بعد عقد في السلطة: الجزء3: في قبضة الفقر والدين..الاتجاهات الاجتماعية في عهد بشار الأسد

مر المجتمع السوري بتغييرات هامة في فترة حكم بشار الأسد. بالإضافة إلى نمو التأثير الإسلامي، اتسعت الفجوة بين الطبقات إلى حد بعيد. وبينما أصبحت السلطات العلمانية أكثر توجسا من الأسلمة المتصاعدة وتحاربها بتصميم، فإن قدرة الدولة على تحقيق الرفاه الاجتماعي للأعداد المتنامية من السكان تبدو ضعيفة.

في كل  عام، تحتفل دمشق مثل بقية العالم الإسلامي، بمولد النبي محمد. يستمع الناس إلى الأناشيد الدينية في الراديو. بعضهم يقومون بتوزيع حلوى دمشقية للآخرين طالبين منهم “الصلاة على النبي”. تزين الشرفات بالأعلام الخضراء التي تشير إلى الإسلام، وتتدلى الرايات التي تحمل آيات من القرآن عبر الطرقات.

لطالما احتفل السوريون بهذه المناسبة، لكن خلال السنوات العشر الماضية، أصبحت الاحتفالات أكثر وضوحا، وهو ما يعتبره مراقبون كمؤشر على ازدياد التأثير الإسلامي في المجتمع السوري.

في الوقت نفسه، كانت هناك مؤشرات بأن السلطات العلمانية  أصبحت  تشعر بالقلق تجاه تنامي التدين في المجتمع. خلال الأسابيع القليلة الماضية، منعت الحكومة الطالبات من ارتياد الجامعات العامة والخاصة في حال ارتدائهن للنقاب، كما فصلت 1200 مدرسة للسبب نفسه.

بعض المراقبين يقولون بأن تلك الإجراءات هي محاولة من قبل الحكومة للحفاظ على الطابع الإسلامي المعتدل في البلاد في مواجهة التهديد الأصولي.

لكن آخرين يجادلون بأن النقاب طالما كان عادة اجتماعية في بعض أجزاء سوريا، ولا يوحي على الإطلاق بأن سوريا ماضية في اتجاه الإسلام الراديكالي.

العديد من المعلقين اتهموا السلطات بمحاولة كسب التأييد الغربي بإظهار نفسها كدعامة ضد التطرف، خاصة بعد أن ثار الجدل مؤخرا في بعض الدول الأوروبية حول ما إذا كان يجب منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة.

سواء اعتبر النقاب ممثلا للتيار الأصولي أو مجرد إعادة تواصل مع الإسلام التقليدي، فلا يوجد شك بأن الإسلام يحظى بتأثير ملموس على حياة الكثير من السوريين.

الدعاة: النجوم الجدد

ليس فقط أن أعدادا متزايدة من النساء ترتدي النقاب، لكن هناك ازدياد في أعداد الأشخاص الذي يحضرون الدروس الدينية التي تعقد في المساجد والمعاهد الإسلامية عبر البلاد.

ازدادت شعبية رجال الدين، مثل الشيخ النابلسي الذي يلقي خطبا ونصائح دينية عبر قنوات الراديو والتلفزيون. مستخدمين اللغة البسيطة واللهجة المحكية، استطاع هؤلاء الدعاة الجدد استقطاب الجمهور الشاب بشكل أساسي.

يقول أصحاب المكتبات بأن الكتب التي تروج للنمط الإسلامي في الحياة أو تشرح النصوص الدينية، هي من أكثر الكتب مبيعا.

تحديد هوية المرأة بالإسلام، تأثر إلى مدى بعيد بانتشار حلقات القبيسيات، الحركة التي بدأت بنساء يدرسن الدين لنساء أخريات في المنازل، لكن عام 2006 سمحت الحكومة لهن بإنشاء مدارس والتدريس في الجوامع.

وفقا لمراقبين، فإن أحد أسباب نمو الإسلام في المجتمع، يعود إلى أن الحكومة السورية حاولت باستمرار استبعاد الناس عن الحياة العامة والسياسة، دافعة بالكثيرين لالتماس العزاء في الدين.

آخرون يقولون بأن السلطات شجعت انتشار الدين- على سبيل المثال الترويج لدعاة بعيدين عن السياسة- بينما قمعت أي شكل من أشكال الإسلام السياسي.

بالعودة إلى عقدي السبعينات والثمانينات، سحق حافظ الأسد خصومه السياسيين، جماعة الإخوان المسلمين. الآلاف قتلوا أو اعتقلوا أو خطفوا أو انتهى مصيرهم إلى المنفى، للمشاركة أو حتى التعاطف مع الجماعة الإسلامية في تلك السنوات.

