لو كان لطفليّ أجنحة يطيران بها بعيداً

ما هو شعوركِ عند فراق زوجكِ وأنتِ في حرب لا تعرفين نتائجها وإلى متى؟ ما هو إحساسكِ إذا كنتِ لا تدرين إن كنتِ ستلتقين به أم لا؟ ما هو ردّكِ عندما يسألكِ أطفالكِ فيما الطائرات الحربية تحلّق في السماء: هل سنرى أبي؟ هذا هو حالي بعد عودتي مع عائلتي من لبنان إلى إدلب في 14 آب/أغسطس 2014، بعد تعب كثير ومعاناة في بيروت.

قرر زوجي نتيجة ظروفنا السيئة في لبنان، أن يعود إلى مدينة إدلب ويستقر فيها. عاد إلى عمله القديم وفتح مصبغة لكيّ الملابس. هي مصبغة قديمة كانت لوالدي، وكانت مغلقة لأن أبي وأخوتي هربوا من المدينة، عندما كانت تحت سيطرة قوات النظام التي تسعى لاعتقالهم.

أعاد زوجي فتح أبواب المصبغة لاستقبال الزبائن. وبدأ العمل فيها، وبدأت المضايقات من قبل رجال الأمن والشبيحة. بدأت تصلنا التهديدات المتتالية، لأننا من عائلة ثورية معروفة. بدأ الضجر والتعب يراود زوجي، وخاصة مع صعوبة الظروف المادية وغلاء المعيشة. أصبحت أساسيات العيش هي ما يبحث عنه سكان إدلب، لا الاهتمام بالمظهر وكيّ الملابس التي أصبحت أشبه بالكماليات.

سيدة وطفلها في سوق شعبي في حي الشعار في حلب. تصوير حسام كويفاتية

عندما بدأت الأخبار ترد عن محاولات الثوار لاسترجاع المدينة  من الشبيحة والنظام ازدادت مضايقات رجال الأمن. إلى أن دخل الثوار فعلاً للمدينة وحرروها بتاريخ 28 آذار/مارس 2015. الاحتفالات بتحرير المدينة لم تطل، بدأ الأهالي بالنزوح من المدينة خوفاً من الطيران الذي بدأ بقصفها بعد مضي بضع ساعات على التحرير. فنزحنا أنا وعائلتي إلى قرية صغيرة في أرياف إدلب تدعى عرب سعيد. بقينا في تلك القرية ثلاثة أشهر، إلى أن بدأ الوضع يستقر في المدينة فعدنا إلى بيوتنا.

عندما ذهب زوجي إلى المصبغة ليتفقدها، تمهيدا لعودته إلى العمل، وجدها وقد تهدّمت جرّاء القصف. ماذا سنفعل؟ كيف سنعيش؟ لم نجد حلّا سوى أن يعود زوجي إلى لبنان، حيث عمله السابق في شركة لتنظيف وكيّ الملابس. سافر عبر الطريق النظامي إلى دمشق ومنها إلى لبنان. وكنت طوال رحلته تلك أشعر بالخوف بل بالرعب من إمكانية اعتقاله. وبعد عناء وصل أخيرا إلى لبنان في 20 تموز/يوليو 2015.

أما أنا فاضطررت للنزوح مرة ثانية مع طفليّ، بعد أن ارتكبت الطائرات مجزرة مروعة في سوق مدينة إدلب للخضار. أخذت أطفالي وذهبت إلى قرية تدعى حفسرجة. لكن هذا النزوح كان مختلفاً وصعباً، كنّا وحدنا دون زوجي. بقينا في حفسرجة حتى توصلوا إلى اتفاقية الزبداني – الفوعة – كفريا برعاية تركية وإيرانية وبضمان من الأمم المتحدة. تضمنت الإتفاقية إيقاف القصف وإدخال مساعدات للزبداني ومضايا في ريف دمشق، والفوعة وكفرية في ريف ادلب. عندها عدنا وكنت مطمئنة قليلاً على طفليّ نور وليث، طفلاي في المرحلة الابتدائية. نور في الصّفّ الخامس وليث في الصّفّ الثاني.

دام الاطمئنان مدة ستة أشهر وهي المدة المحددة للهدنة. وبعد انتهاء الستة أشهر عاد الخوف والرعب يدبّ في قلبي كما في قلوب الأهالي في المدينة. زوجي لم يكفّ عن القلق علينا وما سيحّل بنا. وخاصة أننا لا نستطيع أن نلحق به براً إلى لبنان. لأنني أخاف من الاعتقال على حواجز النظام انتقاماً من عائلتي وإخوتي الثوار. ولم يكن ممكن السفر عبر تركيا لأننا لا نملك جوازات سفر. فزوجي أصبح الآن عالقاً في لبنان، لا يستطيع العودة إلى سوريا، لأنه بعد سفره فرض النظام على الشباب في خدمة الإحتياط الإلزامية. وزوجي من الشباب الذين أعمارهم مطلوبة للخدمة فهو من مواليد 1979ولا يستطيع العودة من لبنان إلى تركيا ليعبر باب الهوى إلى سوريا، لأن تركيا فرضت تأشيرة طلبت بموجبها شروطاً شبه مستحيلة للسوريين الذين يودون الدخول إلى تركيا.

وهكذا انقسمت العائلة ربما للأبد. و زاد حزني وحزن طفليّ أن والدهما على قيد الحياة ولايستطيعان رؤيته، وهو لا يستطيع الوصول إلينا. الدموع تراودني بلا توقف مع بدء الطائرات بالقصف. إلى أين سوف نذهب أنا وطفليّ؟ ماذا سيحلّ بنا؟ وزادت أسئلة أولادي عن والدهما. في ليلة من الليالي كان ليث حزيناً، الطائرات لا تزال في السماء. سألته: “هل أنت خائف من الطائرات؟” قال لي: “لا، أنا حزين لأنّي إذا متّ بسبب القصف أكون قد متّ ولم أرَ أبي فسوف يحزن علي كثيرا”. وسألني: “أمي إلى متى هذا الفراق هل سيكون طويلا ؟”

في كثير من الأحيان، أتمنى لو كان لطفليّ أجنحة يطيران بها بعيداً، يطيران بها إلى والدهما، بعيداً عن الحرب وقسوتها. ولكنه حلم في اليقظة لا أكثر .

ليلاس هاشم، (31 عاماً) أم لصبيين، نزحت إلى لبنان مع زوجها عندما دخلت وحدات تابعة لجيش النظام إلى إدلب. عادت قبل ثمانية أشهر إلى ريف إدلب، وعندما أصبحت المدينة تحت سيطرة المعارضة عادت أخيراً إلى بيتها.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي