قائد كتائب درع دوما أبو علي خبية: “دخول حي الميدان كان غلطة كبيرة نحن نعيش من أجل المدنيين ولا نريد تبعية”

رزان زيتونة

DSC00160
أبو علي خبية – تصوير رزان زيتونة

لا يوجد أكثر من القصص التي تحكى حول أبو علي خبية. بدءاً من الإعلانات المتتالية لاستشهاده التي يتبين في كل مرة أنها شائعات لا أكثر، ومروراً بما يعتبره كثيرون تهوراً وأخطاء عسكرية، وانتهاء بما يحكى عن شجاعته و”نخوته”.

ليس هناك من سبيل لتبين الحقيقي من الخيال والواقع من الإشاعة في الكثير من تلك الروايات حول الرجل وكتائبه المقاتلة. في الشارع الدوماني، تنقسم الآراء وتختلف الحكايا ما بين شديد السلبية وشديد الإيجابية. ولسنا في معرض تقييم كتائب درع دوما أو قيادتها، بل كل ما أملناه هو محاورة أبو علي خبية حول بعض النقاط التي لم يسبق له الحديث عنها رغم إطلالاته الإعلامية المتواترة.

بدأنا اللقاء بالحديث المعتاد حول التذخير والعلاقة مع المجالس العسكرية والتنسيق بين الكتائب.

العلاقة مع المنشقين

ورغم أن لواء شهداء دوما الذي تتبع له كتائب درع دوما عضو في المجلس العسكري، إلا أن أبو علي يقول إن موقفه الشخصي هو “أني لا أعترف بالمجالس العسكرية مثلما لا أعترف بالهيئة الشرعية أو مجلس الشورى وسواهم. كقائد ميداني، عندما ألجأ إلى المجلس العسكري طلباً للذخيرة ولا يتمكن من منحي حتى القليل منها، فعلى أي أساس سيكون لتلك المجالس أية سلطة على الكتائب ولماذا على الكتائب الاعتراف بها والولاء لها؟!”.

يقول إن دعم كتائب درع دوما بالذخيرة، هو من مصادر فردية ومحدودة، وأنهم لا يدفعون حتى رواتب شهرية لمقاتليهم على غرار ألوية وكتائب أخرى.

ربما ليست مسألة الذخيرة وحدها ما يحدد علاقة المقاتلين المدنيين بالعسكر. يقال في أحاديث الناس، إن المقاتلين لا يحبون المنشقين! ويسعون إلى “تطفيشهم”! والمنشقين بدورهم يتعاملون باستعلائية مع القادة الميدانيين من غير العسكر. هذا ما يقال، ولعله “حديث جرائد”. لكن لا يمكن عدم التفكير به في ظل شبه انعدام المنشقين على مستوى القيادات في عدد كبير من ألوية وكتائب المنطقة. وفي المعاناة التي تنجم عن ضعف التخطيط والتنسيق فيما يتعلق بالعمليات العسكرية حتى على مستوى المنطقة الواحدة.

يقول أبو علي: “لدينا في الكتيبة عناصر منشقة. أنا لا أؤمن بالضباط. النظام لا يزال في داخلهم، فضلاً عن العواينية الذين يرسلهم النظام لاختراقنا. في بداية العمل المسلح في دوما كنا جميعاً من المدنيين، ولم يكن معنا ضباط، ومع ذلك أنجزنا الكثير، ولا زلنا قادرين على ذلك. صحيح أن هناك ضباطاً رائعين، استشهد عدد كبير منهم، ولا يحق لي تقييم الناس على أساس منشق أو متطوع، لكن الفكرة أن المتقاعسين هم المرفوضون”.

تبرز مسألة المنشقين مرة أخرى فيما يتعلق بالأسلحة التي يفترض أن قراراً صدر بتزويد المقاتلين في سوريا بها. حيث يقال- ولم نتأكد من ذلك من مصادر مباشرة- أن تلك الأسلحة ستذهب فقط للكتائب التي يقودها ضباط منشقين.

يقول أبو علي إنهم علموا بوصول أسلحة جديدة لإحدى الجهات في الغوطة الشرقية بقيادة ضابط منشق، لكن كتيبتهم لم تستلم شيئاً حتى اللحظة.

وهو يؤكد أن حتى الألوية التي ليس فيها منشقين، تصلها الذخيرة والأسلحة من مصادرها الخاصة، رغم أن هذه الألوية لديها “مشاريع غير وطنية وترتهن لأطراف خارجية”.

معركة الميدان التي جرت في تموز / يوليو 2012

وبالمناسبة حول أحداث التخطيط والافتقار للاستراتيجيات العسكرية التي تقوم عليها المعارك، فتحنا حديث دخول حي الميدان الدمشقي، الذي تلقى عليه أبو علي خبية شديد اللوم باعتباره كان خطأً عسكرياً وقراراً متهوراً.

يقول أبو علي”اجتمعنا نحو ثمانين قائداً ميدانياً من الغوطتين الشرقية والغربية، واتفقنا مع عميد من الغوطة الغربية على أنه بمجرد دخولنا إلى دمشق ستكون هناك مؤازرة بعد ست ساعات من بقية تشكيلات الجيش الحر. صدَقنا أنفسنا ودخلنا إلى الميدان. وكانت جماعة الميدان بانتظارنا. وتم اختياري كقائد ميداني للمعركة. بقينا ستة أيام بلياليها من غير نوم. انتظار الساعات الست امتد لستة أيام لم نتوقف خلالها عن القتال لستة دقائق! ولم تصل المؤازرة. دمرنا الكثير وقتلنا الكثير من قوات النظام. لكن في النهاية اضطررنا للانسحاب، ليس بسبب نقص في الذخيرة بل لعدم وصول مؤازرة. قبل الانسحاب تكلمت مع أبو صبحي طه (قائد مجلس مجاهدي دوما، نائب قائد المجلس العسكري الثوري في الغوطة) وقلت له هذه آخر مرة أكلمك فيها. كنت أنتظر الموت وأنا أرى سبطانة الدبابة موجهة نحوي، وحولي الشهداء والجرحى والمقاتلين المنهكين من التعب. بكيت أثناء الانسحاب، حين شاهدت المئات من المقاتلين حولنا ينسحبون معنا. بينما لم يكن منخرطاً في الاشتباكات أكثر من مئة مقاتل. من أين جاء هؤلاء وكيف ولماذا لم يشاركوا في الاشتباك لا أعرف.

أعرف أن أهل الميدان الذين فتحوا لنا بيوتهم واستقبلونا، يقولون إننا ضربنا الميدان وخربناها ثم انسحبنا. لكن أنا لم أدخل من رأسي ولم يكن قراري منفرداً. كان هناك اتفاق سابق مع تشكيلات كثيرة أخرى. دخول الميدان كان غلطة كبيرة، مع أنها وجهت ضربة قوية للنظام”.

ثورة داخل ثورة

على أية حال، يرى “أبو علي” أساس المشكلة في التطورات السلبية التي طرأت على الثورة مع مرور الوقت.

“في بداية الثورة كنا نخرج لتنفيذ عملية لضرب حاجز، نصلي ركعتين ونذهب، ننتصر ونعود نصلي ركعتي شكر ونحن سعداء. الآن كل شيء تغير. السعي للحصول على الغنائم، شرعنة السرقة باسم الثورة، الحشيش”.

نسأله بالمناسبة عن موضوع انتشار الحبوب المخدرة والحشيش في منطقة الغوطة الشرقية، فيقول:

“الحبوب المخدرة تصل مجاناً للمنطقة من الحكومة. كلنا جربنا الحشيش قبل الثورة، ونعرف أنه بمقابل مادي، الآن يتوافر حتى مجاناً! لو تجولنا في مدينة دوما كلها لن نجد ربطة خبز واحدة، لكن سنجد الكثير من الحشيش!”.

في النهاية يقول “ابو علي”، لن يصح إلا الصحيح، أن نعود لإيماننا وهدفنا الأساسي في الثورة. وهو يعمل حالياً على مشروع لإعادة هيكلة “المحاربين القدامى” ضمن تشكيل واحد في الغوطة.

“القصد أن نبدأ بالجيش الحر، بأنفسنا، ثورة داخل ثورة”.

حول الانتهاكات والممارسات الخاطئة

وبمناسبة الحديث عن الثورة داخل الثورة، تطرقنا إلى الانتهاكات التي تقع من الكتائب بحق المدنيين في المناطق المحررة، والممارسات السلبية لعناصر تلك الكتائب. وذكرنا بشكل خاص المظاهر العسكرية المتواجدة بكثرة في مدينة دوما على خلاف مناطق أخرى في الغوطة، بالإضافة إلى بعض الشكاوى التي سمعناها حول “كتائب درع دوما”، من المظاهر الاستعراضية المسلحة في الشوارع والقيادة بسرعة متهورة والسرقات وسواها.

يقول أبو علي “اتفقنا مؤخراً على توحيد السجون في مدينة دوما مع السماح للتشكيلات العسكرية باعتقال العسكريين فقط أو المتهمين بالتعامل مع النظام. أنا عن نفسي بدأت بالتنفيذ وسلمت النساء المعتقلات والمدنيين إلى السجن الموحد. في الماضي إذا أردت اعتقال عوايني كنت أقوم بذلك بنفسي مع عناصر كتيبتي، اليوم أطلب قوة من الشرطة العسكرية لتقوم بالاعتقال بمرافقة عناصر كتيبتنا”.

حاججنا أبو علي بأنه من الخطأ أن تقوم الكتائب بالمشاركة في عمليات الاعتقال، وأن ذلك أدى فعلاً لمشاكل كبيرة جداً خاصة عندما يكون المراد اعتقاله من كتيبة أخرى، ما يؤدي إلى صدامات بين الكتائب في بعض الأحيان. وأن هذه المهمة يجب أن تكون حصراً من اختصاص الشرطة كما هو الحال في مناطق أخرى محررة من الغوطة.

ومع مصادقته على ذلك، ألقى باللائمة على ضعف التنسيق والعمل المشترك بين التشكيلات العسكرية في المدينة. وأضاف ساخراً: “دوما أم الشهداء، الجميع فيها مسؤولون وقادة، وينقصنا مواطنون لنحكمهم! على أية حال نحاول أن نتلافى هذه الأمور”.

ماهو للشعب فهو للشعب

حتى بالنسبة إلى غنائم العمليات العسكرية، يقول أبو علي “كل مايعود للحكومة فهو غنيمة، لكن ليس كل مانغنمه فهو لنا. على سبيل المثال مستودع الكهرباء، كان هناك من يقوم بسرقته، دخلنا إليه واعتقلنا اللصوص وحافظنا على محتوياته ثم سلمناه إلى نزار الصمادي (رئيس الإدارة المدنية في مدينة دوما ) ولم يعد لنا علاقة به بعد ذلك. ماهو للشعب فهو للشعب. مركز البريد، الفرن الآلي…الخ، كلها للشعب”.

وحول الممارسات الأخرى المذكورة أعلاه، يقول أبو علي “نحن مخنوقون منذ أكثر من أربعين عاماً. وفجأة أصبح المواطن حكومة. فبدأت تلك الممارسات بالظهور. وبالنسبة إلى درع دوما، فهو لا يقوم بعمليات استعراض إنما دوريات ليل نهار، ومع ذلك هناك أخطاء لدينا نحاول أن نتلافاها وأن نوقف المخالفين ونحد من ممارساتهم”.

سألته إذا ما أردنا التقدم بشكوى ضد أي من عناصر أو قيادات “كتائب درع دوما” فيما هو السبيل؟

“لدينا مكتب للشكاوى في السجن العسكري وبإمكان أي شخص أن يشتكي على أي أحد في الكتيبة. لا يجوز أن نحرق ثورتنا بسرقة أو تشبيح. لدينا أخطاء نلاحقها ونحاول أن ننظفها”.

العلاقة بالمدنيين

سألنا أبو علي حول علاقتهم مع المدنيين في المدينة، وبشكل خاص، حول قيامهم وسواهم من الكتائب بالعديد من الأمور الخدمية التي يجب أن تكون من اختصاص الفعاليات المدنية وليس العسكر.

