قمنا بمحاصرة بابا عمرو لمدة 28 يوم من كافة الجوانب وكنا نطلق الصواريخ وقذائف الآربي جي على الحي ونعتقل كل من يحاول الخروج منه ونقوم بالإعدامات الميدانية لكل المطلوبين بحسب القوائم الإسمية الموجودة مع ضباط الأجهزة الأمنية.” ويؤكد الوالي بأنه كان شاهداً على تلك الإعدامات لكنه يقول إنه لم يشارك بقتل المواطنين. ويضيف الوالي: “كانت فترة المساء هي الجحيم بالنسبة إلينا إذ كنّا نتعرض للهجوم من قبل عناصر الجيش الحر ومن ثم يفرون إلى داخل الحي وقد قتلوا الكثير من المجندين والضباط.”
بعد أن أيقن ضباط الجيش السوري النظامي بأنهم لن يستطيعوا دخول حي بابا عمرو نتيجة مقاومة عناصر الجيش الحر الذين كانوا يحصلون على دعم سكان الحي قرر الجيش النظامي، حسب رواية المجند في الفرقة 18، السماح للجيش الحر بالخروج من الحي. فانسحبوا منه حتى لا يتعرض الحي للمزيد من الدمار والقتل بقذائف الجيش السوري من الخارج، إلا أنه وبعد الانسحاب بدأت القوات النظامية المدعمة بالترسانة العسكرية بتمشيط بابا عمرو بيتاً بيتاً. يقول أكرم الوالي: “عند دخولنا إلى الحي كان مدينة أشباح، لا يوجد فيه سوى النساء والأطفال والشيوخ وكانت عناصرنا تقوم باقتحام المنازل وسرقة كل موجوداتها ومن ثم إحراقها، وبخاصة منازل النشطاء، ومن كان يرفض من المجندين الأوامر العسكرية يُعدم على الفور. وتعرض العديد من نساء الحي للإغتصاب والضرب والتعذيب في إحدى الساحات وأمام أعين الأطفال ومن ثم طُرد الجميع من الحي الذي أُفرغ بذلك تماماً من سكانه.” ويؤكد الوالي بأنه كان حاضراً أثناء تلك الإعدامات، كما كان شاهداً على حالات اغتصاب وضرب وتعذيب نساء من سكان بابا عمرو.
الإنشقاق عن الجيش
طيلة عشرة أشهر متتالية لم يشاهد أكرم الوالي عائلته وهو الراغب بالانشقاق عن “كتائب الأسد،” بحسب تعبيره، ومعرض للموت من قبل طرفي الصراع، فإما القتل بيد ضباط الجيش السوري أو القتل على أيدي عناصر الجيش الحر. تمكن بالنهاية من دفع رشوة 300 دولار للضابط المسؤول عن قطعته العسكرية وتحجج بمرض والدته ليحصل على إجازة لثلاثة أيام. ويقول: “كنت رافضاً قتل السوريين بيد الجيش ولم أقتل أحداً وكنت خائفاً دائماً من أن تصيبني رصاصة من قناص أمني من خلفي كما حدث مع عدد من أصدقائي الذين رفضوا إطلاق النارعلى المواطنين. لذا أقدمت على دفع الرشوة بحجة زيارة والدتي التي تذرعت بأنها قد أصيبت بجلطة دماغية.” ويضيف الوالي الذي أصبح بحكم المنشق عند وصوله إلى مدينة القامشلي: “عند وصولي إلى منزلي كانت أمي من أول المستقبلين التي نظرت إليّ والدموع تنهمر من عينيها وكانت جملتي الأولى لها لم أقتل أحداً يا أمي، لم أقتل أحداً!”
إنشق الوالي عن الجيش النظامي في شهر حزيران/يونيو 2012 الماضي بعدما قضى 28 شهراً في الخدمة العسكرية، متجاوزاً بذلك مدة الخدمة الإلزامية بعشرة أشهر. وفر بعد انشقاقه إلى كردستان العراق.