لاجئات مخيم الزعتري بين حمامات الرعب وحكايات العنف والاغتصاب

 رأفت الغانم

لجأت أم أحمد إلى مخيم الزعتري بعد أن غادرت سوريا متسللة عبر الحدود برفقة ابنتيها. عندما قابل موقع “دماسكوس  بيورو” أم أحمد في شهر آذار/ مارس، بعد ثمانية أيام من وصولها إلى المخيم، كانت تحاول تأمين وسائل تدفئة، فخيمتها لا تحتوي سوى على بطانيّتين. تحدثت عن معاناتها أثناء فترة اعتقالها في سوريا والتي استمرت ستة أشهر وكشفت عن ساقها المتورمة جراء التعذيب، قائلة إنها لم ترَ طبيباً منذ جاءت.
تقول أم أحمد باكية “وصلت إلى الزعتري لأجد نفسي في سجن آخر”.

تعاني المرأة في مخيم الزعتري من مشاكل جمّة، قد تبدأ بالبحث عن المعونات ولكنها قد لا تنتهي بالعنف. العنف الذي يمارس هنا يأخذ اشكالاً عدّة، من عنف أسري سببه موجة من الإحباط، وما يحكى عن حالات اغتصاب وتحرش، وصولاً إلى تسجيل عدة حالات قتل.

الحمامات في مخيم الزعتري - تصوير رأفت الغانم
الحمامات في مخيم الزعتري – تصوير رأفت الغانم

جارات أم أحمد يسكنّ بلا معيل بجوار أبي مصعب البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً، وأسرته. بعد أن استطاع تأمين المعونات التي تحصل عليها العائلات في الزعتري همّ بالعودة إلى سوريا لحمل السلاح مع “الجيش الحر”، ولكنّه عدل عن رأيه لاحقاً بسبب بكاء جاراته في خيمته فور معرفتهنّ بذلك. يقول أبو مصعب “النساء لا يستطعن تأمين المستلزمات الأساسية هنا… كما لا يستطعن الوقوف في طوابير المعونات بشكل يومي”، ويضيف “تفاجأت بعدد الشبان ذوي الأخلاق المتدنية في المخيم وهو سبب أساسي في بقائي بجانب زوجتي وأطفالي”.

أم هند البالغة من العمر خمسين عاماً لا تستطيع أن تقف في طابور المعونات الطويل، كما تخشى على بناتها في المخيم الذي لا يخضع لسلطة أمنية.

يؤكد المنسق العام لشؤون اللاجئين السوريين في الأردن أنمار الحمود في اتصال مباشر معه “أن الأمن لم يتواجد مطلقاً في الزعتري… ورجال الأمن الأردني لا يستطيعون الدخول إليه ليلاً …”.

وبحسب الحمود يُقدر عدد اللاجئين السوريين في الزعتري بمئة وعشرين ألف لاجئ حتى شهر آذار/مارس، وتبلغ نسبة النساء والأطفال أكثر من 75 بالمئة من إجمالي سكان المخيم.

تعمل خلود، وهي فتاة لاجئة في المخيم، مع مجموعة من الشباب السوري المتطوع في المجال الإغاثي. تتحدث خلود عن العديد من حالات العنف الجسدي ضد المرأة، والتي وصلت حد الإغتصاب، وترجع أسبابه لحالة الإحباط الموجودة لدى الرجال، بالإضافة إلى وجود نساء بلا معيل ما يجعلهن عرضة للابتزاز، سواء من رجل غريب أو من رجل يلعب دور المعيل، يكون عادةً من المنطقة نفسها في سوريا، وتؤكد أن النساء اللواتي جئن برفقة معيل لسن أفضل حالاً. تقول خلود “أعرف امرأة لم يصرخ عليها زوجها مرة واحدة سابقاً وفي الزعتري انقلب الحال وأصبح يشبعها ضرباً بشكل يومي”.
وتعتقد خلود “أن تشغيل المرأة في المخيم لقاء أجر مادي من قبل المنظمات من شأنه أن يخفف من المشاكل التي تواجهها بالإضافة للقضاء على وقت فراغها”. وتضيف “اعتمادها على نفسها يقيها ذل السؤال الذي يعرضها للابتزاز ولكن هذه المبادرات معدومة في المخيم”.

الناشطة في مجال الدعم النفسي داخل المخيم أم زياد، والتي تعمل مع عدة فرق تطوعية منها “الهلال الأحمر القطري” تشير إلى أن غالبية اللاجئين جاؤوا من مناطق ريفية لم تكن تعطي المرأة كامل حقوقها. وترى أنه من الطبيعي أن يتفاقم ظلم المرأة في المخيم بسبب ظروف اللجوء القاسية، وتقول “المرأة في الزعتري ضحية اللجوء وضحية كونها امرأة”. وتتحدث أم زياد عن حالات اغتصاب تحدث على يد الأزواج أو الغرباء وتضيف حول ذلك “هذه الحالات نادرة ومن الصعب التثبت منها”.

النسوة اللواتي إلتقاهن موقع “دماسكوس بيورو” أكدن أن هناك حالات تحرش جنسي تحدث أثناء فترة الإنتقال من الحدود إلى المخيم أو أثناء استلام المعونات. يقال الكثير ولكن يبدو من الصعوبة بمكان التحقق من بعض الروايات في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها اللاجئون.

إلى ذلك أطلقت النسوة في الزعتري اسم “حمامات الرعب” على المرافق العامة للاستحمام وقضاء الحاجة، فعاداتهن اليومية محفوفة بالمخاطر، مع انتشار الشباب والباعة حول الحمامات في النهار، والظلمة التي تجتاحها ليلاً بسبب تعرض تجهيزات الإنارة للسرقة والتخريب.

“في الليل أقضي حاجتي داخل الخيمة” تقول إحدى اللاجئات التي لم تشأ الكشف عن اسمها.

إيمان، وهي لاجئة أخرى، روت أنها لا تدخل الحمامات ما لم تتأكد منها جميعاً وترى أنها خالية وتقول “في إحدى المرات وجدت فتاة نائمة داخل الحمامات. شعرت بالذعر حينها وبعد أن تابعت السبب وجدت أنها هاربة من عنف ذويها”.
وتروي إيمان أنها حاولت التعرف على الفتاة بعد ذلك للوقوف على حالتها والدافع الذي جعلها ترقد في مكان خطر إلا أن الفتاة تهربت منها وتتابع “جاءت والدتها إلى خيمتي وقامت بتهديدي و(أمرتني) أن أبتعد عن ابنتها” وتضيف “أعتقد أن الفتاة تعرضت لاغتصاب وبأن ذويها حمّلوها سبب ذلك”.

في اتصال هاتفي مع مدير التعاون والعلاقات الدولية في “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة علي البيبي، لم يعلق الأخير على ما يشاع عن حالات اغتصاب وتحرش جنسي في المخيم، واكتفى بالقول “الهدف الأسمى للمفوضية هو حماية اللاجئين من كل أنواع الإساءة التي يتعرضون لها، سواء كان الأمر يتعلق برجل أو امرأة، طفل أم غير ذلك.”

وقد شهد المخيم مساء الجمعة 19 نيسان/ أبريل مواجهات مع القوى الأمنية أدت إلى جرح نحو عشرة من عناصرها، وقد أشيع أن سبب المواجهات يعود إلى محاولة لاجئين سوريين الهروب خارج المخيم.

بالإضافة إلى ما سبق من مخاوف ومعاناة، يسجل غياب النظافة وانقطاع المياه لفترات طويلة عن حمامات المخيم، وتنقطع المياه لعدة أسباب، منها: نقل خزانات المياه البلاستيكية إلى جوار الخيَم، أو بيع المياه من قبل سائقي الصهاريج إلى خزانات أخرى وضعت في السوق أو بجوار خيمة أحدهم، وعدم ملء خزانات الحمامات بشكل كامل، وفوق كل هذا مايعانيه الأردن من نقص في المياه وفق تصريحات المسؤولين الإعلامية.