في كفرنبل ثورة سلاحها الكلمة

بعد غياب للأنشطة الثقافية استمر 4 سنوات، عاد النشاط إلى مدينة كفرنبل عبر بعض النوادي أو المراكز التي استضافت أخيراً عدداً من الأمسيات الأدبية والشعرية، لعدد من الأدباء والشعراء، بحضور عدد مقبول من المهتمين، رغم ضعف الدعاية والإعلان. هذه المنطقة التي تتميز بوفرة الأدباء و الشعراء والباحثين في مختلف المجالات.

كانت الأمسية الشعرية الأخيرة قبل انطلاق الثورة قد اقيمت في المركز الثقافي العربي. كان الجو حينها مشحوناً، الجميع يمنّي النفس بتغيير عظيم حتى على مستوى الثقافة.

الروائي عبد العزيز الموسى (69 عاماً)  وهو حائز على جوائز عدة ومنها جائزة نجيب محفوظ 1999، وجائزة دبي الثقافية في العام 2007، يقول : “الثقافة بتنوعها تعني الكلمة واللوحة والنغمة والصورة والحب والاحترام، بالثقافة والفنون نستطيع أن نجنح مع الغيوم البيضاء ونلامس الأحلام الوردية، وبها أيضاً نتهاوى و ننحدر في كل شيء حيث تتحول إلى لهب ودم ونار وويلات وعويل واستغاثات”.

الموسى الذي صدر له العديد من الروايات منذا العام 1996 يعتبر “أن الثقافة والفنون تعطينا الانطباع عن مستوى انتمائنا للمجتمع الذي نعيش فيه، وتحررنا من كل المخلفات المنحطة، وهي الخلاص لعقولنا من كل ما يحيط بنا من هواجس ومغالطات. خاصة في حالة الحرب حيث استفادت الثقافة من الفوضى الموجودة  للتحرر من القيود التي كانت تشل حركتها. ويشير الموسى إلى “أن النظام الجاهل رغم الشعارات التي كان يتغنى بها، والكثير من المراكز الثقافية، إنما كان يحركها على هواه، وبما يتناسب مع خططه الهدامة للقضاء على المعرفة والثقافة والفنون والمفاهيم التي لا توافق توجهاته”.

بيت مداد للثقافة والفنون في كفرنبل استعاد نشاطه وندواته تصوير مصطفى الجلل

المشرف على بيت مداد للثقافة والفنون في كفرنبل محمد السلوم ( 34 عاماً ) يبين الهدف من استحداث هذه المراكز هو:  “دعم الثقافة في سوريا، والمساهمة في رفع مستوى الوعي في المجتمع في ظل غياب تام للأنشطة الثقافية.  كما تهدف لإبراز المواهب الشابة وصقلها وإعادة الاهتمام بالشخصيات الأدبية التي غابت منذ بداية الثورة وتمتين علاقتهم مع المجتمع كونها السبيل الوحيد لإظهار نتاجاتهم خلال الثورة “.

وبحسب السلوم: ” تعاني هذه المراكز من عدم تعاون الجهات والمنظمات المتواجدة في المدينة , وعدم توفر مكتبات و انشغال الناس بأحوالهم الحياتية ويرى الكثير بأن استحداث هذه المراكز تم في أوقات غير مناسبة.,

وعبْر الفيس بوك تحدث الأديب والكاتب الصحفي والشاعر السوري ياسر الأطرش (42 عاماً) عن تجربته الثقافية لموقع “دماسكوس بيورو” : “قبل الثورة وعلى مدى 40 عاماً من حكم الفرد والعسكر، والتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع والحياة تم تدجين الحياة الثقافية وتعليب المشهد الثقافي وتوجيهه ما يتناسب ورؤية الحاكم، هذا تحت ظل مؤسسات يفترض أنها مدنية مستقلة، فاتحاد الكتاب العرب مثلاً سيطروا عليه سياسياً من خلال وضع بعثيين في قيادته “المنتخبة” دائماً بحصة النصف زائد واحد، وكذلك من خلال تنسيب عسكريين وقياديين حزبيين. وينطبق هذا على المؤسسات الأخرى مسرحية وفنية وفي مجال الإنتاج الفني وسواه”.

ويضيف الأطرش: “الآن وبعد الثورة، الوضع ليس أفضل حالاً لجهة الإنتاج الإبداعي، نرى تسابقاً محموماً، آلاف الشعراء الجدد والروائيين، كتباً كثيرة، والمحصلة لا شعر ولا رواية ولا كتاب. الثورة تُكتب الآن على الأرض، والمعركة لم تنتهِ، الفوضى تحيط بكل شيء صوت الموت ومحاولة الحياة، وأقوى ما يُكتب الآن هو للاستهلاك الآني ربما لا بد منه ولكن ماذا سيبقى منه؟ لا شيء. الآن مرحلة تخمير مرحلة استيعاب الموت. هذا الموت كله لا يكتبه قصيدة. وهذه الحياة المنشودة لا تحيط بها جدران رواية , بعد قليل أو كثير من الوقت يصحو القلم يستعيد خفة جناحيه يسيل حبره مرة أخرى بعد ذوبان ثلوج القلب تنفرج المساحات. تتسع الآفاق عندما يبتسم الطفل مرة أخرى حينها يحق للقصيدة أن تُكتب، أما الآن فلا يسعني إلا أن أنحني إجلالاً لكفرنبل وإخوتها ولبيوتات الإبداع التي تحاور وتحاول للمبدعين الذين لا يستسهلون والذين يحاولون الارتقاء إلى مستوى الوجع واليُتم والأمل ويرون ما لا يمكن أن يُرى إلا بهم “.

وعن أهمية بيوتات الثقافة والفنون يقول الشاعر نور الدين الاسماعيل:” إن إقامة مثل هكذا مراكز ثقافية صار ضرورة قصوى وملحّة، بسبب غياب الجانب الرسمي الممثل بدولة تشرف على الشؤون الثقافية. وهذا الغياب قد يتسبب بغياب شبه تام للحالة الثقافية في المجتمع مما يؤدي إلى غياب روح الثقافة التي تمنح المجتمع حيوية وحياة. وقد تؤدي إلى ضياع للمثقفين وكتاباتهم وأعمالهم الأدبية. فتنشيط العمل الثقافي يعيد الحياة في عروق الثقافة من جديد”.

وأضاف الاسماعيل: “لا يوجد دور مفصلي ومهم في الثورة كما هو دور الثقافة. فالثورة التي يكون سلاحها الكلمة هي ثورة منتصرة والكلمة سلاح أقوى من الرصاص. لأننا عبر ثقافتنا استطعنا أن نصل إلى العالم ونوصل صوتنا وأضرب مثلاً لافتات كفرنبل التي وصلت إلى الولايات المتحدة الامريكية , واستطاعت أن تشرح عن الثورة السورية ما عجز عنه سياسيو الائتلاف والمعارضة”.

المجلس المحلي في كفرنبل بعيد كل البعد عن موضوع الثقافة بحسب عضو المجلس خالد الحمادي (45 عاماً): “لا يوجد مكتب مخصص للثقافة،  على اعتبار نشاطات المجلس خدمية فقط. ولكن هذا لا يعني عدم التشجيع، فالمجلس يدعم معنويا النشاطات الثقافية “.

أبو محمود (50 عاماً) أحد رواد المركز الثقافي الدائمين قبل انطلاق الحراك الثوري يغمره الفرح بإقامة مثل هذه النشاطات ويقول: “أنها تعيد الروح لأمثاله من محبي الثقافة بعد توقف دام أربع سنوات، لم يتواجد في مكان يقدم هكذا أمسيات واعتماده على الكتب وبعض المحطات الفضائية التي تهتم بالجانب الثقافي والفني الجيد المستوى، إضافة إلى متابعته لأنشطة عدد من الأدباء والشعراء على شبكة الإنترنت لأنه يعتبر الثقافة غذاء للروح لا يمكن الاستغناء عنه وبأن متعة سماع نتاجات الأدباء والشعراء مباشرة لا تساويها متعة”.