مبادرة لرفع المستوى الذهني لأطفال إدلب
الأطفال يتبارون في لعبة مكعب روبك تصوير نايف البيوش
يمسك الطفل زياد (11 عاماً) مكعب روبك محاولاً ترتيب مربعاته وفق تسلسل يضمن له تحقيق رقم قياسي أمام أصدقائه الذين يتابعون أدق حركاته بحذر وحماس كبيرين .
مهارة زياد هذه تأتي ضمن النشاط الذي أطلقته منظمة شفق بالتعاون مع معهد فيثاغورث. وهو النشاط الأول من نوعه في الشمال السوري، وهو عبارة عن مسابقة ذهنية للأطفال في لعبة “مكعب روبك” والتي تعمل على رفع المستوى الفكري لدى الأطفال الذين حرمتهم الحرب من أدنى حقوقهم في اللعب والتعليم .
المدرب والمشرف على المسابقة جميل عنداني (36 عاماً) يشرح لحكايات سوريا أهمية هذه المبادرة، ويقول: “تهدف المسابقة إلى إعطاء جرعة من الدعم النفسي والإجتماعي للأطفال، ولخلق جو من المنافسة والمتعة ودمج الأطفال المستضعفين والنازحين مع أقرانهم في المجتمع المضيف”.
ويضيف عنداني: “كما ويهدف النشاط إلى ربط الأطفال بنشاطات ذهنية تبني الفكر والعقل. إستمر التدريب لمدة شهر ونصف شارك فيه قرابة 100 طفل، وأجريت المسابقة ضمن 3 فئات، وكانت روح المنافسة عالية لدى الأطفال الذين كانوا بغالبيتهم من الأيتام وأبناء المعتقلين”.
مكعب روبيك هو لغز ميكانيكي ثلاثي الأبعاد تم اختراعه في العام 1974، يحتوي على ستة وجوه ولكل وجه لون، الأصفر والأخضر والأحمر والأزرق. وتعتمد اللعبة على تحريك المكعبات بغية تشكيل وجوه من نفس اللون حيث تتطلب البراعة الذهنية ومعرفة كيفية تذكر الخوارزمية التي تجعل حل المكعب ممكناً مثل صيغة الرياضيات. ،
الطفل زياد كنجو وهو أحد المشاركين في المسابقة يقول: “تعلمنا أساسيات اللعبة بعد التدريب الذي شاركنا فيه أنا وأصدقائي، وقد تعرفت على العديد منهم خلال هذا التدريب. إذ لم يكن لدي أصدقاء بعد نزوحنا من ريف حماة الشمالي وقبل الإعلان عن المسابقة”.
ويضيف كنجو: “تستطعت اليوم تقديم مستوى جيد بفئة 2×2 ، ويعود هذا الفضل للمدربين الذين ساعدونا في إتقان هذه اللعبة، ولأمي التي كانت تشجعني على المتابعة والمثابرة، وللجهد الحثيث الذي بذلته في الفترات السابقة من التدريب المتواصل والتعب”. ويأمل كنجو بكسر الأرقام التي وصل إليها وتطوير نفسه لرفع مستواه الذهني والفكري.
من جهته يشدد المرشد الإجتماعي والنفسي أحمد الخليل (42 عاماً) على ضرورة إطلاق المزيد من هذه المبادرات، التي من شأنها تنشيط الذهن وتحفيزه على التفكير والتحدي.
ويقول الخليل: “تعد الألعاب التعليمية واحدة من أهم الوسائل التي تستخدم في تعليم الأطفال وأكثرها فاعلية، كونها تعمل على تحفيز الطفل وتجعل عملية استذكار المعلومات من الأمور المحببة لديه، وذلك لأن الطفل في بداية حياته الدراسية يكون غير معتاد على تحمل المسؤولية ويفتقد للقدرة على الإلتزام التام أو أداء مجموعة التكليفات الملقاة على عاتقه، كما وتعمل على إثارة إنتباهه ودقة ملاحظته وتنمية ثقته بنفسه. إذ تعد هذه الألعاب ذات الطابع التعليمي إحدى وسائل التعليم الذاتي، وإن ممارسة الطفل لهذه الألعاب يساعده على الحصول على المعلومة بنفسه وهو ماينمي قدرته العقلية والفكرية”.
لاقت المبادرة إستحساناً كبيراً وحضوراً لافتاً من الأهالي وأسر الأطفال المشاركين. وتخلل المسابقة العديد من النشاطات التعليمية والترفيهية.
تعبر أم زياد (38 عاماً) عن سعادتها لوجود مثل هذه النشاطات التعليمية والمفيدة. وتقول أم زياد: “ساعدت هذه المسابقة على إخراج طفلي من جو الحرب، وأدخلته بنشاطات تبعده عن التفكير السلبي الذي يرافقه قسراً نتيجة ما تعرضنا له في الآونة الأخيرة من قصف ونزوح وتهجير. وساهمت في تعليمه وصقل خبراته بألعاب مفيدة ومسلية، حيث يعتبر هذا النوع من الأنشطة مهم جداً بسبب ما يعيشه أطفالنا في الشمال السوري من ضغط نفسي ونزوح متكرر من منطقة لأخرى”.
وتعد منظمة شفق من المنظمات العاملة في الشمال السوري منذ بداية الثورة السورية، وتأسست في أواخر عام 2013 وتعمل على تلبية إحتياجات السوريين وخاصة المهجرين والمستضعفين من الناس. وتهدف إلى إعادة بناء المجتمع وتحقيق العدالة والمساواة، ودعم ومناصرة النساء والأطفال كونهم الشريحة الأكثر تضرراً من الحرب .
تبدو سعاد الشيخ (13 عاماً) في قمة سعادتها لمشاركتها في المسابقة كونها شيء جديد ولعبة جديدة. وهي تتمنى تنظيم مسابقات أخرى لتحقق مركز متقدم في المرة المقبلة. وتقول سعاد الشيخ: “كان إتقان اللعبة أمراً صعباً ولكنني استطعت تحقيق مركز متقدم”. وتضيف: “وجدت في هذه اللعبة هوايتي فهي تعتمد على الدقة والحرفية وهذا أكثر ما يميزها. سأتابع تدريباتي للمشاركة في المسابقات والإستحقاقات القادمة”.
على وقع الحرب ومخلفاتها يبقى أطفال إدلب وريفها يتمسكون بأحقيتهم في عيش طفولتهم، مثلهم مثل كل أطفال العالم عن طريق مشاركتهم بمبادرات تخفف عنهم ألم النزوح والحرمان.