حتى الآن، لا يزال المسلمون المتشددون هم الأكثر تعرضا للقمع في البلاد. كما شددت السلطات من قبضتها على الأعمال الخيرية الإسلامية والمعاهد الإسلامية.

يقول البعض أن جذور تنامي الأسلمة في سوريا، على الأقل في العاصمة، تعود إلى عام 1970 بعد استلام الأسد للسلطة. أغلق النظام السينمات والمعاهد الثقافية التي اعتبرها تهديدا للهوية القومية للبلاد. في الوقت نفسه، تغير النسيج الاجتماعي للمدن الكبيرة مع تدفق موجات من سكان الريف بحثا عن حياة أفضل.

في الثمانينات، ظهر عامل آخر. أصبح المجتمع أكثر اعتيادا على القيم الإسلامية الصارمة لدول الخليج حيث ذهبت أعداد كبيرة من السوريين للبحث عن عمل في تلك الدول المحافظة بشدة والغنية بالنفط.

تنامي الفقر

بالإضافة إلى تنامي التأثير الإسلامي، شهد المجتمع اتساع الهوة بين الطبقات.

العقد الماضي شهد تحولا مهما في السياسات الاقتصادية، التي أصبحت أكثر توجها نحو السوق.

التأثير الاجتماعي كان كبيرا. بينما أصبحت دمشق وغيرها من المدن السورية الكبرى تتباهى بالمطاعم والفنادق العالمية، السيارات الرياضية الفارهة، والمحلات الفخمة، يقول مراقبون بأن الطبقة العاملة لم تحصل على منافع تذكر.

الأرقام الرسمية تظهر بأن الطبقات الدنيا تتوسع. وأن نحو 12% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. بعض المراقبين يعتقدون بأن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير، ربما تصل إلى 40% من مجموع السكان.

حتى الآن، أكثر دراسة شاملة حول الفقر في سوريا أجريت بين عامي 1996-2004، وتظهر أن 11،4% من السكان، أو 2،2 مليون من أصل 21 مليون سوري، يعيشون في فقر شديد، يعرف بأنه عدم القدرة على الحصول على الطعام والحاجات الأساسية أو العيش على أقل من دولارين يوميا.

واحد من أكثر الإشارات وضوحا حول الفقر هو انتشار العشوائيات حيث الكهرباء، المياه، وخدمات الصرف الصحي سيئة جدا.

وفقا للتقديرات، فإن 60،000 عائلة هربت من الجفاف شمال شرق البلاد. هذا الوضع تفاقم في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف الجديد الذي أجبر مئات أو آلاف العائلات الفلاحية الفقيرة على هجر أراضيهم إلى المخيمات المؤقتة على مشارف المدن.

في هذه الأثناء، الضواحي الفاخرة مع الفيلات الحديثة ومراكز التسوق باتت منتشرة في جميع أنحاء الضواحي الخارجية لدمشق لاستيعاب الغنى الناشئ.

عديدون يلقون باللوم بشأن اتساع الفجوة في الدخل على سياسات الحكومة المحابية للأغنياء. بالإضافة إلى ذلك، يقول البعض بأن استشراء الفساد، المحسوبية والاحتكار من قبل حفنة من رجالات الأعمال ذوي الحظوة والنفوذ، يعوق توزيع الثروات بشكل أكثر عدلا في البلاد.

يقول الخبراء بأنه بينما خلقت الاستثمارات الجديدة بعض الوظائف، فإن ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار العقارات، خلال السنوات الخمس الماضية، دفعت العديد من السوريين للبحث عن عمل آخر لكسب معيشتهم. هذا في الوقت الذي شهد فيه السوريون تخفيض الدعم الحكومي عن الوقود وبعض المواد الغذائية.

النمو السكاني
من المرجح أن تتسع الفجوة في مستويات المعيشة مع تسارع النمو السكاني، والذي بلغ بين عامي 2006 و 2010 نحو 2.37 %، وهو واحد من أعلى المستويات في العالم. السلطات تكافح من أجل إيجاد فرص عمل لجحافل من الشبان الذين يدخلون سوق العمل كل عام. آخر الأرقام الرسمية للبطالة هي 8.5 % لكن مراقبين مستقلين يقولون أن الرقم الحقيقي اكبر بكثير.

أيضا، قدرة الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة في التعليم المجاني و التأمين الصحي، والتي كانت في الماضي السمة المميزة لنظام حزب البعث، قد تنهار قريبا. ويشكو كثيرون بالفعل من سوء الخدمات في المستشفيات العامة والمدارس والجامعات.