عاملون في مراكز نزوح في دمشق: أعداد النساء المعيلات تتزايد

مريم عبدالله*

ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء بعض المتحدثين حفاظاً على سلامتهم

تستعد زينب (40 عاماً) لإشعال الموقد في عربة حلوى “الغزلة” المتنقلة، خارج مدرسة تحولت إلى مركز إيواء للنازحين في إحدى ضواحي دمشق التي تسيطر عليها الحكومة. هذا المركز يأوي زينب وعائلتها، التي تتشارك غرفة واحدة مع ثلاث عائلات أخرى، بعد أن اضطرت إلى ترك منزلها في محافظة إدلب مع عائلتها، وهي ثالث مرة تضطر فيها العائلة إلى النزوح.

يصل الطبيب المسؤول عن المركز، بينما زينب منهمكة بعملها، فتترك كل شيء حاملة إليه طفلها ذي الخمسة أعوام والذي يعاني من مغص بمعدته، ثم تعود مرّة أخرى لتتابع تحريك السكّر، منتظرة زبائنها من الأطفال. تقول زينب: “لم أتوقع يوماً أن أقف مكان زوجي في بيع الغزلة لكن اعتقاله على أحد الحواجز منذ خمسة أشهر لم يترك لي خياراً آخر لتأمين…  الاحتياجات الضرورية.”

عائلة نازحة في حمورية في ريف دمشق - يوتيوب
عائلة نازحة في حمورية في ريف دمشق – يوتيوب

يصعب على زينب التأقلم مع هذا الوضع الجديد بعد أن كان زوجها يملك ورشة لتصليح الدراجات الهوائية، قبل أن يتحول إلى بائع “غزلة” متنقل بفعل التهجير، بالإضافة إلى امتلاك العائلة أرضاً زراعية تنتج الزيتون.  

زينب هي واحدة من ضمن عدد كبير من النساء النازحات اضطرتهنّ الحرب للعمل بسبب الظروف المعيشية السيئة. تغيب الدراسات حول أعداد النساء اللواتي يقمن حالياً بإعالة عائلاتهنّ، إلا أن العديد من العاملين في مراكز للنازحين في دمشق وضواحيها ينقلون أن أعدادهنّ أصبحت كبيرة، مع العلم أن نسبة النساء العاملات في سوريا هي منخفضة نسبياً؛ تشير آخر الأرقام المتوفرة أن نسبة النساء العاملات في سوريا لم تتعدَ 13 بالمئة في العام 2010، بحسب دراسة نشرتها “منظمة العمل الدولية” هذا العام.

وأكد عدد كبير من السيدات اللواتي التقاهنّ موقع “دماسكوس بيورو” في المركز حيث تعيش زينب اضطراراهن للحلول مكان الرجل المعيل في العائلة، الذي يكون إما قد قتل أو اعتقل، أو بقي متواجداً ولكنه خسر عمله.

إحدى هؤلاء السيدات هي أم رفعت (28 عاماً)، التي انتقلت إلى المركز بعد أن دُمّر بيت العائلة في ضاحية جوبر وسُرقت محتوياته. عندما تعود أم رفعت من معمل لتجفيف “قمر الدين” (حلوى تصنع من المشمش) عليها أن تنظّف ركنها في مركز اللجوء وتحضّر لزوجها الغاضب الطعام والشاي.

تقول أم رفعت إنها تتحمل استياء زوجها لأنه خسر عمله في أحد معامل الحلويات، إلا أن الزوج ليس وحده من تدهور وضعه الوظيفي، فأم رفعت هي الأخرى خسرت وظيفة بعقد رسمي في مصنع لإنتاج الأجبان في إحدى ضواحي دمشق، أغلق أبوابه بسبب القتال، وكان العقد مسجّلاً لدى “المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية”، لتعمل في وظيفة موسمية.

