غرفة صغيرة… حرية ووطن
غرفة صغيرة في مدينة كفرنبل، بداخلها مطبخ وحمَّام. فيها فرش بسيط. على الحائط ساعة معلقة، وفي الزاوية طاولة عليها تلفاز صغير وشمعة تُضيء ظلام الليل. تقطن الغرفة عائلتي، المؤلفة من زوجي جميل وأنا وولدَي شادي (14 عاماً) وقمر (12 عاماً).
بالعودة إلى ما قبل قيام الثورة بعام، تعرّضت عائلتي لحادث سير، أدّى لإصابتنا جميعاً. وكانت الإصابة الأخطر من نصيب إبنتي قمر، أدَّت لكسور في الجمجمة ونزيف في الدماغ، والتواء دائم بالوجه. وزوجي أجرى عمليتين جراحيتين لكتفيه، لتعرضهما لكسور.
بعد قيام الثورة السورية، انشقَّ زوجي عن نظام الأسد في مطلع حزيران/يونيو 2011، حيث كان يعمل شرطياً. أعلمني بأننا سنترك الشقة التي كنا نسكن فيها في دمشق، لنسافر إلى مدينة كفرنبل.
فعلنا ذلك حباً بالوطن وإيماناً بالحرية. لكن ضمن سرية مُطلقة، تفادياً للقبضة الأمنية المُحكمة التي كانت لمخابرات التابعة للنظام الحاكم في دمشق تفرضها على الموظفين الحكوميين.
تمكَّنَ جميل من الإنشقاق، وذهبنا إلى مدينتنا كفرنبل. منزل أهله صغير. فخرج للبحث عن الغرفة التي نقطن فيها حالياً. أحضرنا إليها بعضَ الأغراض من منزل أهلي وأهل زوجي. وتمكَّنا من فرش الغرفة بشكل بسيط، ومتابعة حياتنا فيها. وولداي أحمد وقمر متفهمَين للظروف الصعبة التي نمر فيها.
وضعُنا المادي أمسى سيئاً للغاية، فزوجي انشقَّ قبل حصوله على راتبه بيومين. وبتنا نعيش في رعبٍ دائم، لأنّه معرض للإعتقال. فهوَ منشق ويعيش في مدينة يسيطر عليها جيش النظام. حيث كانت كفرنبل في ذلك الحين، ما تزال تحت سيطرة جيش النظام الذي نشر حواجزه فيها. والثورة في كفرنبل كانت ما تزال سلمية، والمظاهرات مستمرة رغم وجود الجيش.
بعدما أقدمَ على قتل المدنيين، واعتقال المارة بالشوارع، بهدف إيقاف المظاهرات. تشكّلت بعد ذلك، نواة الجيش السوري الحر، الذي تمكَّن من تحرير كفرنبل من جيش النظام واقتلاعه من المدينة، بتاريخ 10 آب/أغسطس 2012.
كنا نعيش في غرفتنا على مبدأ “خبز وزيتون” (في إشارة إلى تواضع القدرات المادية). مع العلم أنَّ زوجي كان يعمل. لكن يتوقف عن العمل لفترات، بسبب قلة فرص العمل، وقصف الطيران للمدينة بعد تحريرها.
لا يستطيع زوجي القيام بالأعمال المجهدة، لأنه ما يزال يعاني من إصابته السابقة من الحادث. لذا يعمل حارساً ليلياً للجيش الحر في كفرنبل، ويحصل على راتب شهري قدره 20 ألف ليرة سورية (حوالي 40$). وأنا أحاول تقنين المصروف، كي يكفينا الراتب في هذه الظروف الصعبة وغلاء الأسعار.
في يوم من الأيام، أثناء تناولنا الغداء، سمعنا صوت انفجارات. خرج زوجي مسرعاً ليشاهد ما يجري، فصرخ صرخة عالية! خرجتُ وشاهدته وهو يضع يده على عينه، ويصرخ من الآلم ويقول لي: “لا أعرف ماذا حصل، لكن عيني تؤلمني جداً”. كانت الدماء تسيل من وجهه بعد إصابته بشظية. فتمَّ إسعافه إلى المشفى لإجراء عملية جراحية.
عاد بعد أيام، لكن بحسب إرشادات الطبيب، يجب أن يبقى مستلقياً على ظهره. حينها لم نكن نملك المال، بعدما دفعنا ما نمكله لنقله إلى المستشفى في مدينة أخرى. لم أعرف ماذا أفعل ولمن أشكي همي… كنت أكتفي بالقول: الحمد لله على كل شيء.
أصبحا زوجي وابنتي بحاجة الدواء يومياً، فاقترضت مبلغاً من أحد الجيران.
وكانت تلك الأيام باردة وقاسية، بعدما بدأ فصل الشتاء، ولم نكن نملك أي وسيلة للتدفئة. فكنا نضع الأغطية على أجسادنا، ونجلس على ضوء الشمعة. لحظات مؤلمة وقاسية لا يعلم بها سوى الله!
زوجي عزيز النفس وأولادي كذلك. كانوا عندما يرون الفواكه والطعام أثناء زيارتنا للأقارب، يُخفون رغبتهم الشديدة بتناولها.
ولحسن حظ عائلتي، منذ بضعة أشهر، حصلتُ على وظيفة مقابل راتب شهري في موقع راديو فرش. وذلك بعد متابعتي لدورة تدريبية في الكتابة الخبرية. وبذلك تمكنت من مساعدة زوجي في مصروف المنزل.
طالت الحرب وطال القهر والفقر والقسوة على الناس، وارتفعت الأسعار. الأغنياء قادرون على العيش في هذه الظروف، أما الفقراء لا يعلم بحالهم سوى الله.
ما نزال نعيش في غرفتنا المتواضعة. ما يزال زوجي يعاني من إصابته في كتفيه وعينه. ما تزال إبنتي قمر بحاجة للعلاج… ما نزال نعاني القلة والحاجة، ما نزال نعيش في رعبٍ دائم من براميل الموت.
لكننا مصرُّون على الكفاح… مصرُّون على الحياة في وسط الموت.
يدفعنا الأمل بانتصار الثورة… يدفعنا الحلم بالعيش في مجتمع الحرية والكرامة، مجتمع يحترم المواطن ويُقدِّر قيمة الإنسان.
أحلم بأن أُعالج إبنتي، وبأن أرى عائلتي سعيدة في يومٍ من الأيام.
صفاء العمر (33 عاماً) من مدينة كفرنبل، متزوجة ولديها طفلين. تحمل شهادة إعدادية، وكانت ربة منزل قبل الحراك في سوريا. حالياً تعمل في الموقع الإلكتروني لراديو فرش.