في ساحة الحرب مساءً

نفذ شحن بطارية آلة التصوير، بدأنا نوثق شهداء المجزرة بكاميرا هواتفنا الجوالة. على رداءة صورها إلا أنها قامت بعمل جبار في تلك الليلة.

أقلّتني سيارة اصطحبتني إلى ذلك المنزل حيث النساء اللواتي نجون من المجزرة و هم أقربائي. ركضت مسرعة إلى المنزل، وقعت أرضاً، أصبت ساقي برضة خفيفة، تابعت مسيري… وعندما فتحت الباب وجدت نساء ثكالى وأطفال يبكون يندبون إخوتهم وآباءهم وجوعهم. هم لم يتناولوا الطعام منذ الصباح …

تمسكت بي عزيزة و انهارت و هي تحدثني قائلة: “قتلوا لي أولادي وزوجي … قتلوا لي إخوتي … قتلوا لي إخوة وزجي و الله ما عملنا لهم شيء”.  خففت عنها وسألتها عن أمي فقالت : “أهلك وأمك بخير ماصار عليهن شي أجلاهم الجيش الحر جميعهم”. طمأنتها وأخبرتها أنه مع طلوع الفجر سنخرجهم من دوما.

عدت إلى المشفى حيث ينتظرني الكثير … هناك ثلاث نساء شهيدات يجب أن أوثق استشهادهن. سناء الأم، حنين طالبة البكالوريا وأختها تقى الصغيرة. لطالما جمعتنا مناسبات العائلة وأفراحها، أمّا الآن فأنا مضطرة أن ألبسهن ذلك الكفن الذي سوف يرافقهن  إلى مثواهن الأخير.

في لحظات الحرب عليك أن تتجاوز مشاعرك، تضبط أعصابك وتحسن التصرف. أنت خارج حدود المنطق والإنسانية، أنت في ساحة حرب.

اجتمعنا في بهو المشفى جميعا. قررنا أننا لن نخرج من المشفى حتى لو اقتحم جيش النظام المدينة بالكامل، ولتكن ميتة واحدة على الشهادة التي طالما تغنينا بها.

مع شروق شمس يوم الجمعة في 29 حزيران/يونيو 2012، بدأت عملية دفن الشهداء في مقابر جماعية. كان العداد ما زال يعمل. الأرقام لم تكن دقيقة لصعوبة إحصاء جميع الشهداء.

عندما اقتربت الساعة من الحادية عشر صباحا، كان التهديد الأمني قد اقترب من المشفى بشكل كبير. أجبرنا الجيش الحر على الإخلاء، حرصا على حياتنا و حياة الجرحى. خرجت مع صديقتي من المشفى لنستقل السيارة مع الزميلات اللواتي أعددن حقائبنا.

طلب منّا السائق أن نقرأ الفاتحة على أرواحنا ونتشهد لأن احتمالية موتنا كبيرة. ونحن نعبر الطريق سقطت أمامنا قذيفة هاون، استشهد نتيجتها عنصران من الجيش الحر. وصلنا إلى مسرابا. هناك شاهدت عبادة المسعف الذي أخبرني بأن عمته استشهدت بالمجزرة. تابعنا طريق الهروب من الموت، وصلنا إلى بيت صغير في مسرابا، استقبلتنا صاحبته التي رحبت بنا. مبدية حماسة وفخراً لحمايتها لنا، كونها تخبئ في منزلها تلك الناشطات الثوريات التي طالما سمعت عنهن قصص البطولات.  أعدت لنا الطعام الذي لم نستطع تناوله لقلقنا وخوفنا. مع حلول المساء  حصلت على هاتف، حاولت الاتصال بأهلي، ولدى سماعي صوت أمي، عادت الحياة إلى جسدي المرهق وزال الخوف عني. استسلمت للنوم لأتابع طريقي في ثورتي من جديد.