عن الانتخابات الرئاسية في سوريا: تعالوا نموت “سوا”
معارضون من منطقة الساحل التي يتحدر منها الرئيس بشار الأسد يصفون الانتخابات بـ”المسرحية”.
(جرى إخفاء اسم الصحفي الذي أعد التقرير لضمان أمنه الشخصي.)
(دمشق واللاذقية، سوريا) – سارة (32 عاماً) سكنت دمشق منذ 12 سنة، لكنها غادرتها مؤخراً عائدة إلى مدينتها اللاذقية. فالحياة، كما قالت، باتت مستحيلة في العاصمة بسبب قذائف الهاون التي تطلقها المعارضة المسلحة، ومعظم أصدقائها هاجروا بسبب الحرب. في هذه الأجواء، ترى سارة، وهي معارضة للنظام، أنها غير معنية بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في الثالث من حزيران/ يونيو.
“هذه الانتخابات هي شيء يفوق خيالي”، تقول سارة وتضيف: “حتماً لن أشارك في هذه الانتخابات. من سينتخب أصلاً؟ نصف الشعب خارج البلد أو نازحون. ومن هم المرشحون؟ أنا لا أعرف إلا مرشحاً واحداً وحتماً لن أنتخبه”، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد.
تروّج الحكومة للانتخابات القادمة على أنها دليل على ممارسة الديمقراطية، لكونها تسمح بتعدد المرشحين بعد أن كان اختيار الرئيس يتم باستفتاء على اسم واحد في عهد بشار الأسد وحافظ الأسد. لكن يسود الاعتقاد بين معارضي النظام بأن نتيجة الانتخابات محسومة سلفاً وهي بقاء الرئيس الحالي في الحكم. يدعم هذا الشعور لدى المعارضين تصريحات المرشحَيّن الآخرين التي تشي بأنهما لا يختلفان مع النظام الحالي بشكل جوهري. فالمرشح ماهر حجار وهو عضو سابق في “الحزب الشيوعي السوري” الذي أعلن عن دعم الأسد في الانتخابات، ظهر في مقطع دعائي على التلفزيون السوري الحكومي، ينتقد السياسة الدولية للولايات المتحدة ويشيد بالدولتين الحليفيتن للنظام السوري روسيا والصين، قائلاً إنهما تعبران عن “إرادة الشعوب” في العالم. أما المرشح الآخر الوزير والنائب السابق حسان النوري، فقد اكتفى بتوجيه الانتقاد إلى الأسد في ما يخص سياسته الاقتصادية، وأعلن أنه يتفق معه على مكافحة “الإرهاب”، وهي التهمة التي توجهها الحكومة إلى المعارضة المسلحة.
وأعلن “تيار بناء الدولة السورية”، وهو أحد الأحزاب المعارضة التي تسمح الحكومة بوجودها في مناطق سيطرتها، عن دعوته إلى مقاطعة الانتخابات. وأشار بيان التيار إلى أن هذه الدعوة تأتي تضامناً مع “أكثر من نصف الشعب” السوري الذين لن يتمكنوا من الانتخاب، في إشارة إلى السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة أو في الخارج.
مثل سارة، عبّر معارضون آخرون من الساحل السوري، وهي المنطقة التي يتحدر منها الرئيس الأسد، عن عدم إيمانهم بنزاهة الانتخابات. منتجب (36عاماً) صحافي من مدينة بانياس، يسكن دمشق ويعيش قلقاً دائماً من الاعتقال بسبب مقالاته المعارضة، وقد اعتقل سابقاً بسبب اشتراكه في الاحتجاجات ضد النظام في العام 2011.
علّق منتجب على أسماء المرشحين قائلاً: “هذه الأسماء عبارة عن مسرحية أعدّها النظام، فهم غير معروفين لدى عامة الناس. وشروط الانتخابات لا تسمح لأي من قادة المعارضة المتواجدين في الخارج بالترشح”.
ويقضي قانون الانتخابات أن يكون أي مترشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية، وهو ما يستثني أعضاء “الائتلاف الوطني” المعارض المتواجدين في الخارج. كما يتطلب الترشّح الحصول على موافقة 35 عضواً بمجلس الشعب، الذي يسيطر عليه حزب “البعث” الحاكم وأحزاب وشخصيات حليفة له.
