في سورية علاقات خطبة وزواج مهرها الرأي السياسي الواحد

تنعكس الأزمة السياسية التي تعيشها سورية حالياً على العلاقات الإجتماعية بين أفراد المجتمع، بما في ذلك على الخطبة والزواج والعلاقات الزوجية. فالتوافق في الآراء السياسية والنظرة تجاه الأوضاع الحالية أضحى مطلباً أساسياً في الوقت الراهن في شريك الحياة لدى شريحة كبيرة ممن يقررون الزواج، وبعده تأتي الأمور التقليدية مثل المهر أو البيت. ومن الملاحظ أن عدداً لا بأس به من العلاقات فسخت، سواء في مرحلة التعارف أو في مرحلة الخطوبة. وقد وصل الموضوع إلى تسجيل عدد من حالات الطلاق بسبب الأزمة أو نتيجة لها. فالظروف الحالية كما عبرت عنها المهندسة إباء ساهمت كثيراً من وجهة نظرها في تعرية وكشف جوانب من شخصيات الكثيرين كانت خافية لعدم تعرض معظم الناس سابقاً لمثل هكذا إمتحان على حد تعبيرها. وتؤكد فاطمة الكلام السابق وتقول إن خلافاتها مع زوجها أصبحت في الوقت الحالي أكثر عمقاً وأضحت عصية على الحل وتضيف: “أصبح هنالك شرخاً كبيراً بينا نتيجة للأوضاع الحالية. فزوجي على سبيل المثال يطلق صفة الخيانة على كل من يخرج ويتظاهر ولا مجال لمناقشته، مما جعلني غير قادرة على إحترامه ووجدت أن الطلاق هو الحل الأمثل”.

التحفظ الذي كان يطبع حديث السوريين عن السياسة في بداية الأحداث لم يبق له مكاناً بينهم اليوم, ولم يعد هنالك أدنى فرصة – من وجهة نظرعدد لا بأس به ممن التقينا بهم – لنجاح إرتباط طرفاه إذا كانا مختلفان إما في التأييد أو المعارضة. تقّبل رأي الآخر أصبح في سورية اليوم من الماضي مما يجعل موضوع إتمام الزواج في حالات الإختلاف في المواقف السياسية يزداد صعوبة. وتعلق الشابة سحاب على هذه الفكرة وعلى سبيل الدعابة بالقول: “قد تدخل الثورة السورية ضمن أسباب العنوسة، فبلاشك موضوع التوافق في الآراء السياسية أمر جوهري ولا يمكن غض النظر عنه، ويعتبر من الأولويات في موضوع الإرتباط في حاضر الأيام”. ويوافقها أبو عامر ويؤكد أنه لن يقوم بتزويج إبنته نهائياً لشاب معارض حتى ولو بقيت عازبة طوال حياتها ولا مجال للجدل في هذا الموضوع والأمر محسوم.

ونجد أن قدَراً من نوع آخر أصبح يتربص بنسبة لا بأس بها من الشباب السوري ومنهم الشاب ربيع الذي يعمل في المملكة العربية السعودية والذي وجد نفسه مطلوباً للإحتياط رغم إنهائه لخدمة العلم. الأمر الذي جعل موضوع قدومه إلى سورية ليتمم مراسم زواجه أمراً مستحيلاً مما وضع خطيبته مرام أمام خيار وحيد وهو السفر إلى خطيبها والزواج “عالساكت”. والزواج “عالساكت” كان خيار سعيد وربى منذ البداية دون أي من مظاهر الفرح أوالإحتفالات وتقول ربى: “إن كان ولابد أن نتمم زواجنا، فمن المعيب أن نرقص ونغني والناس تموت وأهلنا تقتل”.

وإمتهن البعض الإنتظار والصبر وأرجئ حياته بشكل مؤقت لحين حل الأزمة، كالشاب أحمد 37 عاماً الذي آثر تأجيل موضوع الزواج حالياً ريثما ينبثق شعاع من الأمل يوحي بحل للأزمة في بلاده وأن تستقر الأوضاع نسبياً. فليس من المنطقي من وجهة نظره أن يقوم بدفع ما جناه طوال حياته ثمناً لمنزل في ظل الأحداث الحالية، إضافة إلى أن ظروف العمل لم تعد مضمونة ويتابع: “بصراحة لست قادراً في الوقت الحالي على تحمل مسؤولية الزواج وتبعاته في ظل عدم الإستقرار والتوازن الذي يصبغ المناخ في البلد”.

لكن بالمقابل يوجد في سورية من يتصرف بمنطق خطاب الحكومة بأن سورية بخير ويتابع حياته وكأن ما من شيء يحدث، فيخطب ويتزوج بالشكل الإعتيادي وبالطقوس المتعارف عليها دون أي مراعاة أو إنتباه للأحداث الجارية في البلاد. ومثالنا هنا الشابة إسراء 23 عاماً التي أصرت وبشدة على إتمام زفافها بالشكل الأمثل، ودون أن تنقص شيئاً على إحتفالها بحجة “أنها فرحة العمر”.

أضف إلى ذلك أن البعض يستغل الظروف الحالية ويطوعها لخدمة مصالحه ليكون ذلك النوع من الظروف ذريعة بيد الخاطب ليتقشف ويخفف من عبئ التكاليف المادية عليه، كالشاب كمال (33 عاماً) الذي كانت الأوضاع الحالية بوابته التي إستطاع من خلالها العبور مع عروسه إلى بيت الزوجية المستأجر وأن يحظى بها بأقل الأعباء المالية الممكنة.

من جهة أخرى خلفت الأوضاع الحالية حساسيات كبيرة جعلت من موضوع الإرتباط أو الزواج بين الطوائف أمراً شبه مستحيل لاسيما بين الطائفتين السنية والعلوية. ومصدر تلك الحساسية -إن لم نقل أنه تحول إلى حقد- ناجم عن ممارسات القتل والقمع والإعتقالات المطبقة على أرض الواقع من قبل النظام الذي يعتمد على شريحة كبيرة من العلويين. والأمثلة كثيرة ضمن السياق ومنها قصة الشاب عبد الرحمن الذي كان من المقرر أن يدخل قفص الزوجية قبل نحو شهر إلا أنه يقول وبكل صراحة أنه لم يعد قادراً على الإرتباط بخطيبته العلوية ويتابع: “أصبحت مشاعري متناقضة كثيراً وبت محتاراً بين مشاعري الشخصية وإحساسي تجاه بلدي وأبناء جلدتي فرأيت أنه من الأفضل فسخ الخطوبة”.

كما أن قصة الحب الجارفة التي جمعت حسناء العلوية بزوجها حيدر السني لم تكن كافية لتحصين زواجهما، ولم تستطع أن تدرأ عنهما شبح الخلافات والنزاعات المتكررة. فبات الزوجان اليوم أكثر إنتباهاً إلى أنهما ينتميان إلى طائفتين مختلفتين، وأصبحت وبشكل لا إرادي تصرفاتهما مبنية على هذا الأساس مع الإنحياز التام كل لطائفته وبغض النظر عن الحقيقة. فحسناء بات لا يفوتها الخروج في أي مسيرة مؤيدة للرئيس بينما حيدر يرفض تماماً نظرية المؤامرة التي تصدقها زوجته، كما أنه يرفض تماماً متابعة قناة الدنيا ويسميها “بوق النظام” وأكثر ما يثير غضبه هو دفاع زوجته المستميت عن النظام وهرمه وإقتناعها بفكرة الجماعات المسلحة مما جعل الشجار السمة الغالبة على حياتهما.