فرن إغاثي في بلدة البوليل، دير الزور يحاول حل أزمة الخبز ويُتهم بالفساد

أحمد البوليلي*

(البوليل، سوريا) – يصطف صباح كل يوم بضع عشرات من سكان البوليل في محافظة دير الزور أمام مركز لتوزيع الخبز. تدور أحاديث عن التطورات العسكرية وانتصارات الثوار من جهة، ومن جهة أخرى تتصاعد بعض الشكاوى من البعض بسبب الانتظار، تخفف من حدتها مقارنة وضعهم مع الوضع السيئ في مخيمات اللجوء.

يسيّر الفرن الوحيد في البلدة مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً يسكنون بلدة البوليل، التي يبلغ تعداد سكانها 25,000 بالإضافة إلى حوالي 10,000 نزحوا إليها.  تخضع البلدة لسيطرة المعارضة منذ قرابة العام ونصف، حيث تتمركز فيها كتائب “الجيش الحر” و”جبهة النصرة”. أطلق المتطوعون على مجموعتهم إسم “منظومة العمل الشبابي” وأخذوا على عاتقهم تسيير أمور المخبز الذي كانت تشرف عليه الدولة قبل أن تخرج القوات الحكومية من البلدة، وبعد فشل العديد من الأشخاص في تسييره بشكل فردي، وتفاقم مأساة النازحين والأهالي في تأمين الخبز.

حفرة خلفتها غارة جوية على بلدة البوليل - يوتيوب/

حفرة كبيرة خلفتها غارة جوية على بلدة البوليل في العام 2012- يوتيوب /alfurat2freedom

تحصل “المنظومة” على التمويل من “المجلس المحلي”، الذي تَوافق وجهاء البلدة على تعيين أعضائه، و”جبهة النصرة”، وذلك للتغلب على العقبات التي يشكلها الانقطاع الطويل والمتكرر في التيار الكهربائي وفقدان الوقود والغلاء الباهظ في سعره إن وجد، بالإضافة إلى انقطاع الطحين.

بعد طول انتظار، بدأ المتطوعون بالتجهيزات الأولية، فاشتروا مولداً كهربائياً كبيراً واستطاعوا تأمين المازوت المكرر بحرّاقات بدائية، والذي يباع في محافظة دير الزور. وتعهد مسلحو “جبهة النصرة” بإمداد هذا المخبز بالطحين، بما أنهم يسيطرون على صوامع الحبوب في المحافظة، كصوامع مدينة الميادين على بعد حوالي 20 كيلومتراً عن بلدة البوليل، ومدينة الصور التي تبعد 50 كيلومتراً. وبدأ عمل الفرن تحت إشراف   “المنظومة” بتاريخ 15 كانون الأول/ ديسمبر 2013.

تباع ربطة الخبز التي تحوي على ثمانية ارغفة في البوليل بـ 50 ليرة سورية (الدولار يعادل حوالي 150 ليرة سورية)، بينما يباع الخبز المدعوم رسمياً في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بسعر 15 ليرة لقاء ثمانية أرغفة.

أبو عمر البالغ من العمر 35 عاماً، وهو أحد أعضاء “المنظومة”، يروي معاناة الفريق في بادئ الأمر: “بدأنا في أول الامر بتوزيع الخبز بسعر التكلفة، لكننا واجهنا مشاكل آلات الفرن المتهالكة التي أكل الزمان عليها وشرب. تمت اعادة تأهيلها بمستوى الحد الادنى، وتم تأمين الطحين بسعر مخفض من المسلحين”.

وقال أبو عمر إن “المنظومة” تحصل على الطحين من “جبهة النصرة” بسعر 20 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد.

مدير المكتب التنفيذي في المجلس المحلي، الذي عرف عن نفسه باسم أبوحازم،  شدد على ضرورة عمل المجلس مع جميع الأطراف من أجل تفادي المشاكل والأخطاء في “المرحلة الانتقالية” الحالية، كما سماها، وأثنى على “المنظومة”: “في هذه المرحلة الراهنة يمر الكثير من السكان وخاصة المهجرين من بيوتهم بظروف انسانية صعبة، في ظل غلاء السلع وخاصة مادتي الخبز والطحين. ففي هذه المرحلة الانتقالية يتوجب على الجميع أن  يعملوا سوية، لأن يداً واحدة لا تستطيع التصفيق. فمثلا، “منظومة العمل الشبابي”،  لولا عملها المشترك مع المجلس المحلي و”جبهة النصرة”، لما استطاعت تسيير عمل المخبز”.

المعارك الدائرة على بعد 15 كيلومتراً على أسوار مطار دير الزور العسكري والقصف المتكرر على البلدة من المطار، أجبر “المنظومة” على اعتماد طريقة جديدة في توزيع الخبز لمنع تجمعات السكان، خوفاً من تكرار السيناريو الذي حصل في مدينتي موحسن والبصيرة القريبتين، في أيلول/ سبتمبر وكانون الأول/ ديسمبر 2012 . حينها قصفت الطائرات محيط المخبزين أثناء تجمع الناس وسقط العديد من الجرحى والقتلى. لذا عمدت “المنظومة” الى تعيين مندوب يوزع الخبز في كل حي.

احد الاداريين في “المنظومة”، الذي رفض الكشف عن اسمه، تحدث عن العدد الهائل من النازحين في البلدة وعن كيفية توزيع الخبز:

“البلدة مقسمة الى ثلاثة اقسام، وفي كل يوم يوزع الخبز على أحدها. داخل كل قسم يوجد العديد من المندوبين، حيث يوزع المندوب الواحد الخبز على 150 منزلاً أي ما يقارب 1000 نسمة. كما أن الخبز يوضع في مكان يحدده المندوب، ويجتمع السكان ليأخذ كل منهم حقه. وبهذه العملية نضمن وصول الخبز بسهولة الى جميع الاحياء السكنية”.

قيصر (22عاماً) هو أحد مندوبي “المنظومة”، يروي صعوبة تفهم الاهالي آلية عمل “المنظومة”، والصاق تهم الفساد بها. ويقول: “أواجه الكثير من المشاكل… السكان يطلبون منا أن نوزع الخبز يومياً على كل الأقسام في الوقت نفسه، لكن الكمية المحدودة من الطحين هي ما أجبرنا على هذا العمل، وبالتالي عدم استيعاب الأهالي هذه الفكرة دعاهم الى الصاق التهم الباطلة بنا. يعتقد بعضهم بأننا نبيع الطحين في المحلات التجارية الخاصة وفي الأسواق المجاورة”.

من بين السكان من يوجّه هذه التهم بالفعل. الحاجة أم أحمد البالغة من العمر 70 عاماً نزحت من بلدة المريعية المحاذية لمطار دير الزور العسكري، والتي تبعد 14 كيلومتراً عن بلدة البوليل. تقول أم أحمد: “يعيش المسؤولون عن الفرن على أكتافنا. يوزعون الخبز علينا كل يومين أو ثلاثة أيام ويقولون إنه لا يوجد طحين، بينما هم يبيعونه في مدينة الميادين”.

 أما نور البالغة من العمر 40 عاماً، وهي من أهالي البوليل، فتقول: “بإمكانك الحصول على خبزك بشكل يومي وبالكمية التي تريدها إذا كنت تعرف أحداً من الإداريين بالفرن، ومن الممكن أن يصلك الخبز وأنت في بيتك”.

ولكن البعض يرى أن هذا الوضع، على سوئه، يبقى أفضل من التشرد خارج البلاد.
سارة البالغة من العمر 25 عاماً متزوجة وهي أم لفتاتين. تقول أثناء الوقوف في طابور للحصول على الخبز: “نعم، نحن نقف طويلاً أمام المركز من أجل الحصول على الخبز، ولكننا نكسب كرامتنا ونعيش حياتنا بأمن،  فلا تطوف مخيماتنا من الأمطار كمخيم باب السلامة (في ريف حلب)، ولا تمتلئ عيوننا بالغبار اثر هبوب الرياح كما في مخيم الزعتري”.

 * اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا.