على نارِ الخيبَة
من حي السكري في حلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
"الجيش الحر لن يستطيع التقدَّم لا سيّما عقب خسارته لمدن وبلدات عدة في ريف دمشق وانحسار نطاق سيطرته بشكلٍ ملحوظ في أواخر العام 2016 وبداية العام2017"
مرّت أيام عصيبة على أهالي دمشق لا سيّما في منتصف شهر آذار/مارس من العام 2017، وبشكل خاص في المناطق التي تدور فيها أو حولها مواجهات بين قوات الأسد والجيش الحر.
جولة جديدة من الإشتباكات بدأت بشكل مفاجئ، لكننا لم نكن نتوقع أن يكون الأمر أكثر من مجرد”بضعة قذائف هاون تسقطُ كالعادة وينتهي الأمر” هذا ما يرددهُ الأهالي.
لكن مع مرور الوقت بدأت تتطور الإشتباكات وصارت أصواتها تُسمَع… أسلحة خفيفة ومتوسطة… يقعُ منزلنا في منطقة العدوي، القريبة من منطقة الزبلطاني، حيثُ المعارك بين الطرفين.
مع حماوة المعارك يصبح الوقت ثقيلاً ومُخيفاً. تصل إلى مسامعنا أخبار عن إغلاق طرق عديدة في ساحة العباسيين. وانتشار ضخم لعناصر أمن النظام رغم إصرارنا على القول: “يوم وسيمر كغيره من الأيام”…
وبالنسبة لي فإنني مُصابة بالخيبة، الجيش الحر لن يستطيع التقدَّم لا سيّما عقب خسارته لمدن وبلدات عدة في ريف دمشق وانحسار نطاق سيطرته بشكلٍ ملحوظ في أواخر العام 2016 وبداية العام2017 مقارنةً بالأعوام الماضية، التي كنا نسمع فيها بين الآونة والأخرى عن فرض سيطرته على مواقع جديدة، بعد أخذها من أيدي قوات الأسد… علماً أنَّ التراجع في ريف دمشق لم يكن الوحيد، فقد شهدت المناطق الشمالية في سوريا حوادث مماثلة لانسحاب الثوّار منها.
مع أنني أُحلِّل المشهد ميدانياً، لكنّ الميدان الحقيقي من حولي يعجُّ بأصواتٍ مخيفة وانفجارات عنيفة تُسمَع. حينها كنتُ مع والدتي نراقب حركة الشارع من نافذة المنزل، كيف كان يخلو من روّاده… فأصحاب المتاجر يغلقون محالهم، والبائعون المتجولون ينسحبون…
كانت ضربات قلبي تزداد، خاصة أنه في منطقة العدوي يقع فرعٌ أمني يُسمّى “الخطيب”. والذي فيه يُعذِّب النظام المعتقلين. وبالطبع سيكون هدفا دَسماً لعناصر الجيش الحر. لكن للأسف فإنّ بعض قذائف الحر تخطئ في هدفها وتهوي إمّا على الطريق العام أو على أسطح الأبنية، والمحظوظ هو مَن يسكن في الطوابق السفلية، بعكسِ حال منزلنا!
في المقلب الآخر، الأخبار تتوارد عن إصابة عدد من عناصر الأمن في الإشتباكات، وما أكّدَ لي ذلك هو سماع دوي صافرات الإسعاف القادمة من ساحة العباسيين، بالتزامن مع إطلاق قوات الأسد الأعير النارية في الهواء. هذا جيد، الحر يصيب أهدافه…
ومرت ساعات بعد ذلك والشمس قاربت على المغيب والمعارك ما تزال على أشدّها. أنظر بعينَي أُمي فأرى الخوف فيهما… الوضع لم يكن سهلاً وعلى ما يبدو قد يطول هذه المرة، وكل ما نتمناه في هذه اللحظات ألا تُخطئ قذيفة هاون في هدفها وتهوي على منزلنا!
انتهى اليوم الأول ولم ينته صوت الرصاص والقذائف. لكن من حسن الحظ أن خطوط الهاتف ما تزال تعمل لنطمئن على الأقارب الذين يقطنون في أحياءٍ أُخرى… نعلم من جهة الصوت أنّ هناك معارك تدور في مناطقهم أيضاً، فنتصل لنطمئن.
التواصل مع العالم الخارجي ليس بالأمر السهل، في ضوء استمرار انقطاع التيار الكهربائي بسبب التقنين المفروض في العاصمة والذي يُعيق شحن البطاريات بشكل جيد، لأنّ التيار ينقطع لمدة 4 ساعات مقابل ساعتين على مدار اليوم… ومع وجود المعارك تزداد مدّة التقنين لتصل إلى ثماني ساعات بشكل متواصل…
وبين انقطاع الكهرباء، ونفاذ شاحن البطارية، وسوء خدمة الأنترنت، والحظر المفروض على الكثير من المواقع والتطبيقات، ومحاولة كسر هذا الحظر عبر برامج خاصة لنعرف ما يجري من حولنا… تتأرجح المسألة بين سماع أصوات الرصاص من جهة، وبين سماع الأخبار بتقدُّم الجيش الحر، فنشعر بالسعادة وتزول عني الخيبة نوعاً ما.
لكنّ الأمور تغيرت… فاليوم الثاني كان عنوانه، إغلاق المحال وعدم ذهاب الطلاب إلى المدارس، وقطع النظام للطرقات بالسواتر كي يُجبر السيارات على المرور عبر حواجزه… لكنّ المعارك انتهت دون أن يحقّق الحر تقدماً…
وعادَت خيبتي…
الخيبة التي اعترتني بأنَّ الحر لن يحقّق تقدّماً، ثمّ تبدّدت قليلاً بسبب سماع أخبار عن تقدّمه، ها هي قد عادت لتحرقني وأنام على نارها مرةً أُخرى، بعدما انتهى اليوم الثاني، واكتشفنا أنها كانت مجرد معركة عابِرة كسابقاتها… ولا أعلم متى تنتهي فصول الخيبة في حياتي بعد ست سنوات من الدمار…
مرام سعد (25 عاماً) ولدت في إحدى مدن الغوطة الشرقية في ريف دمشق. متطوعة في الهلال الأحمر منذ 6 سنوات. خلال الثورة كانت متظاهرة ومسعفة ميدانية وناشطة إعلامية في العاصمة دمشق، عملت مع عدة وكالات إخبارية محلية. مرّت بأوقات صعبة خلال إسعاف المصابين أعنفها وفاة والدها بين يديها عام 2014 بعد نزوحهم إلى مدينة دمشق.