عَمار يا إدلب

عامل في صناعة البلوك تصوير نايف البيوش

عامل في صناعة البلوك تصوير نايف البيوش

 

ابراهيم (33 عاماً) تغلّب على حيرته، وانتهت رحلة بحثه عن مشروع صغير يعتاش وعائلته من خلاله. عمدَ ابراهيم إلى إنشاء معمل صغير للبلوك (حجارة البناء) في موقع قريب من مكان إقامته، وصارَ المشروع يعود عليه بأرباح جيدة.

انتشرت أخيراً معامل البلوك بشكل ملحوظ في ريف إدلب، وذلك تزامناً مع سريان الهدنة وعودة الحركة العمرانية للمنطقة… أكان لبناء المنازل، أو لترميم تلك التي تضرّرت بالقصف على مدى ست سنوات… وهو ما أثمر زيادة في الطلب على مادة البلوك في أعمال البناء بسبب سهولة استخدامه وانخفاض ثمنه مقارنةً مع غيره من المواد، كالحجارة المنحوتة غالية الثمن، والتي لا تناسب قدرة المواطن الشرائية في ظلِّ الحرب.

يقول ابراهيم لـ حكايات سوريا عن سبب اختياره لهذا المشروع: “بعد انشقاقي عن النظام بتُّ بحاجةٍ ماسة لعملٍ أُنفقُ من خلاله على أسرتي المؤلّفة من زوجة وأربعة أولاد. فكّرتُ بالعديد من المشاريع، غير أنني كنتُ أجد نفسي غير قادر على تمويلها، إلى أن نصحني أحد الأصدقاء بإنشاء معمل بلوك فهو يُصنّف من ضمن المشاريع الإنتاجية السهلة التي أستطيع من خلالها تحقيق أرباح سريعة”.

وفعلاً عمدَ ابراهيم لتأمين كل ما يحتاجه المشروع من مساحة مناسبة تُقدَّر بمائة متر مربّع، و”مكبَس آحادي” وهو عبارة عن آلة تُنتج بلوكة واحدة كلّما تمَّ الضغط عليها… ويوضح ابراهيم أنّ هناك نوعين من المكابس لتصنيع البلوك، منها نصف آلية وأخرى يدوية، وقد اختار اليدوية لأنها تمتاز بالبساطة والمرونة في التحكّم بها، كما أنّ سعرها أقل.

وما ساعد ابراهيم في مشروعه كما يقول، هو وجود بئر ارتوازي على مقربة من أرض المعمل، ما وفَّرَ له المياه اللازمة لصناعة البلوك… ثمّ عمدَ لشراء جبّالة ومواد خام وهي الإسمنت والحصى والرمال.

أمّا الصعوبات التي واجهت ابراهيم في بداية مشروعه، فقد تمثّلت بعدم درايته الكاملة بطبيعة هذا العمل، فاستعانَ بأحد العاملين بهذا المجال. كما أنهُ واجه مشكلة التسويق، لكنهُ أيضاً تجاوز هذه المشكلة بالإعلان عن أسعار تنافسية، مما دفع متعهدي البناء لشراء البلوك من معمله.

من جهة أُخرى، عامر (35 عاماً) من معرة النعمان خاضَ أيضاً تجربة إنشاء معمل للبلوك، حيثُ يقول لموقعنا: “أعمل في مجال التدريس وما زلتُ أتقاضى راتبي من النظام، غير أّن هذا الراتب بالكاد يكفيني لعشرة أيام من كل شهر، لذا عمدتُ لإنشاء معمل صغير للبلوك يساعدني في زيادة دخلي وتأمين احتياجات عائلتي وسط الغلاء الفاحش الذي نشهدهُ. وأشعرُ بالسرور والامتنان كون مشروعي قد نجح وساهم بتحسين وضعي المادي”.

عارف الدودي (42 عاماً) هو صاحب أكبر معامل البلوك في المنطقة منذ زمن، يقول لحكايات سوريا عن هذه الصناعة: “أعمل بهذا المجال منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد تحوَّل معملي مع الوقت من معملٍ صغير الى مشروع كبير يقدّم طاقة إنتاجية عالية ويؤمن أرباحاً ضخمة ويُسهم بتشغيل الكثير من الأيدي العاملة”.

غير أنّ معمل الدودي تضرَّر بفعل القصف وتراجع الحركة الشرائية والعمرانية خلال سنوات الثورة، ومع ذلك لم يتوقف عن العمل، وإن كان يحقق مبيعا قليلاً… ولكنه مؤخراً عاد لينشط كما في سابق عهده مع سريان الهدنة وعودة الحركة العمرانية إلى المنطقة.

يشرح الدودي آلية العمل وكيفية صناعة البلوك ويقول: “في البداية يتم تأمين الإسمنت بقدر طن واحد، مع 4 أمتار مكعبة من الرمال، وحصى ناعم بقدر 3 أمتار مكعبة… ثمَّ يتم خلط هذه المواد مع الماء، في ما يسمى بالجّبالة… ثمَّ توضَع العجينة ضمن مكابس البلوك التي تعطيها الشكل النهائي. وبعد ذلك يتم وضع قطع البلوك تحت أشعة الشمس لتُجفَّف بشكل جيد وتُرَش بالمياه بين الحين والآخر، وبعدها يكون البلوك جاهزاً للبيع”.

من جهته، يتحدّث المهندس عمران محلول (28 عاماً) لحكايات سوريا عن أهمية جودة البلوك، وهو يحبّذ أن يعمد المستهلك لفحص البلوك قبل شرائه… ذلك لأن بعض أنواع البلوك سريعة الكسر، خاصة أنّ الكثير من المواطنين عمدوا مؤخراً لبناء منازلهم من مادة البلوك فقط.

ويوضح عمران أنه “عندما يكون البلوك هشّاً، فهذا معناه أنّ كمية الرمل والحصى فيه أكثر بكثير من كمية الإسمنت… أمّا عندما يكون قوياً فهذا يعني أنه مدعوم بشكل جيد بمادة الإسمنت التي تمنحهُ صلابة، فلا يمكن كسره بسهولة”.

ويقول المهندس محلول: “يتم استخدام العواميد المصنوعة من الحديد والإسمنت، ليكون البناء أكثرَ قوّة… إلاّ أنّ ارتفاع كلفة العواميد والحجارة الصلبة التي تتحمّل تشييد عدة طوابق، دفع معظم المقبلين على البناء للاستغناء عن هذين العنصرين والاكتفاء بمادة البلوك. نتيجة الحاجة أصبح هناك سعي وراء ما هو متوفّر وبسعر أقل ويفي بالغرض دون النظر إلى مخاطره”.

حسام الشامي (41 عاماً) أحد النازحين من ريف دمشق إلى ريف إدلب، يروي تجربته في البناء لحكايات سوريا بالقول: “في البداية عمدتُ لاستئجار منزلٍ بمبلغ مائة دولار أميركي شهرياً، غير أنهُ مع توقف القصف آثرتُ إلى شراء قطعة أرض وبناء منزل عليها ليأويني مع عائلتي الكبيرة”.

يصمتُ الشامي ثمّ يتابع بحزن: “يبدو أنّ إقامتنا هنا طويلة، فلا حل يلوح بالأفق يمكن أن يعيدنا إلى منازلنا ومناطقنا التي هُجّرنا منها”. ولذلك يفضّل الشامي العيش في منزل يكون ملكاً له، مما قد يساعده ولو قليلاً على الاستقرار بدلاً من التنقُّل من بيتٍ للإيجارٍ إلى آخَر.

معامل البلوك ساهمت بتشغيل عددٍ من الشبّان الذين كانوا عاطلين عن العمل، كـ محمد الحمود (25 عاماً) الذي يوفّر له عمله في معمل للبلوك دخلاً جيداً. ويقول الحمود: “أعمل يومياً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية ظهراً مقابل أجر يصل إلى 2500 ليرة سورية يومياً (5 دولارات). العمل في هذا المجال شاق بعض الشيء ولكنه يبقى أفضل بكثير من البطالة والعوز”.

مصطفى الحسن (35 عاماً) أحد أعضاء المجلس المحلي في معرة النعمان يعبّر عن تفاؤله كلما زاد عدد معامل البلوك في المنطقة، ويقول: “في فترة من الفترات أصبحت المنطقة أشبه بمدينة أشباح، حيثُ توقفت أعمال البناء، وراحَ الناس ينزحون تاركين ممتلكاتهم ومنازلهم… لكنني اليوم أرى الانتعاش والحركة العمرانية قد عادت إلى المنطقة، وهو ما يدعو إلى التفاؤل بحياةٍ أكثر استقراراً وأمناً”.

صناعة البلوك تزدهر في هذه المنطقة، حيث ظهر شعار “عَمار يا إدلب” بعدما حصلت الهدنة…