في ريف إدلب استثمارات صغيرة بفوائد كبيرة

رغم الثلوج والأمطار ورغم البرد القارس، تتجه أم حازم (41 عاماً) إلى عملها في معمل كبس التين المتواجد في قرية بسقلا كل صباح. ورغم البرد والتعب تبدو على وجهها مسحة من التفاؤل والرضا.

تعمل أم حازم ومعها أكثر من 68 امرأة في معمل كبس التين، الذي أمّن فرصة عمل لهنّ وسط الظروف القاسية التي تشهدها البلاد. لاسيما وأنّ معظمهن غدون معيلات لأسرهن بعد وفاة أزواجهن في الحرب الدائرة في سوريا.

تقول أم حازم  “رغم أن مكان العمل يبعد عن بيتي في كفرنبل مسيرة 40 دقيقة مشياً على الأقدام، ورغم أنه مجهد نوعا ما فأنا أحمد ألله أنني وجدت عملاً، حيث أتقاضى أجرة لابأس بها تعينني على الإنفاق على أولادي الأربعة الأيتام دون أن أحتاج مساعدة أحد من الناس”. وتؤكد أم حازم بأنها تعمل في هذا المعمل منذ أكثر من سنة وبشكل يومي ما عدا يوم الجمعة وشهر رمضان، وتحصل على أجرة وقدرها 700 ليرة سورية في اليوم، ودوامها من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً.

من معمل للحجارة إلى بناء المشاريع السكنية تصوير هاديا المنصور

أما عن طريقة العمل فتقول أم حازم بأنها مع جميع العاملات ينقسمن إلى مجموعات، كل مجموعة منهن تختص بمهمة معينة، مجموعة تقوم على تنقية التين المجفف وذلك لفرز الكبير منها والصغير، الأبيض والأسود كل على حدة، ومجموعة أخرى تقوم بكبس التين في قوالب صغيرة تزن كيلوغرام لكل قالب، بينما الأخريات يقمن بضم التين في خيوط على شكل قلائد، وما ينتهين من إعداده، يضعنه في صناديق من الكرتون لتجهيزه للنقل.

أحمد السليم (48عاما ) يتحدث عن استثماره لأمواله في هذا المعمل قائلاً “في كل موسم تين أقوم بالتجوال على أصحاب الكروم، أشتري التين المجفف منهم بالسعر المحدّد له في الأسواق، فأجمع كميات كبيرة وأحفظها في مخازني”. بعد ذلك يبدأ السليم بتحضير المنتج للتصدير بعد قيام العاملات بفرزه وتحضيره، وعن طريق وكلاء استيراد وتصدير يشترون المنتج بأسعار جيدة ثم يرسلونه إلى موانئ اللاذقية بعد دفع الرشاوي للشبيحة وعناصر النظام لضمان مروره على الحواجز دون مشاكل ومن ثم تصديره إلى مصر.

محمد البيوش (48 عاماً) يمتلك معامل لنحت الحجارة، ونتيجة الحرب تراجع الطلب على الحجارة التي ينتجها ولكنه لم يتوقف عن الانتاج إنما بدأ بإنشاء مجمعات سكنية تتألف من العديد من البنايات والشقق، وذلك لحاجة الناس وخاصة النازحين وأصحاب المنازل المهدمة، في ظلّ قلّة العرض وكثرة الطّلب. وفي هذه الحالة يبيع البيوش قسماً من هذه الشقق ويؤجر بعضها الآخر. وهكذا يحافظ على استمرار العمل، وبالتالي يستثمر أمواله ولا يجمدها فيستفيد ويفيد. ويقول البيوش “أنا كالسمك بالماء لااستطيع مغادرة بلدي، لا أنكر في البداية  أنني حاولت استثمار اموالي في تركيا بعد أن نزحت إلى هناك ولكن ذلك لم يرق لي”. عاد البيوش إلى سوريا بعد نزوحه لشهرين لا أكثر ليتابع عمله في كفرنبل رغم كل الظروف.

عابد الإبراهيم (27 عاماً) أحد العمال في مشاريع البيوش يقول “لقد أمّن لي العمل في مشروع البناء مصدر عيش كريم لي ولأسرتي وسط هذا الغلاء الفاحش وانعدام فرص العمل”.  الإبراهيم لم يتوقف عمله منذ بداية الثورة واستمر خلالها، وهناك أكثر من 150 شخصاً يعملون معه أيضاً، سواء في معامل نحت الحجارة أو في مشاريع البناء، والأجور تتراوح بين 1500 و 2000  ليرة سورية في اليوم لكل عامل.

يعمل وائل البرغل (35 عاماً) في مجال الاستثمار والتجارة في ريف إدلب. يستورد البرغل مادتي المتّة والشاي من تركيا بأكياس كبيرة وبأسعار رخيصة.  ويستعين بالعمال من مختلف الأعمار ف عملية إعادة تعبئة المادتين بعبوات أصغر، وبعدها يقوم بإعادة بيعها في الأسواق المحلية، ولا سيما في مناطق إدلب وريفها وتحديدا محال المواد الغذائية والبقاليات وغيرها.

يعمل ساهر السميح (18 عاماً) مع وائل البرغل، وهو يعبر عن سعادته لأنه وجد عملاً يجني من خلاله ما يتيح له أن ينفق على نفسه. هذا المشروع استوعب الكثير من العاملين، وصل عددهم لأكثر من 75 عاملا وهم من أعمار مختلفة. يتقاضى العامل مبلغ 7 ليرات عن تعبئة كل عبوة أو علبة صغيرة، ويقول السميح “أستطيع أنا في اليوم تعبئة نحو 200 علبة، بالتالي اتقاضى نحو 1400 ليرة سورية”.  بالتالي يتقاضى العمال حسب مايعبئونه يومياً، فبعضهم يتقاضى نحو 2000 ليرة سورية، كل بحسب نشاطه وما يستطيع تعبئته.  كما يلفت السميح إلى أنه يحدث أحياناً، أن يتوقف العمل لبضعة أيام بسبب نفاذ الكمية والانتظار حتى إحضار كمية أخرى.

لم تتوقف نشاطات المستثمرين عند هذا الحد فهناك أبو رشاد (45 عاماً) يمتلك إحدى أهم محلات بيع الألبسة في كفرنبل، وقد استحدث مؤخرا مشغلا يضم ماكينات خياطة وتريكو. قام أبو رشاد  بتوظيف عدد من النساء في هذا المشغل.  سناء (25 عاماً) إحدى العاملات في المشغل في مجال الخياطة تقول “عملي في المشغل أنقذني من وضع صعب، فقد أصبحت أرملة بعد وفاة زوجي ولدي ثلاثة أولاد، هم بحاجة للكثير من المتطلبات وسط هذه الظروف الصعبة. ولكنني بعملي بهذا المشغل أستطيع الإنفاق عليهم دون أن اضطر لطلب العون من أحد”. وتذكر سناء بأنها خضعت لدورة خياطة في أحد المراكز النسائية وتعلمت المهنة، وقد أتيح لها مؤخرا العمل بهذا المشغل.

سناء سعيدة بعملها ولا تعرف أحيانا كيف يمر الوقت، هي ونحو 20 عاملة، تتقاضى كل واحدة منهن مبلغ 1000 ليرة سورية كأدنى حد. وتنهي سناء حديثها بالقول “رغم الحرب والقصف والدمار لايزال في سوريا استثمارات وفرص عمل والأمل بالحياة يتجدد في كل لحظة”.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي