في سوريا معلم بلا يدين يمنح أجنحة للطلاب

العطار يستخدم قدميه للكتابة تصوير دارين الحسن

العطار يستخدم قدميه للكتابة تصوير دارين الحسن

"العطار من قرية كفرنجد التابعة لمدينة أريحا جنوب إدلب آلمه ما وصلت إليه حال طلاب المدارس في منطقته مع تراجع مستوى التعليم وتناقص أفراد الكادر التعليمي. قرر أن يساعد الطلاب على طريقته فبدأ يعطيهم دروساً مجانية في اللغة العربية."

دارين الحسن

يوسف محي الدين العطار (32 عاماً) ولد من دون يدين، ولكن تشوهات الولادة هذه لم تحل دون نجاحه في تحقيق أحلامه وسعيه لتحقيق أحلام الآخرين، ومنحهم أجنحة النجاح.
العطار من قرية كفرنجد التابعة لمدينة أريحا جنوب إدلب آلمه ما وصلت إليه حال طلاب المدارس في منطقته مع تراجع مستوى التعليم وتناقص أفراد الكادر التعليمي. قرر أن يساعد الطلاب على طريقته فبدأ يعطيهم دروساً مجانية في اللغة العربية.
ويشير العطار برأسه إلى كتفيه قائلا: “ولدت هكذا من دون ذراعين. واصلت حياتي بحلوها ومرها، وتمكنت من عيش طفولتي كأي طفل طبيعي، ومارست هواياتي وخاصة لعبة كرة القدم مع أطفال الحي. دخلت المدرسة بعطش كبير للعلم. وكان أكثر ما يؤلمني هو عدم القدرة على حمل الكتب ووضعها على مقعد الدراسة. لذلك كنت أتلقى مساعدة رفاقي في ذلك”.
ويضيف العطار: “كان علي أن أكمل طريقي نحو هدفي رغم كل التحديات، يدفعني إلى ذلك تفوقي في الصفوف جميعها، وبفضل دعم أهلي استطعت أن أتغلب على الظروف الصعبة حتى تخرجت من جامعة اللغة العربية في إدلب”.

وجد العطار في مهنة التدريس فرصة لتحدي واقعه ورغم أنه لايمتلك ذراعين إلا أنه يستعمل قدميه للقيام بالمهمة. يستخدم العطار أصابع قدميه ببراعة في الكتابة على اللوح المدرسي كما يستخدمها في احتساء قهوته واستعمال هاتفه الجوال.
ويقول العطار: “لدي الكثير من الأصدقاء المخلصين الذين أعتبرهم نعم الاخوان الذين يقفون إلى جانبي ويشدون من أزري في المحن والمصائب، كما منّ الله علي بعائلة هي أكبر داعم لي في الحياة لأنها تؤمن بقدراتي وتقدم لي كل التسهيلات الممكنة، وأحمد الله الذي رزقني بطفلين هما نعمة الحياة بالنسبة إلي”.
أبو سعيد (35 عاماً) صديق العطار المفضل، يتحدث عنه قائلاً: “لم ييأس يوسف من وضعه ولم تتوقف حياته. بل اتخذ من حالته حافزاً ليبث في غيره من الشبان الأمل ونبذ اليأس والإحباط”.
وينتقد أبو سعيد كيف أن “بعض الناس تنظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة على أنه ليس لهم كيانا في المجتمع أو نظرة سخرية أو عطف زائد. وهذا يؤرق من هم مثل يوسف ويزيده ألماً لذلك يعتبر خطأ كبير لأنه مثل أي إنسان له كيانه ما دام قادراً على العطاء، وهناك من حققوا مالم يستطع تحقيقه كثير من الأصحاء جسديا”.
وفي الحديث عن عمله الإنساني يقول العطار لحكايات سوريا :”حاولت الالتحاق بوظائف عدة وكلها باءت بالفشل، حيث رفضوا قبولي بسبب وضعي، وبعد اندلاع الحرب ونتيجة تراجع العملية التعليمية في إدلب وتعرض المدارس للقصف المستمر افتتحت منزلي لاستقبال التلاميذ من جميع الفئات العمرية لتعليمهم القراءة والكتابة وقواعد اللغة العربية، والأخذ بيدهم من غياهب الجهل إلى العلم والمعرفة، وتقديم كل ما أستطيعه لأجلهم”.
الطالب أسعد (13 عاماً) من قرية كفرنجد في ريف إدلب يداوم على حضور الدروس عند المعلم يوسف وعن مدى استفادته يقول :”المعلم يوسف أنه صاحب عزيمة ومثال حي على التحدي الطموح وتذليل العقبات، تعلمت منه قبل كل شيء أن الإعاقة ليست في الأجساد، فهو يمتلك وجهاً بشوشاً وابتسامة تبعث التفاؤل، كما أنه يتميز بأسلوبه المحبب في التدريس وإيصال المعلومات إلى الطلاب بيسر وسلاسة، حيث كان له الفضل في تفوقي مع كثير من زملائي في مادة اللغة العربية بعد أن جعلنا نحبها ونتقن دروسها”.
الطفل خليل (11 عاماً) نزح مع عائلته من ريف حماه إلى قرية كفرنجد، ونتيجة نزوحهم المتكرر من مكان لآخر انقطع عن المدرسة لفترة طويلة. وهو ما دفع والده للجوء مما إلى المعلم يوسف لمساعدته في تطوير تحصيل ابنه العلمي وتعويض ما فاته من دروس ومعلومات بعد أن وجد فيه نعم المعلم المتفاني في عمله.
المرشدة النفسية عبير الكردي (31 عاماً) من معرة النعمان تقول: “الأخطر من الإعاقة هو عدم تقبل المعوّق لمشكلته الجسدية، وما ينتج عن ذلك من أمراض سوء التكيف التي تظهر على شكل انطواء وقلق واكتئاب وبناء صورة سلبية عن نفسه، لكن الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يستطيعون أن يخرجوا من دوامة العجز إلى رحاب الحياة والعطاء”.
كما أن لأفراد المجتمع دور في تقديم العون وإبداء المحبة والتفهم والاحترام وإتاحة فرص عمل تكون متناسبة مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وتنمية طاقاتهم الكامنة وشخصيتهم، وإظهار مواهبهم وابداعاتهم”. كما تشدد الكردي على أن تكون نظرتنا لذوي الاحتياجات الخاصة طبيعية مثل الشخص السوي مع ضرورة دمجه في المجتمع وتأهيله ليكون فعالاً منتجاً ويكتسب الثقة بالنفس”.

عضو المجلس المحلي في مدينة أريحا أبو أحمد (40 عاماً) يقول: “أصبح العطار مثالاً يحتذى بالنسبة في المنطقة، لأنه لم يبال برحلة الشقاء التي لازمته منذ بداية حياته بل استطاع أن يتحدى أصعب الظروف، مؤمناً بأن الإنسان السليم عاجز من دون إرادة والعاجز يستطيع أن يتجاوز عجزه بإرادته”.