عندما أصبح زوجي داعشياً
"أعطاني 300 دولار أميركي، وقال لي أنها راتب شهر واحد. أمام المال ضعف زوجي وأصبح داعشياً. كل ما كنت أخاف منه لم يحصل. بل حصل ما هو أكبر من ذلك. "
نزحت مع زوجي إلى بلدته في ريف حماه الشرقي. كان صعب علي نمط حياتهم في بلدته جروح، بعد أن اعتدت على حياة المدينه.
زوجي كان يعمل في متحف حماه للاثار، وبعد أن بدأت المظاهرات في المدينة، قرر زوجي الفرار بعيداً عن كل تلك الاحداث. وفعلاً بعد أن وصلنا قرية أهله، مكثنا عندهم لفترة.
هناك بدأت أعاني من شدة الحر. ووالدة زوجي كانت تجبرني على مساعدتها في تدبير أمور الماشية التي كانوا يقومون بتربيتها. لم يكن لدي من حل. أقمنا في منزل ابن عمه، الذي كان يعمل في السعودية. ولحسن الحظ لم يأخذ منا ايجار المنزل، خصوصاً أن زوجي فقد عمله، وأصبح راعياً يعمل مع أهله.
بعد عامين على إقامتنا في ريف حماه الشرقي، كانت الأمور جيدة نوعاً ما. لم يكن هناك من فصائل للمعارضة، ولا للنظام. كانت قرى بدو، عملهم الوحيد تربية الماشية. وبدأت رحلة المعاناة. ساء حالنا كثيراً، قرر زوجي الذهاب إلى ريف الرقه الطبقة، وهناك صديقه المنقب عن الآثار وسيجد له عملا معه.
لم أرغب في الذهاب إلى هناك. لكن زوجي ملّ عمله كراعي. وأراد ان يعمل بمجاله، فهو منقب للآثار. وفعلا حزمنا أمتعتنا وذهبنا إلى الرقه. كانت الرحلة طويلة والعناء أكبر والصحراء قاحلة. لا يوجد لا بشر ولا حجر ولا شجر.
طلب مني زوجي قبل ذهابنا أن ألبس خماراً. استغربت منه وسألته لماذا؟ أجابني ان هناك حواجز للدولة الإسلامية (داعش) على الطريق. وفعلا لبسته، لأجد نفسي عند أكثر من حاجز. كانت وجوهم مخيفة، وشعرهم الطويل. وكأنهم لم يستحمّوا بماء منذ أن اندلعت الثورة الغبار يغطيهم. مناظر لا توصف.
أحسست بالخوف لكن عبرنا طريقنا بسلام، وبعد أن وصلنا إلى منزل صديقه، ارتحت قليلاً. حتى وجدت هناك الطفلة التي لم تدخل المدرسة بعد منقبة. حياة معزولة عن العالم. بدأت أندب حظي. إلى أين أودت بي الأيام. وأين أصبحت أعيش؟
مكثنا عند بيت صديقه لبعض الوقت ريثما أمّنوا لنا منزلاً للإقامة. هناك يمنع الإيجار منعاً باتاً. الكثير من المنازل كانت فارغة، بعد أن فر أصحابها خوفاً من تلك العصابة المسماة بدولة الإسلام.
أردت أن أعتاد ولو مرغمة على تلك الظروف. ولكن في كل يوم كان الوضع يزداد سوءاً. وكل يوم أكتشف شيئاً مرعباً جديداً.
ذهبت إلى السوق مع جارتي. فوجئت أن هناك سوقاً واحداً للنساء. ويمنع أن يدخل الرجال إليه. وصلنا إلى السوق كان في استقبالنا المشهد الذي أصابني بالغثيان. يا آلهي لماذا هذا كله؟ رجل مبتور الأطراف، مقطوع الرأس، معلق أمام السوق. جثته من جهة ورأسه على الجهة الأخرى.
أصبت بالصدمة والخوف لدرجة أنني لم أعد أستطيع المسير. أمّا جارتي فقد نصحتني بالمسير والصمت، فقد تعود سكان تلك المنطقة على تلك المظاهر. لم أعد أرغب بشراء أي شيء بعد ذلك المنظر الذي رأيته. بل قررت أن أعود إلى المنزل.
وبعد عودتي إلى المنزل دعوت جارتي لكي تخبرني ماذا يحصل هنا. لقد كنت أسمع بتلك الأمور ولكني لم أصدق حتى رأيت بأم عيني. أخبرتني جارتي أنه قد كفر بالله وليس له عقاب إلا القصاص. وأن من يسرق يقطعوا يده فوراً. وبعد قطعها يقومون بغلي زيت زيتون، لوقف النزيف والكثير الكثير من الأمور. أحسست أنني سأموت قريباً.
جاء زوجي عند المساء ليخبرني أنه انضم إلى تنظيم داعش. وأن عمله معهم سيكون فقط بالتنقيب على الآثار. وهو لن يخرج إلى المعارك ولن يكون سبباً في موت إنسان كائناً من كان. حاولت اقناعه بألا يغمل معهم. بكيت وقلت له: لا لن اسمح لك أن تصبح مجرماً.
أعطاني 300 دولار أميركي، وقال لي أنها راتب شهر واحد. أمام المال ضعف زوجي وأصبح داعشياً. كل ما كنت أخاف منه لم يحصل. بل حصل ما هو أكبر من ذلك.
لم تتغير معاملته معي أبداً، فزوجي لم يعمل معهم عن عقيدة بل من أجل المال. بدأت تصرفاته وطريقة كلامه تتغير مع المحيطين بي. أمّا أنا، بيني وبينه لم يتغير شيء. بل ذاد خوفه أن أتركه واذهب بعيداً، بعد كل الخلافات التي كانت تدور بيننا.
قررت الطلاق منه إن بقي كذلك. وبعد شجارات وخلافات عدة قررت العودة إلى منزل أهلي في بلدة معرة حرمه في ريف إدلب. وأن أترك الشر وأسبابه، حتى وإن كان زوجي. بدأت بحزم أمتعتي أنا وأولادي. كنت قد أصبحت والدة لخمسة أبناء، كانت لهم معاناتهم في ظل هذا الجو المشحون في المنزل وخارجه بفعل وجود داعش وحكمها.
وعندما رأى زوجي أنه سيخسر أولاده وزوجته ضعف جداً. فهو لم ينس إنسانيه. قرر ان يترك داعش، ولكن بعد فترة زمنيه حتى لا يكتشف أمره، ويطبق عليه حكم الردة، ويقتل كما كانوا يفعلون مع كل واحد يترك عمله معهم.
بقينا على ذلك الحال 3 أشهر وأنا احلم بالعودة. لم يكن الخوف منهم وحدهم بل كان الخوف من الطائرات الحربية على اختلاف انتماءاتها والتي لا تترك سماء المنطقة.
وفي كل يوم كان يزداد كرهي لتلك المنطقة، وبقيت على أمل أن أذهب بعيداً كثيراً. في وقت لاحق حزمنا أمتعتنا وادّعى زوجي أنه سيذهب لزيارة أهله في ريف حماه. وأننا سنعود بعد أن ننتهي من زيارتنا. وفررنا إلى ريف إدلب. لم أترك زوجي وسأبقى معه دائماً، أنا والأولاد.
ضحى عباس (40 عاماً) من ريف إدلب، ربة منزل، وأم لخمسة أبناء.