قصة أهل كفرومة مع النزوح المتكرر

انتشار نازحي بلدة كفرومة بين البلدات والقرى الأثرية سبّب مشاكل جمة لدى المجلس المحلي في البلدة

عبدالله كليدو

10708188_1690269611199272_373073219_n
النازحون يعيشون في ظروف إنسانية صعبة للغاية حيث تنعدم كل سبل الحياة

(إدلب, سوريا) كانت أم محمد (50 عاماً) تجلس بين مجموعة من الصخور أمام فتحة الصرف الصحي التي تعتبرها ملجأً لعائلتها. تنظر باتجاه بلدتها كفرومة التي لا تبعد أكثر من ستة كيلومترات وتتنهد قائلة:”كيف تريد مني أن لا أسكن هنا، انظر إلى الدخان المتصاعد من البلدة، الطيران لا يهدأ، وباقي البلدات لم تعد تستقبلنا بدون مقابل، حتى القرى الأثرية لم يعد لنا مكان فيها”. هناك تقيم أم محمد التي توفي زوجها جراء القصف المدفعي، مع ابنتين وصبي.

خمس معارك على مدار سنتين أعلنتها الكتائب التابعة للمعارضة على معسكر وادي الضيف ومعسكر الحامدية المحاذي لبلدة كفرومة، والبالغ عدد سكانها حوالي 18 ألفاً، والواقعة في ريف إدلب الجنوبي غربي مدينة معرة النعمان، آخرها كانت معركة “القيامة” في تموز/يونيو و”الجيش الواحد” في آب/أغسطس. وكانت الهجمات تنطلق من بلدة كفرومة مما يعرضها للقصف والدمار. المعارك كانت تستمر ليوم أو اثنين وأحيانا 15 يوماً، دون أن تحقق أهدافها المعلنة. ومع بداية كل معركة يكون النزوح من نصيب المدنيين من بلدة كفرومة إلى البلدات المجاورة أو القرى الأثرية كقرية “شنشراح” بسبب شدة القصف.

يرجع الأهالي لجوء أم محمد إلى فتحة الصرف الصحي إلى استحالة العيش في البلدة بسبب شدة القصف مع بداية المعارك، بالإضافة إلى الاستغلال في البلدات المجاورة لكفرومة. ففي حين قامت هذه البلدات مع بداية المعركة الأولى في صيف العام 2012 والتي حملت تسمية معركة تحرير المعرة، باستضافة نازحي كفرومة مجاناً، إلا أن هذا الواقع قد تغير في الفترات اللاحقة وأصبحت البيوت الفارغة في هذه البلدات تؤجر بأسعار باهظة، تتراوح بين 150$ إلى 200$ مما جعل أم محمد تلجأ إلى فتحة الصرف الصحي لعدم قدرتها على دفع قيمة الإيجار.

الرئيس السابق لـ”لجنة إغاثة كفرنبل” حمدو السطيف إبن مدينة كفرنبل (31عاماً) يرد سبب فرض رسوم الإيجار إلى الأوضاع المتردية للعائلات في المدينة. ففي المرحلة التي تم احتضان النازحين فيها مجاناً، كانت أحوال العائلات جيدة مادياً، ولكن مع طول أمد الحرب تراجعت أحوال الجميع وأصبحوا بحاجة إلى مصدر آخر للرزق، فتوجهوا إلى تأجير بيوتهم. هذا ما جعل رئيس المجلس المحلي محمد خير الشرتح يتحدث مستغربا “يجب أن لا يكون الوضع المعيشي الصعب على حساب النازحين، الكثير من العائلات إن لم نقل أغلبها في هذه البلدات لجأوا إلى المخيمات في تركيا، وهم يأكلون على حساب الحكومة التركية، ويؤجرون بيوتهم بأسعار باهظة جداً”.

ويقول أحمد النديم (30عاماً) وهو عامل إغاثة سابق من مدينة كفرنبل: “الإغاثة تولت في البداية البحث عن بيوت للنازحين مجاناً، وكانت جميع العائلات تستقبل النازحين دون أي مقابل، ولكن مع طول أمد المعارك وازدياد الشكاوى، عن بعض المسروقات من المنازل التي استقبلت نازحين بعد خروجهم جعلت هذه العائلات ترفض استقبال النازحين مرة أخرى”.

