في داخل سوريا رفاهية السفر بالطائرة أمنيّةً بالدرجة الأولى

 راحيل ابراهيم *

الطريق إلى مطار دمشق الدولي آمن، حركة سير خفيفة في الاتجاهين طيلة ساعات النهار، الحواجز العسكرية للجيش السوري تنتشر على طول الطريق الواصل إلى المطار لتجنب أي محاولة لتسلل مسلحين، وتحديداً من أطراف بلدة سحم المحاذية للطريق. الأبنية المواجهة لطريق المطار خالية، هجرها أهلها بسبب الأحداث. في المطار يتواصل استقبال الطائرات القادمة وإقلاع المغادرة بشكل اعتيادي، الصالة شبه خاوية إلا من الموظفين الذين يواصلون تفتيش الحقائب وقطع التذاكر للمسافرين الذين لا يتجاوز عددهم الـ150، يتجه معظمهم إلى اللاذقية، آخرون ينتظرون موعد رحلتهم إلى الأردن. أما لائحة الرحلات، فتشير إلى ثلاث رحلات فقط: عمان وأبوظبي واللاذقية.

طائرة تابعة للخطوط الجوية السورية - موفع  airplane-pictures.net
طائرة تابعة للخطوط الجوية السورية – موقع
airplane-pictures.net

وقوع المطار جنوب شرق العاصمة السورية، حيث تجاوره منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق التي تشهد باستمرار مواجهات عسكرية متصاعدة، جعله عرضة للهجمات المتكررة من قبل مسلحي “الجيش الحر”، وجعل الطريق غير آمنة في بعض الأحيان، ما شكل خوفاً كبيراً لدى السوريين ودفعهم لاستبداله بمطار بيروت لمن يريد السفر خارج سوريا. أما بالنسبة للداخل السوري، فإن المطار حل محل “كراجات البولمان” (مواقف باصات النقل) التي كان يقصدها الناس للسفر كل إلى محافظته.

تنتشر في سوريا اليوم ظاهرة السفر بالطائرة، ليس ترفاً، بل نتيجة الأوضاع الأمنية المتوترة التي تشهدها البلاد. هذه الظاهرة سببت ضغطاً كبيراً وطلباً متزايداً على النقل الجوي الداخلي ضمن المحافظات السورية طلباً للأمان كما يؤكد المسافرون.

“لم أعرف يوماً معنى ركوب الطائرة، كانت حلماً، والحلم بات حقيقة” تقول ديمة (25عاماً)، طالبة أدب عربي في جامعة دمشق، التي كانت تنتظر ركوب الطائرة المتجهة إلى اللاذقية، وتضيف: “لكنها حقيقة مؤلمة، أصبحت تخاف على حياتك في الأرض فكان لابد من امتطاء السماء لتصل بسلام إلى قريتك وليس إلى أي بلد سياحي آخر خارج سورية”.

السفر بالطائرة ليس متاحاً للجميع، بسبب الأوضاع المعيشية السيئة الناتجة عن الغلاء والبطالة والوضع الأمني السيئ. يقول صهيب (28عاماً) وهو موظف في شركة اتصالات، “لايمكنني أن أدفع 2500 ليرة (حوالي 25 دولار أميركي) في كل مرة أريد فيها السفر من اللاذقية إلى دمشق أوالعكس”، ويضيف: “بهذه الحالة لا يكفي مرتبي الشهري الذي أتقاضاه إلا أجوراً للسفر”.

لم يعد هناك من مكاتب لشركات النقل (البولمان) يستطيع المسافر من خلالها قطع التذاكر، بعدما استهدفت قذائف عشوائية أطلقها مسلحون الشركات السابقة، في منطقة القابون التي شهدت أعنف المعارك في صيف العام 2012 وما زالت، وذهب ضحيتها العشرات من المدنيين، وتمكن المسلحون لاحقاً من دخولها وتدمير ما فيها، فتم نقل الباصات إلى منطقة العباسيين، حيث يجري حالياً قطع التذاكر مباشرة بالباص.

هاني الجمل (45 عاماً) يعمل كسائق لشركة “الماهر” للنقل على خط (دمشق – اللاذقية) يقول:

“ما زال الناس يسافرون عبر الشركات لكن العدد انخفض عن السابق”، ويضيف: “مرات كثيرة اضطررنا للعودة فيها إلى دمشق من منتصف الطريق بسبب الاشتباكات. الطريق لم تعد آمنة، مع ذلك لا بديل، الناس مضطرة للسفر”.

حوادث الخطف التي يتعرض لها المسافرون عبر خطوط النقل البرية عزز مخاوف المسافرين ودفعهم لاستبدال الباص بالطائرة.

وتقول منى (35 عاماً) التي تعمل مدرّسة: “في كل مرة أسافر فيها، أخاف من الخطف، مع هذا لم استبدل الباص بالطائرة، عائلتي كبيرة ولامقدرة لنا على السفر جواً”.

أجور النقل البري (باصات البولمان) ارتفعت من 200 إلى 500 ليرة سورية للراكب، كما ارتفعت أجور النقل الداخلي ضمن المحافظات (أجرة تاكسي من باب توما حتى البرامكة 500 ليرة، أجرة تاكسي من البرامكة مثلا إلى مطار دمشق أو العكس ارتفعت من 3000 إلى 4000 ليرة، باصات النقل العادية داخل الشام ارتفعت كل منها بزيادة 10 ليرات)، يعود ذلك إلى ارتفاع أسعار الوقود ونتيجة الازدحام الشديد الذي تعاني منه المدينة.

وذكرت وكالة “سانا” الرسمية للأنباء أن مجلس إدارة “مؤسسة الطيران العربية السورية” وافق على زيادة نسبة الحسم على أسعار بطاقات السفر للعسكريين وقوات حفظ النظام لتصبح 50 بالمئة بدلاً من 25 بالمئة بدءاً من أول آذار/مارس ولغاية 31 كانون الأول/ديسمبر من العام الحالي، على أن يُمنح القضاة من مختلف التخصصات ومحامي الدولة لدى إدارة قضايا الدولة حسماً مقداره 25 بالمئة كنوع من الدعم الحكومي.

وشركات الطيران التابعة لدول الإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الشركات الخليجية لا تسير حالياً أي رحلات إلى سوريا، وذلك بسبب الحظر الاقتصادي المفروض عليها.

ويقول مصدر في “الخطوط الجوية السورية للطيران” رفض ذكر اسمه إن المؤسسة تسيّر رحلات يومية إلى كافة الدول العربية، لكن دول الخليج لا تسيّر رحلاتها بالعكس، وما زالت الشركة تعمل باتجاه موسكو بمعدل رحلتين أسبوعياً، ويريفان عاصمة أرمينيا أيضاً رحلتين أسبوعياً.

كما زادت المؤسسة السورية للطيران عدد الرحلات الداخلية، باتجاه كافة المحافظات خاصة اللاذقية والقامشلي وبعض الرحلات إلى حلب، فيما استثنيت دير الزور نتيجة الوضع الأمني، وفقاً للمصدر ذاته، الذي أشار إلى أن خطوط النقل الداخلي التي تشغلها “السورية للطيران” هي أساساً خاسرة، وبالتالي لم يعوض ازدياد السفر الداخلي عن التراجع الذي حصل نتيجة توقف الخطوط الأجنبية خاصة خط (برلين – لندن – بروكسل).

وإن كانت الطائرة تشكل حلاً لانعدام الأمن على الطرقات، فإن البعض يحنّ إلى وسائل السفر التقليدية.

“الطائرة بديلاً عن الباص، والمطار بديلاً عن “الكراج” ، شي جميل فقط لو أنه باختيارنا وليس إجبارياً، لو أنه ترفاً وليس هرباً من الموت. تحقق حلمي وركبت الطائرة”، تقول ديمة، وتختم: “لكنني أتوق مجدداً إلى ركوب الباص، أتوق للأمن”.

*راحيل إبراهيم هو إسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا