كيف تُدار مدينة تل أبيض الحدودية؟
يوسف شيخو
عشية وقوع مدينة الرقة السورية في قبضة مقاتلي المعارضة في مطلع آذار/مارس الفائت، كانت مدينة تل أبيض، التابعة للمحافظة نفسها، تشهد مفاوضات بين النظام والمعارضة، بهدف تفعيل المؤسسات الخدمية في هذه المدينة التي تسيطر عليها المعارضة منذ 22 أيلول/سبتمبر 2012.
محافظ الرقة التابع للنظام حسن جلالي طلب من المجلس المحلي المعارض في تل أبيض إعادة تفعيل مؤسسات مهمة لتسيير شؤون المواطنين. وعلم موقع “دماسكوس بيورو” أن جلالي، حينها، عرض على المجلس إعادة الموظفين إلى مؤسساتهم، مؤكداً استعداد النظام التكفل بدفع رواتبهم. وآنذاك، توصل الجانبان إلى اتفاق يقضي بتفعيل مؤسسات حيوية، كالمياه، والكهرباء، والبريد، والصحة.
الاتفاق السابق لم يُنفذ. فالنظام خسِر الرقة، ومحافظها جلالي وقع أسيراً في يد مسلحي المعارضة. وعليه، باشر المجلس المحلي الجديد في تل أبيض، بمفرده، مهمة تسيير شؤون المدينة، البالغ عدد سكانها نحو 35 ألفاً. ويتكون المجلس المحلي في تل أبيض من 19 مكتباً، تتوزع بين المجموعات العرقية التي تقطن المدينة: 11 للعرب، خمسة للأكراد، اثنين للتركمان، فيما بقي المقعد المخصص للأرمن شاغراً، وتمت إعادة توزيع المناصب في شهر شباط /فبراير.
إلا أن هناك تشكيكاً في شرعية المجلس واستقلاليته عن مسلحي المعارضة من قبل العديد من مواطني المدينة الذين تحدثوا إلى موقع “دماسكوس بيورو”، خصوصاً بسبب الطريقة التي تم فيها اختيار الأعضاء.
ولم تحصل أي انتخابات محلية لاختيار أعضاء المجلس، بل تمت تسميتهم من قبل العشائر التي شكلت كتائب محلية لإدارة المدينة بعد أن خسر النظام السيطرة عليها، وهو أمر لا ينفيه عضو حالي في المجلس رفض ذكر اسمه.
وبحسب المصدر نفسه “لم يكن هناك مشاركة في الانتخابات من قبل الوجوه المثقفة في المدينة أو حتى من قبل المعارضين للنظام من العرب المعروفين في المدينة. الاتفاق كان بين هؤلاء الأعضاء المدنيين الذين اختارتهم الكتائب المحلية… وتم توزيع المكاتب وأيضاً انتخاب رئيس المجلس حصرياً بين هؤلاء الأعضاء أنفسهم”. أما بالنسبة للتمثيل الكردي (ويشكل الكرد نحو نصف سكان المدينة)، يقول المصدر نفسه إن الأعضاء الحاليين هم عضوين من “المجلس الوطني الكردي” الذي يضم عدة أحزاب كردية رئيسية، بالإضافة إلى عضوين من “مجلس الشعب لغربي كردستان”، وهو هيئة تابعة لـ “حزب الإتحاد الديمقراطي” الموالي لـ “حزب العمال الكردستاني”، بالإضافة إلى عضو مستقل.
يدافع رئيس المجلس السابق سعد شويش عما أداه المجلس حتى الآن، لا سيما وأنه باشر عمله “بعد تحرير المدينة بخمسة أيام”.
يضيف شويش أن المجلس المحلي تولى تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، كالخبز والكهرباء ومياه الشرب، كما تولى المجلس إعادة تفعيل المشافي الحكومية وتوفير كافة المستلزمات الطبية والأدوية، وإعادة تفعيل كافة مؤسسات الدولة، ذلك فضلاً عن تأمين المواد الاغاثية للنازحين المقيمين في مدارس المدينة، وكذلك تقديم المساعدات إلى “أسر الشهداء والفقراء”.
في السياق نفسه، يقول مسؤول “مركز الإيواء” التابع لهيئة الإغاثة في المجلس خليل عبد الله، إنه “بعد التحرير بنحو شهر، استلمت الهيئة الدعم من مجموعة مؤسسات خيرية”، أبرزها مشروع “كلنا للشام” الذي قدم الدعم المادي، وكذلك “الهلال الأحمر التركي”، الذي يستمر في إغاثة الهيئة بالمواد الغذائية، ذلك بالإضافة إلى الدعم المادي الذي يقدمه المجلس المحلي. وعلى ما يفيد عبد الله فإن هناك حالة “استياء من قبل النازحين، وكذلك الأسر الفقيرة بسبب نقص المواد الإغاثية، لا سيما المواد الغذائية”.
وبالرغم من تأكيد أعضاء المجلس المحلي قيامهم “قدر إمكانهم” بمحاولة إعادة الحياة إلى المدينة، يشكو مواطنون من أدائهم. وقد شهدت تل أبيض في وقت سابق من شهر نيسان/أبريل اعتصاماً بسبب انقطاع المياه عن أحد أحياء المدينة.
ويقول أحمد السليم، وهو من سكان تل أبيض، إن أكثر ما يهم الأهالي هو الأمن والخدمات الأساسية، موضحاً أن المجلس المحلي لا يزال مقصراً في توفيرهما. ويستدرك السليم قائلاً: “لكن بشكل عام يمكن القول إن وضع تل أبيض الخدمي هو الأفضل في منطقة الجزيرة (التي تضم محافظات الرقة والحسكة ودير الزور)، سواء من ناحية الكهرباء أو الخبز أو الغاز”. ويضيف أن المواطن يستطيع شراء “كافة حاجياته الأساسية من تركيا، حيث لا تبعد أسواق مدينة أكجا قله التركية سوى بضع دقائق سيراً على الأقدام… والمعبر الحدودي مفتوح للجميع، دون الحاجة إلى دفع رسوم جمركية”.
ويشهد المعبر الحدودي نشاطاً تجارياً كبيراً. وعلى ما يقول مسؤولون في المجلس المحلي، فإنَّ مكتب “البوابة الحدودية”، الذي لا يزال تحت سيطرة مقاتلين من المعارضة غير مفعّل حتى اللحظة. وفي هذا الإطار، يقول مواطن طلب عدم ذكر اسمه، إن المجلس “لا يستطيع تجاوز الحدود المفروضة عليه من قبل الكتائب (وبينها “جبهة النصرة”)، ما يتسبب في تعطيل دوره في الكثير من الأمور الخدمية والأمنية”.
وأبرز الفصائل المسلحة الموجودة في تل أبيض هي “كتيبة الفاروق”، بالإضافة إلى تنظيميّ “جبهة النصرة” و”غرباء الشام” الجهاديّين.
رئيس المجلس السابق سعد شويش لا يرى أن المجلس يخضع لسلطة المسلحين، حيث يقول إن “علاقة المجلس بـ”الجيش الحر”، منذ البداية، علاقة جيدة، وهناك تنسيق بين الجانبين”. وفيما يؤكد شويش أن المجلس “يأخذ شرعيته من الشارع وليس من المجلس العسكري (في محافظة الرقة) أو الكتائب”، يستدرك بالقول: “لكن أحيانا نحتاج مساعدتهم بتأمين حماية المدينة… وهناك أمور كثيرة نتساعد نحن و”الجيش الحر” بخصوصها”.
إلا أن الناشط الإعلامي في تل أبيض معن الخضر يشير إلى أن “جبهة النصرة” كان لها أثر في انحسار الدور الأمني للمجلس المحلي، الذي كان قد شكل قوة أمنية تعرف بـ “مكتب الأمن الداخلي” تضم متطوعين من حملة الشهادات بإشراف ضباط الشرطة المنشقين. حيث يذكر الخضر أن “المكتب” تم عملياً تحييده عن العمل بعد صدامات مع “جبهة النصرة”.
يقول الخضر “لا توجد جهة معيّنة مسؤولة عن الأمن؛ الناس يشتكون عادة للهيئة الشرعية الموجودة في المدينة”.
وفي ظل انتشار مسلحي المعارضة في المدينة، تبقى الكتائب التي تضمهم غير موحدة.
ويضيف الخضر، “المجلس العسكري في (محافظة) الرقة ضعيف جداً وغير مؤثر اطلاقاً؛ ببساطة هو إسم بلا جسد”، ولكنّه يعتقد أن الوضع الأمني تحت السيطرة لكون المنطقة “عشائرية وغالبية الناس تعرف بعضها البعض”.