“نحن مع عدم التدخل في شؤون المدنيين نهائياً. لكن المشكلة من سيقوم بتلك المهام الخدمية؟ عدم وجود مجلس محلي قوي يترك المهمة على عاتقنا. ومن ليس له ظهر عسكري لن يستمر”.

قلت له بثقة! أنه ليس لدي ظهر عسكري من بداية الثورة، وأنا مستمرة! لكن أبو علي أصرَ “لن تستمري!”

بعيداً عن ما سيكون رهاني الشخصي مع أبو علي حول الاستمرار من دون ظهر عسكري، تابع:”نحن نعيش من أجل المدنيين. لا نريد تبعية ولا ولاء ولا منية. هذا واجبنا. لكن أتمنى تشكيل هيئة مدنية قوية لإدارة شؤون المدنيين، فهذا ليس عملنا. الآن المدني يأتي إلينا لنحل له مشاكله. هذا خطأ”.

سوريا المستقبل

نسأل “أبو علي خبية” حول رؤيته لسوريا المستقبل، فيقول “ثورتنا لم تبدأ بعد. ستبدأ بعد سقوط النظام. بعد سقوط بشار وأعوانه وذيوله. اليوم هناك من يعمل من أجل إمارة إسلامية أو إخوانية أو شيوعية… كل طرف مذهب أو حزب…الله يستر مانصير متل لبنان أو العراق… لكن ضمانتنا الوحيدة أن الشعب كسر طوق الخوف الذي قيده طيلة أربعين عاماً. الشعب سينتفض ضد من يفرض عليه رؤيته. الشعب من سيقرر مستقبل سوريا. رغم ذلك أعرف أننا سنعاني لنصل للأمن والأمان ونحن الآن في قمة الفوضى”.

أبو علي خبية…

سألنا أبو علي عن بيان إعلان موت بشار الذي كسب أكثر من مليوني مشاهدة على اليوتوب في ظرف ساعات قليلة، ثم تبين عدم صحته، ولم نسمع بعد ذلك توضيحاً منه حول ما حصل، رغم أن الكثير من السوريين شعروا بالخديعة والمرارة بسبب ذلك.

المفاجئ، أن أبو علي لا يزال مصراً على رأيه بأن بشار قتل. وأن ظهوره المتتالي على الإعلام هو فبركات من صنع النظام!

سألناه أخيراً، عما ينتظر لنفسه في سوريا بعد سقوط النظام.

“أنا شخص غير  متعلم، لا أريد أن أصبح مسؤولاً. أنا دهان، أريد ترك السلاح والعودة لعملي. لكنني لن أترك السلاح في ذلك الوقت من غير ضمانة ضد تصفيتي. شاهدنا ماحصل لكثير من الثوار في ليبيا”.

نسأله، ماهي حقيقة “أبو علي خبية”، والروايات تتضارب بشأنه بين شخص بالغ القسوة وعديم الرحمة، وبين شخص لديه الكثير من الشهامة والشجاعة.

“أنا أرحم من يستحق، لكن لا أرحم القاتل. هناك الكثير من الأسرى الذين أوصلتهم بنفسي إلى بيوتهم، لكن من يستحق القتل يقتل”.

 في نهاية اللقاء، طلب أبو علي توجيه كلمة للثوار والسوريين.

“أود توجيه كلمة لمن يعتبر نفسه ثائراً ومجاهداً في كل سوريا وليس في الغوطة فقط. يا ريت لو نرجع لما كنا عليه من قبل. نحب بعضنا وقلوبنا على بعض. نحس بما يحصل. نرحم المدني الي هو برقبتنا وعم يروح بيننا وبين النظام. الآن دور الغوطة بالاقتحام. إذا دخل النظام بتخاذلنا ولم نكن يدا واحدة، سيدخل بمجازر غير متوقعة. أتمنى أن نضع أيدينا بأيدي بعض. سنحاسب يوما إن لم نفعل. أتمنى كل من لديه قضايا شخصية مدني كان أو جيش حر، تأجيلها لما بعد إسقاط النظام، ثم نفكر بأنفسنا”.