تضطر أم رفعت للتنقل لمدة ساعتين للوصول إلى مركز عملها الحالي، وتعمل لمدة ثماني ساعات مقابل راتب شهري يبلغ عشرة آلاف ليرة شهرياً، أي حوالي مئة دولار أميركي، وهو يعتبر دخلاً متدنياً في الظروف الراهنة.

تقول أم رفعت “لولا الحاجة لما قبلت بهذا العمل بهذه الظروف غير الآمنة وغير المستقرة… رغم سوء حالتي الصحية، فأنا أعاني من ارتفاع السكري وضغط الدم اللذين نجما عن الحوادث المفجعة التي شهدتها خلال العام الماضي”.

مها (34 عاماً)، هي ممرضة تعيش أيضاً في المركز نفسه، حيث تؤدي خدمات طبية للنازحين الآخرين مقابل أجر زهيد. أما زوجها، فهو لحام عاطل عن العمل، يعمل في بعض الأحيان في مطبخ المركز.

تقول مها إن الكثير من الرجال يعتمدون على النساء في تأمين قوت العائلة، مفسرين ذلك بوجود الخطر الأمني عليهم، وتضيف “الرجال هنا في المركز يطيب لهم الجلوس بدون عمل، متحججين بنوعية العمل التي لا يقبلون بها أو بخوفهم من الملاحقات أو القناصين أو الخطف أحياناً” وتضيف أن الرجال يعتقدون أن “المرأة لن تتأثر إن عملت في شطف الدرج أو خدمة المنزل أو الخياطة فعملها كله في أماكن آمنة….”

معظم الأعمال التي تقوم بها النساء النازحات هي أعمال يدوية، كما تؤكد سلام، وهي أخصائية نفسية تعمل في قضايا المرأة والطفل في أكثر من مركز للنازحين في دمشق، وتضيف سلام أنّ النساء يضطررن إلى القبول بوظائف في سوق العمل غير الرسمية وبأي أجر لكي يحللن مكان الزوج الذي توفي أو سجن أو خسر عمله، وبالتالي يفتقدن للتأمينات والتعويضات والرعاية الصحية.

ويشير الأخصائي الاجتماعي مصطفى، الذي عمل في السابق مع اللاجئين العراقيين في سوريا، إلى أنّ عمل المرأة يجب أن يكون نقطة يتم الارتكاز عليها من أجل تعزيز وضعها وتدعيم ثقتها بنفسها، وذلك عبر برامج تعليمية واجتماعية، ولو كان ذلك في مراكز إيواء النازحين.

وقد بدأت بالفعل عدة جمعيات أهلية مبادرات داخل مراكز النزوح، تهدف إلى تدريب النساء على الأعمال اليدوية مثل الخياطة أو صنع الحقائب.

ويضيف مصطفى: “من الضروري منح النساء العاملات التقدير والاعتزاز، خاصة أمام الآخرين ومع صمودهن وثباتهن في مواجهة أزمات الحياة وإزالة نظرات الترحم والإشفاق كما انه يجب أن يكون هناك سعي حثيث لتعليم هؤلاء النساء المهارات الاقتصادية اللائقة للعمل وإيجاد التسهيلات لحصولهن على العمل” ويعتبر مصطفى أيضاً أن إشراكهن في النشاطات الاجتماعية أمر له أهميته الواضحة فهو يخلصهن من الشعور بالوحدة والعزلة والكآبة والقلق كما انه يجعل نظرة المجتمع لهن نظرة سليمة.

في ظل أزمة لا تبدو بودار حلها قريبة، تتابع النساء النازحات عملهنّ، متحملّات شتى أنواع المصاعب.

تؤكد أم رفعت أنها مستعدة للصبر على العمل الصعب الذي تؤديه في تحضير حلوى “قمر الدين”، وتقول “في السابق لم يبخل علي زوجي بأي شيء وهذه أسرتي، أولادي. لن أتركهم للحاجة وأنا متعودة على العمل وأستطيع أن أصبر”.

* مريم عبد الله هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا