قسّموا جبل حاس واستملكوه
قسموا جبل حاس وبدأوا بالبناء فيه تصوير ريم العيسى
بدأ المجلس المحلي في بلدة حاس في نهاية العام 2016 بمشروع تقسيم جبل البلدة بين الأهالي. الجبل الذي يمتد على مساحة ما يقارب 11 ألف دونم (الدونم وحدة قياس تساوي ألف متر مربع) تم الاتفاق بين الأهالي والفعاليات المدنيّة على تقسيمه .
رئيس المجلس المحلي في بلدة حاس ناصر الأعرج (40 عاما) يقول: “انطلق المشروع في شتاء 2016 حيث يحق لكل شخص يمتلك دفتر عائلة أن يحصل على مقسم في جبل البلدة والذي يقدر مساحته بين 500 إلى 700 متر”.
وبحسب الأعرج وضعت خطة للمشروع تتضمن تقسيم جبل حاس إلى 400 مقسم تم توزيعها على فئتين، الأولى الأكثر تضررا من المتزوجين والثانية الأرامل وأسر الشهداء والمعتقلين. ويؤكد أن الفئة الثانية تم اعفاؤها من الرسوم والتي تقدر بحوالي 100 دولار أمريكي مقابل شق الطرقات وتقديم الخدمات الأخرى في المستقبل. ويشير الأعرج إلى الآليات العاملة في المشروع لاستصلاح الأراضي وشق ورصف الطرق، وأجرها الزهيد.
كغيره من المشاريع المستحدثة واجه مشروع تقسيم الجبل الكثير من الصعوبات. ورغم ذلك تجاوزها العاملون فيه لإصرارهم على إثبات ذاتهم وليثبتوا للعالم أجمع أنهم قادرين على فعل الكثير رغم الإمكانيات الضعيفة من أجل مساعدة الناس في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة.
مدير اللجنة المسؤولة عن تقسيم جبل حاس صلاح العيد (30 عاماً)، يقول: “السبب الرئيسي وراء هذا المشروع هو ملاحظتنا أن الجبل يتم اقتطاعه من قبل بعض الأشخاص، وبمساحات شاسعة والفائدة تعود عليهم فقط. منهم من استأجر أرضا قبل الثورة من النظام مساحتها ما يقارب 2 دونم والآن أصبح لديهم أكثر من 10 دونمات”.
ويضيف العيد: “أثناء العمل في المشروع كانت أبرز المشاكل التي واجهتنا هي اقناع هؤلاء الأشخاص المحتكرين بالتخلي عن الأرض التي اقتطعوها من الجبل، من أجل توزيعها على أهالي البلدة بالتساوي. كثير منهم رضخ لمطالبنا بالتخلي عن المساحات الكبيرة التي اقتطعوها ولكن هناك أشخاص سلبيون لم يتعاونوا معنا ولم يتنازلوا عن أراضيهم”.
ويبين العيد أن بإمكانهم محاسبة هؤلاء الأشخاص عن طريق الفصائل المتواجدة في البلدة لأن شرعية العمل الذي يقومون به استمدوه من وجهاء البلدة الممثلين لكافة طوائفها. ويعلل أن الشيء الذي منعهم من هذا الأمر هو تجنب المشاكل بين طوائف البلدة.
ويسعى المجلس المحلي لأن يكون المشروع مخططا له بشكل نظامي ومدروس وبعيدا عن العشوائية. خبير المساحة تركي الفرحات (47 عاما) يقول: “تم مسح الجبل بشكل دقيق جداً، وتقسيمه إلى مقاسم وتوزيع الطرقات بينها بما يتناسب مع المواصفات المعمول بها في البناء الحديث والمنظم، ضمن كتل سكنية”.
ويلفت الفرحات أنه تم إفراغ مقاسم خاصة في كل كتلة تحتوي على 200 مقسم من أجل بناء مدرستين وجامع ومستوصف ومشفى. ويؤكد أنه تمت المحافظة على الأراضي المشجرة والأحراش وترك حرم للآثار الموجودة في المنطقة.
يحاول القائمون على المشروع إضفاء الشرعية عليه وذلك من خلال إجراء بعض التدابير، لربما تكون في المستقبل بمثابة الوثيقة المعترف عليها في حال قدوم حكومة جديدة، وفق ما ذكر علاء الشحود (33 عاما) أحد أعضاء لجنة التقسيم. ويقول الشحود: “تم توزيع المقاسم على الأهالي عن طريق أوراق ثبوتية توازي أوراق الملكية تكون موقعة من اللجنة المشرفة على المشروع”.
لاقى المشروع اقبالاً كبيراً من قبل أهالي البلدة، وفق ما أكد لحكايات سوريا خالد الفرحات (47 عاماً) وأرجع السبب إلى الفقر الذي يعانيه الأهالي، وضيق الأراضي الصالحة للبناء ضمن حدود البلدة. ويقول الفرحات: “لدي ولدين قمت بالتسجيل لهما في هذا المشروع والحمد لله حصلا على الموافقة وهم الآن في طور بناء منزلين في الجبل”.
“لا بد للحياة أن تستمر رغم الضيق الذي نقاسيه ويجب علينا أن نؤمن سكنا عزيزا لعوائلنا”، كلمات خرجت من علاء الشحود (33 عاما) أحد شباب البلدة عند سؤالنا له عن السبب الذي دفعه إلى المضي قدما لإنشاء منزله في الجبل.
وبدوره أبدى رمضان رمضان (35 عاما) إعجابه بالمشروع خاصة أنه أمن الأرض للكثير من الشباب العاطلين عن العمل، وممن لا يمتلكون أرضا داخل البلدة، وأنه قام بتقسيم الأراضي وتوزيعها بالتساوي على الجميع. ويضيف رمضان: “السبب الرئيسي الذي دفعني للبناء هنا هو غلاء أسعار الأراضي في البلدة، وعدم امتلاكي لمتر واحد فيها. بعد انطلاق الثورة فقدت وظيفتي كشرطي منشق. وبهذا الوضع الذي نعيشه لو أمضيت حياتي كلها لا أستطيع أن أوفر مبلغاً أتمكن به من شراء أرض صغيرة في البلدة”.
حلول يحاول تقديمها القائمون على نواصي الأمور في بلدة حاس من شأنها التخفيف عن الأهالي التي أثقلت كاهلهم سنون الحرب، وآمال كبيرة يعقدونها إذا ما كتب النجاح للمشروع علّه يكون نبراسا من أجل تنفيذه في مناطق أخرى.