لن أُرسل إبني إلى المدرسة

انفصلتُ عن زوجي في العام 2011، وبقيت في دمشق. لكن بسبب ظروف الحرب أتيت برفقة أمي وإبني إلى كفرنبل في ريف إدلب في العام 2014. كان عمر إبني حينها 6 سنوات.

 

تنقلت من منزل إلى آخر لعدم توفر مقومات الحياة… كنا نشعر بالبرد غالباً أنا وأمي وإبني، بالإضافة للخوف من القصف والطائرات الحربية التي تلازم سماء إدلب منذ تحرير القرى المحيطة. ومنذ ذلك الحين، بدأت قصة إبني والمدرسة.

 

في كفرنبّل، لم أسجّل إبني يحيى في المدرسة، لخوفي المفرط عليه، إن تمَّ قصف المدرسة أو أُصيب وهو في الطريق… كان عمره 6 سنوات، ويجب أن يتعلّم! ومضى العام الأول من مجيئنا، دون تعليم… وذلك هرباً من خطر الموت وكي يبقى بقربي، لكني كنتُ حزينة، خشيةً على مستقبله، فما الطفل بدون مدرسة؟

في العام الدراسي الثاني وبالرغم من خوفي المستمر، إلا إني قمت بتسجيل وحيدي يحيى في المدرسة. وفعلت ما يلزم من إجراءات، لناحية تصديق وثائقه، لأنّ مدراء المدارس في كفرنبل، لا يقبلون تسجيل الأطفال النازحين، إلا بأوراق رسمية وحسب الأصول.
كان يجب أن يدرس يحيى الصف الأول… وحصل ذلك في العام الدراسي 2015-2016، مع العلم بأنه كان من المفترض أن يكون في الصف الثاني، لو أنهُ دخل المدرسة في العام السابق.

كنتُ أقوم بإيصال يحيى إلى المدرسة كلَّ يوم. ولا يذهب إليها، في الأيام التي يشتد فيها القصف، سواء كان القصف قريباً أو من حولنا… فأنا لا أُخاطر بإبني.  مضى العام الدراسي الأول ليحيى، بسلام دون أن يُصاب بأي أذى الحمدُ لله.

 

إلى أن أتى العام الدراسي 2016-2017، وكان في بدايته على ما يرام… وكان يحيى قد بدأ يلتحق بعامه الثاني. حلّت النكبة في 26 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد أسابيع من فتح المدارس أبوابها، حيث تمَّ قصف مجمّع المدارس في حاس… ما أدّى لاستشهاد عشرات الأطفال والمعلّمين.
هذه الفاجعة أعادت خوفي على إبني، لكن بوتيرة أعلى. صرتُ أرتجف لمجرد التفكير بإرساله إلى المدرسة… كنتُ أبكي لمجرد تخيل أن يتم قصف مدرسته كغيرها من المدراس التي استُهدفت! هل سيموت إبني، أو يُصاب ببتر في أطرافه وتُلازمه الإعاقة الجسدية طوال عمره إن ذهب إلى المدرسة التي تقع تحتَ خطر القصف؟!
أنا والكثير من الأهالي متخوفون من إرسال أبنائنا إلى المدارس، لأنها معرّضة للإستهداف. وأُفضّل أن يبقي إبني في أحضاني وأُعلّمه في المنزل أشياء بسيطة، على أن يتعرض للقصف في المدرسة وعلى الطريق، وأن يبقى تحت وطأة الخوف الدائم وهو خلف مقعده ويسمع أصوات الصواريخ، ولا أكون بجانبه لاحتضانه كما تجري العادة حين نسمع أصوات القصف ونحنُ في المنزل.
إمّا تعليم أطفالنا في المدارس مع احتمال كبير بكتابة أسمائهم في لوائح الشهداء، أو أن يبقوا في أحضاننا دون حصولهم على حقهم بالتعليم… وربما أموت أنا وإبني في المنزل! لأنّ القصف لا يرحم لا مدرسة ولا بيت.

ها هوَ يحيى وعمره سيصبح 9 سنوات… ولم يلقَ فرصته بالتعليم بعد!

روشان الإبراهيم (27 عاماً) مطلقة وأم لطفل واحد. خضعت لكثير من الدورات وهي تسعى لتطوير نفسها بشكل دائم.