لمنع فوضى السلاح: إدعموا المجالس العسكرية قبل فوات الأوان
رزان زيتونة
في بداية الثورة كان أحد الأصدقاء لا يمل من تكرار “أن قصتنا طويلة” والقادم أعظم! برأيه أن العالم لن يتقدم بأية دعم للثورة يساعدها على قلب الموازين لصالحها، حتى إذا تعبت جميع الأطراف واستنفذت قواها سهل فرض تسوية عليها تناسب الجميع… ماعدا السوريين.
كنت أحاججه بأن هذا غير منطقي، فلمصلحة من يترك العالم الباب مفتوحا للتطرف والإرهاب كي يتسلل إلى سوريا الجديدة؟ وبماذا قد يستفيد أي أحد من ترك الأوضاع تسير نحو الفوضى المطلقة بحيث يتعذر على أي طرف فيما بعد احتوائها؟ من سيكون مخولاً لعقد أية “تسوية” مماثلة في ظل انفلات السلاح وتضارب مصالح عشرات الأطراف الداعمة ذات الأهداف والرؤى المختلفة وازدياد قوة وحضور جماعات الجهاد المسلح؟
لاتزال هذه الأسئلة معلقة من غير أجوبة، ولا يزال رأي صديقي مع ذلك يثبت صحته يوما بعد يوم. تشكلت المجالس العسكرية لضبط الحراك المسلح وفق أسس واستراتيجيات عسكرية واضحة، ولمنع فوضى السلاح وكوارثه، ولربطها بالتمثيل السياسي للثورة بما يحقق الانسجام بين العملين السياسي والعسكري. لكنها تركت من غير أي دعم حقيقي يمكَنها من ممارسة قيادة وتوجيه على الكتائب المقاتلة. وتعزز الفصل بين العملين المسلح والسياسي بجعل الدعم يقدم مباشرة للكتائب ولا يمر عبر التمثيل السياسي للثورة. حيث تلقفت بعض الحكومات والجماعات الخليجية وأطراف أخرى هذا الوضع فعمدت إلى دعم كتائب ومجموعات بعينها وخارج أية أطر معترف بها.
وعلى سبيل المثال، تقوم قطر بدعم الكتائب بشكل منفرد ومن غير أي تنسيق يذكر مع “المجلس الوطني” ومن بعده “الائتلاف الوطني” المعارض الذي يفترض أنه يمثل الثورة السورية.
أدى ذلك إلى غياب أي إطار سياسي أو عسكري قادر على التأثير على المقاتلين، إن كان من حيث الخطط القتالية أو من حيث الممارسات والسلوك. لدى مواجهة أي مشكلة ذات صلة بممارسات “تشبيحية” من بعض الكتائب المقاتلة على الأرض، ممن استغلت الأوضاع لممارسة أعمال النهب والسرقة والخطف، نلجأ إلى رؤساء المجالس العسكرية لنجد أنهم لا يستطيعون التأثير على مقاتل أو كتيبة. وحده من يمتلك الذخيرة والدعم، ومن هو قادر على تقديمها للآخرين، يمتلك مثل ذلك التأثير. حتى الكتائب التي ترفض أعمال التشبيح والنهب تضطر للقيام بأمور على حساب المدنيين وممتلكاتهم الخاصة بسبب قلة الموارد وعشوائية توزيعها حسب ماتراه الجهات الداعمة.
أما الغرب فيتحجج بعدم دعم المجالس العسكرية بالخوف من وصول الدعم لغير مستحقيه. والواقع يقول أن الجماعات المتطرفة مستقلة في مواردها وتكاد تكون الأطراف الوحيدة المكتفية ذاتيا، فيما تستمر كتائب “التشبيح” على أعمال النهب والسرقة ولا مشكلة لديها في قلة الموارد. في النتيجة تقوى الكتائب المتطرفة والكتائب غير المنضبطة على حساب الآخرين الذين يلتزمون بخط الثورة ويرفضون أعمال التشبيح والنهب والخطف. لكنهم عاجزون عن مواجهة ذلك باعتبارهم الحلقة الأضعف.
وفي كل مرة يواجَه فيها الدبلوماسيون الغربيون حول موضوع دعم الكتائب، يتذرعون بشكل مثير للشفقة بأنهم لا يعلمون لمن يجب أن يذهب الدعم. وفي أكثر من مناسبة يطالب الدبلوماسيون بالتواصل مباشرة مع الكتائب المقاتلة! فإذاً لماذا تشكل “الائتلاف الوطني” والمجالس العسكرية إذا كان الجميع يريدون تجاوزها؟ أو ربما السؤال الأصح، لماذا الإصرار على إبقاء المجالس العسكرية ضعيفة وغير ذات تأثير على مسار الثورة ومصيرها، لحساب التطرف من جهة والفوضى “غير الخلاقة” على الإطلاق من جهة أخرى؟
بدل الخطوات المثيرة للسخرية، كإدراج جبهة النصرة على لائحة الإرهاب، فإن محاربة التطرف والفوضى تكون بقرار واضح وعلني بدعم الثورة بجناحها العسكري، وبشكل مؤسسي يمر عبر “الائتلاف” والمجالس العسكرية. الثورة بدعم أو بدونه مستمرة؛ الفرق فقط في أن ما يستنكف العالم عن القيام به الآن، لمساعدة إبقاء الثورة على مسارها الصحيح، سيضطر يوما ما للقيام به للأسباب نفسها التي يتذرع بها الآن لعدم تقديم الدعم. لكن مقولة “أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً” ليست صحيحة في مطلق الأحوال؛ أحياناً يكون الموعد قد فات فعلاً.