يرفض نائب رئيس المجلس المحلي لبلدة كفرومة عبد الرحمن الرحمون هذا التبرير الذي وصفه بالقاسي بحق النازحين حيث يقول:”إن كان هناك بعض السرقات كما يقولون، فهذا أمر يمكن أن يحدث في ظل هذه الفوضى، ولكن هم قلة من يقومون بهذا الأفعال، ويمكن أن تحل الأمور بشكل أفضل من هذا، ولا يتحمل باقي النازحين تصرفات هذه القلة القليلة”.

أحد مقاتلي لواء صقور الشام ويدعى عبدو الرحمون (32عاماً) يعتقد أن الإيجار ليس المشكلة الوحيدة التي يواجهها النازحون، فهناك استغلال حتى بشراء البضائع في هذه البلدات، حيث يقوم بعض التجار برفع سعر البضاعة. ويستشهد الرحمون بحادثة حصلت معه في قرية “سفوهن” عندما أراد شراء خضروات، وبعد السؤال عن سعرها تفاجأ بأنها مرتفعة عن سعر الخضروات التي اشترتها امرأة من نفس القرية أمامه، وعندما حاول الاستفسار رفض البائع إجابته.

ويضيف المقاتل في لواء فجر الإسلام ابراهيم الطاهر (28عاماً)” حتى المدارس لم تعد تستقبلنا عندما حاولت أخذ عائلتي إلى إحدى المدارس في قرية “الفطيرة” رفضوا إدخالنا معللين الرفض بعدم رغبة المدير بوجود نازحين في المدرسة، لأنه يلعب كرة الطائرة في المدرسة مساءً”.

يرفض مدير مدرسة الفطيرة أبو أيمن (اسم مستعار) هذا الاتهام حيث يقول:”لنا تجربة مع النازحين ليست ببعيدة، فعندما استقبلناهم في فترة العطلة الصيفية في المدارس رفضوا الخروج عند افتتاح المدارس، لهذا بقي قسم كبير من الطلاب بدون تعليم وهذا هو السبب الرئيسي لامتناعنا عن استقبال النازحين مرة أخرى في المدرسة”.

انتشار نازحي بلدة كفرومة بين البلدات والقرى الأثرية سبّب مشاكل جمة لدى المجلس المحلي في البلدة. ويشير رئيس المجلس محمد خير الشرتح إلى تلك الصعوبات التي تتمثل بالتنقل الدائم لهؤلاء النازحين بين البلدات المجاورة، الأمر الذي يعرقل عمليات توزيع مياه الشرب أو الإعانات، بسبب جهود البحث عنهم في كل هذه البلدات وهذا الأمر صعب للغاية، وقدرة المجلس محدودة.

يعاني نازحو بلدة كفرومة الذين توجهوا إلى القرى الأثرية من نقص في المياه وعدم توفر الكهرباء هذه بالإضافة لعدم توفر أبسط وسائل العيش، فمنهم من افترش الأرض ومنهم من لجأ إلى المدافن الأثرية والباقي قاموا بترميم بعض البيوت الأثرية وتغطيتها بغطاء من النايلون. حيث يعبر أبو رشاد (40عاما) وهو نازح من البلدة، عن استيائه من السكن هناك ولكنه يعود ويكرر “هنا أفضل، لا بأس، فهنا لن تجد من يطردك من بيته لأنك لا تدفع الإيجار ولن تطرد من المدارس بحجة التعليم”.

أخيرا انتهت معركة الجيش الواحد، في 30آب/اغسطس من دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة من قبل فصائل المعارضة، ما دفع بأم محمد إلى العودة من فتحة الصرف الصحي إلى بيتها في بلدة كفرومة. وعن هذه العودة تقول أم محمد:” لقد انتهت المعركة ولكن مازلنا نتعرض للقصف، لم يحققوا أي شيء، سوى المزيد من الضحايا والدمار الذي طالنا، لم أعد أرغب بالمعارك ولم أعد أرغب بالتحرير”.