ظاهرة العنف ضد الأطفال تنتشر في ريف إدلب

"في ظاهرة هي الأسوأ من نوعها انتشر العنف ضد الأطفال في ادلب وريفها ، تزامناً مع ظروف الحرب القاسية، وما خلفته من آثار سلبية على نفسيتهم وشخصياتهم، وتأخرهم الدراسي. "

يتعرض الطفل حسام (8 أعوام) للتعنيف المستمر من والده. ما جعله منزويا منطوياً على نفسه. يرفض الكلام مع أي كان، ويرفض حتى اللعب، وممارسة دوره كطفل.
في ظاهرة هي الأسوأ من نوعها انتشر العنف ضد الأطفال في ادلب وريفها ، تزامناً مع ظروف الحرب القاسية، وما خلفته من آثار سلبية على نفسيتهم وشخصياتهم، وتأخرهم الدراسي.
يتعرض الطفل السوري للكثير من مظاهر العنف الجسدي والمعنوي وفي كافة مجالات المجتمع، سواء في المنزل من قبل الأهل، أو في المدرسة ، والمؤسسات التربوية المختلفة، أو في أماكن العمل بالنسبة للأطفال الذين يضطرون لترك مدارسهم، والعمل لإعالة أهاليهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة التى تعيشها البلاد في الوقت الراهن.
الطفل حسام أحد أطفال مدينة معرة النعمان لم يستطع أن يخفي شعوره بالحزن العميق جراء معاملة والديه له وممارستهم للعنف معه. يشعر حسام بالوحدة فلا أحد يهتم به عندما يعود إلى البيت. هو يفضل الجلوس بمفرده في معظم الأحيان أو يتظاهر بالنوم طوال الوقت حتى لا يتعرّض للضرب أو التوبيخ.
يقول حسام شاكيا: “لا أستطيع أن أقول لأمي أي شيء، فهي مشغولة دائماً، وتؤنبني بشكل مستمر، وتقارنني بأصدقائي ممن هم أكثر ذكاء مني، فأنا بنظرها أناقش دائما بمواضيع تافهة”. يشعر حسام بأنه ليس طفلا جيدا ويتمنى الموت على أن يعيش مع والديه الذي يعتقد أنهما لا يحبانه.
الخبير النفسي والاجتماعي عماد العبدالله (36عاما) يقول: “تعتبر مرحلة الطفولة أهم مراحل حياة الإنسان العمرية، إذ يكتسب فيها الطفل المهارات والأساسيات الضرورية لاكمال حياته بشكل طبيعي، وليستطيع تحقيق أهداف رسمها في مراحل حياته اللاحقة”.
ويضيف العبدالله: “لا بد أن تكون مرحلة الطفولة مرحلة سعيدة تتضمن الحصول على كافة حقوقه في الأسرة بالدرجة الأولى، ذلك أن الأسرة بإستخدامها العنف ضد الطفل سواء بشكل معلن أي أمام العائلة أو بشكل غير معلن فإنها تهدد أمن الأطفال وسلامتهم ، وسوف يبقى هذا العنف راسخا في ذهن الطفل مدى الحياة” وينبه العبدالله إلى “أن العنف ضد الأطفال يتسبب لهم بمشاكل عديدة تتعدى مراحل الطفولة إلى مراحل متقدمة من العمر. يشعر فيها الطفل المعنف بالإكتئاب والأزمات النفسية”.
ويعتبر العبدالله: “أن من الأسباب التي تدفع الأبوين لاستخدام العنف ضد أطفالهم في زمن الحرب تراجع الوضع الإقتصادي للأسرة والبطالة والسكن الغير ملائم بالإضافة إلى ضعف التعليم وانتشار الجهل. ولحل المشكلة لا بد من توعية الأسرة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والمساجد ودور الشباب”.
ومن مظاهر العنف التي يتعرض لها الطفل، العنف الذي يمارس ضده في المدرسة. أم حسن ( 35 عاما) من ريف ادلب تعبر عن حزنها العميق لحكايات سوريا بسبب رفض طفلها حسن (9 أعوام) الذهاب للمدرسة من جراء العنف الذي يتعرض له من معلمه في المدرسة”.
حسن لم تعد المدرسة بيئة آمنة بالنسبة له، فهو يخشى من معلمه ويشعر بالإحراج من أقرانه الذين يتعرض دائما للتوبيخ والضرب أمامهم. أصبح يرفض اللعب أو الإندماج مع باقي التلاميذ وبالتالي أخذ مستواه الدراسي بالتدني نتيجة التأثير السلبي على شخصيته .
حسن واحد من أطفال كثر تعرضوا للعنف داخل أسوار مدارسهم سواء من قبل مدرائهم أو معلميهم أو زملائهم.