سامي (41 عاماً) صيدلاني من مدينة طرطوس يعيش في ضاحية جرمانا قرب العاصمة، يقول إن الحكومة تبدو وكأنها تجبر الناس على الانتخاب. يقول سامي إن موظفاً حكومياً دق بابه وطلب الإطلاع على بطاقة هويته، ثم سجّل اسمه ورقم البطاقة. يضيف سامي: “عندما سألت عن السبب، أجاب أنه سيتم فتح صندوق للانتخابات في الحارة التي نسكنها… جاري الذي يسكن الشقة المجاورة لم يكن متواجداً، فطلب مني الموظف أن أخبره لدى عودته بالتوجه إلى الدائرة المختصة بتسجيل أسماء الناخبين”.
عبّر سامي عن خيبة أمله من كون النظام لا زال يسعى إلى التحكم بخيارات الناس على رغم الاحتجاجات والنزاعات التي شهدتها سوريا حتى الآن: “هذه هي حال الانتخابات في دمشق بعد ثلاث سنوات من الدم، لا يبدو أن شيئاً تغيّر”. يقول سامي إنه لم يشارك قطّ في أي نوع من الانتخابات التي نظمتها الحكومة في الماضي، لكونها “مسرحية سخيفة”، مضيفاً: “الجميع يعلم ما يحدث من مخالفات وإجبار الناس على الانتخاب أو الاقتراع من قبل الشخص نفسه أكثر من مرة. كما أن هناك أشخاص يرسلون هوياتهم مع آخرين يستخدمونها للتصويت عنهم، بينما هم جالسون في منازلهم”.
ومن المتوقع أن تجري الانتخابات دون أي مراقبة من جهات محايدة، فالجهة الوحيدة التي أكدت حتى الآن أنها ستشترك في مراقبة العملية الانتخابية هي روسيا، الحليف الدولي الأبرز للنظام السوري. كما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران، التي تشترك في القتال إلى جانب القوات الحكومية السورية، تدرس إمكانية مراقبة الانتخابات.
حملة بشار الأسد الانتخابية اختارت شعار “سوا” (معاً)، وهو شعار استخدمه ناشطو المعارضة ضد الأسد نفسه، عبر كتابته على ملصقات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، تتهم النظام بارتكاب جرائم أو بالتبعية لإيران.
عمّار (27 عاماً) وهو طالب جامعي من مدينة جبلة يدرس التربية، استحضر أيضاً هذا الشعار بسخرية، مستذكراً مقتل أخويه: “بدل أن ننتخب (سوا)، تعالوا نموت (سوا)، لأنه لم يبقَ أحد”.
مواطنون آخرون من محافظة اللاذقية عبروا عن دعمهم بشار الأسد. بثينة (25 عاماً) تدرس الهندسة في جامعة اللاذقية، علقت قائلة: “إن كنت تتفق مع الرئيس بشار الأسد أو لا، إن كنت خصمه أو صديقه، إن رأيته ديكتاتوراً أو مجرماً، لابد من الاعتراف بشيء واحد، هو أن الأسد استطاع أن يجلب العالم كله إلى طاولته. لقد أسقط رهانات الجميع على سقوطه، يستحق فعلاً أن يكون رجل دولة. لذلك أنا أؤيد ترشيحه وسأنتخبه”.
لينا (28 عاماً) من مدينة جبلة، موظفة حكومية وتكمل دراستها الجامعية في مدينة اللاذقية، تقول: “بشار الأسد هو الأقدر على قيادة سوريا، لأنه كان جديراً بقيادة الأزمة خلال ثلاث سنوات مضت. نحن في حالة حرب ومع ذلك، ما تزال الدولة قادرة على دفع رواتب موظفيها، ما زلنا ننعم بالكهرباء رغم استهداف خطوط الغاز المستمر”. تختم لينا قولها: “الشيء الوحيد الذي فقدناه هو الأمن وسنستعيده قريباً بجهود الجيش السوري”.