مجزرةُ العيد وأراجيح الموت
. عائلة فقدت منزلها بقصف طائرات النظام حي ضهرة عواد شرقي حلب - مجاهد أبو الجود
تعيش مدينتي آلاماً كبيرة… منذ أن خرجت عن سيطرة النظام، صبَّ حقده عليها، وبات أهلها يجابهون الموت في كل لحظة. والآلم الأكبر كان مع وقوع مجزرة السوق الشعبي في 10 أيلول/سبتمبر 2016، قبل عيد الأضحى بيومين فقط.
كان الكل منهمكاً في تحضيرات العيد وشراء الملابس الجديدة للأطفال… لكن مع بوصول طيران الحقد، تلاشت الأماني وضاعت فرحة العيد.
أكثر من 80 مدنياً لقوا حتفهم في لحظة واحدة، وكأنهم لم يكونوا. قبل لحظات يبيعون ويشترون، ويتجولون في السوق… ماتوا، أكثر من عشرة أكياس من الأشلاء، وعشرات الجرحى.
وضحايا الأنقاض، افترش أهاليهم الشوارع أملاً بإيجاد ما يدل عليهم… علَّهم يخرجون أحياءً. لكن للأسف، تمّ إخراج أكثرهم، أشلاءً وجثثاً هامدة.
من الأمهات المفجوعات في مجزرة السوق الشعبي، أم وسيم (38 عاماً) التي فقدت في المجزرة ولدها وسيم (16 عاماً) تحت الأنقاض… وهي التي لم تجف دموعها بعد على أخيه محمد، الذي استُشهد عند استهداف منطقة الكنيسة قبل فترة، لتُفجع اليوم باستشهاد فلذة أخرى من فلذات كبدها.
صرخت أم وسيم صرخات موجِعة أحرقت قلوب مَن حولها… وبدموع تنهال من عينيها كغزارة مطرٍ شتوي، استقبلت إبنها أشلاءً مجمّعة في كيسٍ أسود، كُتب عليه (وسيم)…
عثر الدفاع المدني على أشلاء الإبن بين الأنقاض، بعد تجميعها من بين الأحجار… فقد كان قد أُصيب إصابة مباشرة بصاروخ وقع فوق رأسه وهو متواجد في السوق… لتكون النهاية أن يوارى الثرى إلى جانب أخيه محمد.
وسيم وغيره العشرات قضوا نحبهم في مجزرة العيد… فخيَّم الحزن والأسى على مدينة إدلب طيلة أيام ذلك العيد المشؤوم… عيد لم نشعر بقدومه، لتستمر أعمال رفع الأنقاض والبحث عن الأشلاء، طيلة أيامه.
بدل أن تهتز الأراجيح بأجساد الأطفال الصغار، فتفرح قلوبهم بعد أن حُرموا من طفولتهم في ظل حربٍ طالت سنينها… يتحوّل الواقع لتقطيع الأجساد فتصبح أشلاءً جرّاء قصف النظام…
بدل أن يلبس وسيم ورفاقه الثياب الجديدة ويهنئ والديه وأقاربه بقدوم العيد، ارتدى مع الشهداء أكفان الموت في مدينة منكوبة…
وبدل من شراء ملابس العيد، ها هم أهالي سوريا يشترون لأولادهم الأكفان، وبعضهم يدُفن من دون أكفان، بل يكتفون أحياناً بأكياسٍ سوداء… وبعضهم تشترك أشلاؤهم مع آخرين في كيسٍ واحد.
لا يخلو بيت من بيوت إدلب من شهيد أو سجين أو جريح ونازح… وبعد تلك المجزرة، زاد الخوف من تزايد عدد الغارات، فنزح المزيد من العوائل خلال العيد…
حملت أم وسيم باقة زهور جمعها الأب المفجوع، وبدموعها سقت عيدانها… بخطى بطيئة وثقيلة، مشت الأم المفجوعة تبكي وتتحسر على فلذتي كبدها مصطحبةً معها ثياب العيد… وضعت الثياب على ضريحَي وسيم ومحمد، وهي تنوح. ثمَّ جلست على ركبتيها المرتجفتين، ونثرت الزهور فوق الضريحين، وهي تبكي وتقول: “لن تسكن روحي في جسدي بعد اليوم، لقد رحلت مرتين… في مرة، حين مات محمد، واليوم مع موت وسيم… أدعو لقلبي بالصبر ولكما بالجنان”.
هكذا كان عيد الأضحى في إدلب… موتٌ وبكاء، وأكياسٌ سوداء مليئة بالأشلاء…
أمّا الأراجيح التي خجلتُ لأني كنت قد وعدتُ أطفالي بها، ها هي مشرّعة للريح، خاوية يسكنها الحزن… ويسكنها الحنين لأيدي أطفالٍ ترمي بها بعيداً… علَّ القتل ينتهي والفرح يعودُ يوماً، وتعود ليالي العيد في سوريا.
سما بيطار (41 عاماً) من إدلب، حاصلة على الشهادة الثانوية. متزوجة وأم لأربعة أبناء. عملت في الجمعيات الخيرية لمدة عشر سنوات.