يحيى الخطيب (45 عاماً) مدير إحدى المدارس في ريف إدلب ينتقد الظاهرة ويقول لموقعنا: “إن ظاهرة العنف ضد الطفل في المدارس وانتشارها الواسع في السنوات الأخيرة أثرت بشكل سلبي على مسيرة الطفل التعليمية. ووضعت بين الطفل والمدرسة حاجزاً مرعباً، الأمر الذي أدى بالتالي إلى الإرتفاع الكبير بنسبة المتسربين من المدرسة”.
وأكد الخطيب “أن ضرب الأطفال سواء في البيت أو في المدرسة من أجل إجبارهم على الدراسة أتى بنتائج عكسية على الأطفال، سواء من الناحية الأخلاقية أو النفسية أو التعليمية” .
أخصائية إرشاد نفسي أماني اليوسف (٣٧ عاما) تشدد على أهمية “التوجيه والإرشاد الوقائي في المدرسة من أجل تعريف الطلاب وأولياء أمورهم ومعلميهم بأساليب رعاية الأطفال، وكيفية التعامل معهم، وتنشئتهم التنشئة الخلقية السليمة، المبنية على المحبة والتراحم والعطف، وأن نغرس بالأطفال الثقة بأنفسهم، ونعزز التقدير لذواتهم، بما يقوي من شخصياتهم تجاه المواقف التي تواجههم، ومساعدتهم على اختيار الرفقة الطيبة”.
وتقول اليوسف: “كما ينبغي تشجيع الأطفال على إبلاغ أولياء الأمور أو إدارة المدرسة أو المرشد الطلابي عن أي مقدمات للإيذاء، وبأي صورة من الصور، وتعريفهم بالأساليب التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم عند مواجهتهم لبعض الأخطار، كالإعتداء عليهم بالضرب والتخلص من الوقوع تحت مظلة التهديد بكل أشكاله”.
ومن مظاهر العنف المؤلمة أيضا التي تعرض لها أطفال ادلب في ظل الثورة عمالة الأطفال مقابل أجر زهيد، وحرمانهم من التعليم.
عن الحلول للتخلص من هذه الظاهرة يقول عضو المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان محمود الأسعد (30 عاماَ) لحكايات سوريا: “إن العنف ضد الطفل بغرض تربيته هي طريقة عقيمة جدا وسقيمة وتدل على نقص الخبرة والتجربة وضعف العقل وقلة الصبر والحيلة”.
ويلفت الأسعد إلى “أن تربية الأبناء تحتاج إلى صبر وحلم وعلم وفهم ودراسة وقراءة ، فالعنف يهدم كل شيء، يهدم الشجاعة والمعرفة ويبث الخوف في قلب الطفل ويجعله انطوائيا ولا يستطيع الدفاع عن نفسه بل وتجده مرتبكا وقد يتعرص لامراض كثيرة”.
“لا بد من نشر الوعي بنتائج العنف ضد الأطفال ومردوده السيء على الأسرة والمجتمع وآثاره النفسية والجسدية الخطيرة على حياة الطفل، وذلك بتفعيل دور المؤسسات التربوية والإعلام للتعريف بمخاطر العنف وتوجيه الآباء لأساليب التربية الصحيحة، وتأهيل المعلمين وتفعيل تدريبهم للحد من العقاب المدرسي. ووضع قوانين صارمة تردع كل من يريد التعرض للطفل بإيذاء جسدي أو معنوي” حسب ما يقول الأسعد.
وبدوره اخصائي الطب النفسي منصور الحايك (49 عاماً) يقول: “الأطفال هم الشريحة الأضعف في أي مجتمع، وذلك بسبب عدم اكتمال نموهم الجسماني والنفسي. فهم بحاجة الى الرعاية والعناية بشكل كبير لايصالهم إلى بر الأمان بحيث يصبحون قادرين على الاعتماد على انفسهم”.
ويضيف الحايك: “العنف ينتج جيلاً خانعاً ضعيفا فاقداً للثقة بالنفس والغير، منطوياً غالباَ على نفسه معزولاً عن الاخرين ، وهذا ما يؤدي به إلى تصرفات شاذة سلبية ونشاطات غير صحيحة او غير اخلاقية”.
ويختتم الحايك حديثه قائلاً: “الطفل رزق من الله تعالى فكم من عائلة محرومة من الأطفال، فلا بد من حفظ هذه النعمة التي لايعرف قيمتها الا من افتقدها، لذلك لا بد من رعاية الطفل رعاية كاملة بعيداً عن العنف، رعاية تكفل له الصحة والتعليم والإنفاق والتربية، فعندما يتعافى الطفل يتعافى كل المجتمع”.