ظاهرة انتشار الشبيحة
صعد الحافلة حاملاً هراوة مزينة بسلك نحاسي، لصق عليها بعض الصور الصغيرة: الرئيس بشار وأخوه باسل والأب حافظ. نظر إلى المسافرين الجالسين. اختار مقعداً مزدوجاً وجلس مانعاً أي شخص من الجلوس قربه. معاون وسيلة النقل لم يقترب منه، بل اكتفى بهز رأسه، ليقول للسائق أنه شبيح! مشهد مألوف في المدن السورية اليوم.
الشبيح الكلمة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين السوريين تعبير عن أعوان عناصر الأمن في القمع للمتظاهرين الذين يهتفون بالحرية.
لكن الشبيح كلمة متعارف عليها (قبل فترة من الزمن تتجاوز الستة أشهر) بأنهم قاطعي الطريق في الساحل السوري، بعد أن شكل كتائبهم هارون الأسد (شيخ الجبل) وفواز الأسد بداية الثمانينيات من القرن الماضي واتخذوا من جبال الساحل مأوى لهم، يسرقون ويقطعون الطريق ويعتدون على المارة عدا عن حالات الاغتصاب التي رواها العديد من الأشخاص وحالات القتل التي لا يجرؤ أحد أن يتكلم عنها.
وتختلف مواصفات الشبيح السابق عن الحالي. فمن كان يمتهن هذه المهنة لابد له من حلق الرأس وإطلاق اللحية مع ارتداء اللباس الأسود لينطبع لدى المتلقي شعور الرهبة والخوف من الشخص الذي أمامه ولينفذ طلبه وليطيعه بما يطلب، مما جعل الكثير من شباب الساحل يتمنى أن ينتمي إليهم. لكن الشروط المطلوبة للانتساب إليهم تتطلب ثلاث شروط: الأول الانتماء للطائفة العلوية، والثاني الولاء المطلق وتنفيذ كافة المهام دون أي سؤال بخصوص المهمة الملقاة على عاتقه، والشرط الثالث القسوة وانعدام الرحمة، حسب المعلومات التي تم التوصل إليها بعد الحديث مع بعض عناصر الشبيحة في منطقة الساحل.
امتهن الشبيحة ومن ورائهم شخصيات من آل الأسد تهريب المخدرات والسلاح واحتلال أراضي المزارعين ليجعلوا منها مزارع أسماك أو مواقف لسفنهم ويخوتهم ومنافذ لعمليات التهريب. ومن الصعب على الكثير من أبناء الساحل معرفة المساحات التي استولى عليها الشبيحة خلال فترة حكم آل الأسد.
كلف باسل الأسد من أبيه حافظ، بالحد من نفوذ الشبيحة في الساحل السوري. فقام بمكافحتهم والحد من حركتهم وعدم السماح لهم بالظهور للعلن كما السابق. وهناك تعارض في الأقوال حول ذلك. يقول البعض أن مهمة باسل كانت إظهاره بالرجل الإصلاحي ليكسب شعبية في الساحل السوري، وبين الشعب السوري. البعض الآخر يقول أنه لم يحد من الشبيحة وإنما حاول أن يحصرهم في بعض المناطق ككتائب دفاع ثاني أوقات اللزوم، لكن لا يوجد دليل على صحة المقولتين. ووفقاً لبعض الروايات السرية من وزارة الدفاع، فقد عادت أخبار الشبيحة تحتل الساحل السوري، لكن ليست كما السابق، وبقيت حتى ظهرت في الأوقات الحالية كظاهرة واسعة الانتشار.
الظهور الأول للشبيحة في انتفاضة الشعب السوري ظهرت في أحداث البيضة القريبة من مدينة بانياس الساحلية في نهاية شهر آذار/مارس عندما هجم الشبيحة مع عناصر الأمن السياسي والعسكري وأمن الدولة على القرية وقاموا بنهب واعتقال الكثير من سكانها، ليعمم بعد ذلك المصطلح على كافة الأشخاص الذين يساعدون عناصر الأمن والجيش في قمع التظاهرات في مختلف أنحاء سورية.
النسبة العظمى من الشبيحة في الوقت الحالي عبارة عن عاطلين عن العمل أو موظفين في الدوائر الحكومية. فالقسم الأول يتم تمويله بناء على عقود وقعها الشبيحة مع بعض رجال الأعمال التابعين للنظام، فيتلقون كل يوم مبلغ 1000 ليرة سورية (20 دولار)، فيما البعض الآخر اتفق مع أفرع الأمن على الخروج في التظاهرات فقط ليتلقوا مبلغ 2000 ليرة سورية (40 دولار) عن كل تظاهرة. فيما يأتي القسم الثاني وهم موظفو الدوائر الحكومية خاصة (مؤسسة الإسكان العسكري، موظفو بعض الدوائر في وزارة الدفاع، وموظفو بعض الدوائر الرسمية المدنية) ليتلقوا مبالغ 1000 ليرة سورية (20 دولار) عن قمع كل تظاهرة. ومن خلال حوارات مع أعضاء في الشبيحة، فمن الظاهر أن القسم الأول خاص بالشباب من الطائفة العلوية، فيما القسم الثاني يفضل أن يكون من الطائفة العلوية، لكن يشارك بعض الشباب من الطوائف الأخرى في قمع التظاهرات.
ومنذ أن عاد المصطلح لأذهان السوريين، باتت كلمة الشبيح مرادفة للقاتل المدعوم من السلطة، فلا يستطيع أن يوقفه أحد، فهم الآن سائقو سيارات أجرة يخالفون دون أن تجرؤ شرطة المرور على إيقافهم، ويصعدون الحافلات دون أن يدفعوا، ويوقفون السيارات ويفتشونها ولا يستطيع أحد أن يجادلهم. وبدأ السوريون يتخوفون من هذه الظاهرة، ولا مجال لردعها.
فأعدادهم قدرها البعض بما يزيد عن الـ 100 ألف شبيح، منتشرين في المحافظات الرئيسية في سورية (دمشق، حلب، حمص، اللاذقية)، لكن كما هي العادة في سورية، لا يوجد إحصائيات دقيقة لكل ذلك.
الشبيحة ظاهرة يتخوف منها الكثيرون. “لا يوجد قانون مكتوب لأعمالهم ولا لحراكهم، فكيف سيتم إيقافهم بعد أن شعروا أنهم فوق القانون” يقول أحد المعارضين للنظام. “هم جهلة وأميون شعروا بالقوة ولا يوجد سلطة في الوقت الحالي من الممكن أن تردعهم، فلا نعرف أي مستقبل سيواجهنا معهم” يقول معارض آخر.