طلاقي الذي ناضلت من أجله

طفلة تؤدي دور الأم في إحدى حفلات برامج الدعم النفسي للأطفال بريف إدلب الجنوبي

لطالما كان أبي يواسيني فيأصعب لحظات ضعفي بقوله: “أن تعالج ألمك بنفسك تلك هي القوة” عبارة لن أنساها ما حييت. كنت في الـ 12 من عمري حين تم عقد قراني في 14 فبراير/شباط 2012، وحصلت على طلاقي في 24 مايو/ أيار 2019.

أيام حزينة، صوت القذائف، أنين الناس، قلة الحيلة، هذا ما رأيته وأنا طفلة في أول عمري، يوم جمعة العشائر  كان من أظلم الأيام على ارتباطي بالشخص الذي سلبني جميع حقوقي .

بسبب الأوضاع الأمنية منعت أن أكون بجانب عائلتي التي نزحت من معرة النعمان إلى مناطق النظام. وحفاظاً على ابنتهم الصغيرة والجميلة من الاغتصاب أو الاعتقال،  كان زواجي من ذلك الرجل هو الحل الوحيد. ولم تكد تمرّ بضعة أيام على زواجي من رجل يكبرني بـ 22 عاماً، حتى نزح جميع أهلي وأقاربي من المدينة إلى أماكن بعيدة جداً ولم أعد أراهم أبداً.

أقمت معه في غرفة من منزل ضم سبع عائلات. كنت أتعرّض للإهانة من جميع الأشخاص. كنت الغريبة الوحيدة بينهم. والإهانة الأكبر من الزوج، بالضرب والكلام الذي لا ينطق به أي إنسان خلوق على وجه الأرض. 

تمضي الايام لأسمع هاتفي يرن، وصديقاتي يضحكن بروح مرحة وفرح. نور: ألن تقدمي معنا امتحانات التاسع ؟ غصصت بدمعة كادت ان تخنقني ولم أجبهم بأي كلمة. أنهيت الاتصال والدموع تغمر وجهي. سألني أخ زوجي: ما بك؟ فقلت له: أريد أن أكمل دراستي ولكن لا أحد يساعدني. فاجأني بقوله: أنا سأساعدك في كل ما تحتاجينه. مسحت دموعي وارتسمت على وجهي ابتسامة مليئة بالتفاؤل. وبدأت بالتحضير. مضت الأيام سريعاً، وبفضل من الله حصلت على شهادة التاسع بمعدل ممتاز، اندهشت منه جميع زميلاتي وصديقاتي.

ومضت الأيام وأنجبت ديمة، طفلتي الأولى، في ظل تلك الظروف المأساوية. أما ابنتي الثانية مرح فأنجبتها حينن كنت في سن 17 عاماً. عدنا بعد شقاء وذل وإهانة إلى بيتنا الذي تهدمت نصف جدرانه وجميع مداخله. وبدأت بالبحث عن أي عمل أكون به قادرة على  أن أساعد زوجي في حياتنا المعيشية وسد متطلبات حياتنا الأسرية. حينها كان زوجي يخسر جميع ما يجنيه من عمله على أشياء لا أستطيع البوح بها. 

لجأت إلى شبكات التواصل الاجتماعي وبدأت التسجيل في  جميع إعلانات الصفحات، لأرى صديقاتي اللواتي دخلن فروع عدة، كنت أصاب بالإحباط، على ما مررت به، وما أنا عليه. وما هي إلا أيام قليلة حتى تلقيت اتصالاً من إحدى المؤسسات يخبروني فيه عن موعد الاختبارات. و بالموعد المحدد، وبروح يعلوها الحماس والتصميم اتجهت لمكان العمل لأكون من الناجحات في المسابقة، لم اصدق ما أكرمني الله به. 

 بدأت العمل سنتين متواصلتين. جميع من في العمل تلفته قوة انتباهي، ونجاحي في عملي. كلفني مديري بمنصب آمرة زمرة، تذمرت جميع الموظفات من ذلك القرار. ولكنني كنت قادرة بمشيئة الله ان اكون عند حسن ظن البعض بي.

هبة صديقتي المقربة وزميلتي في العمل، طالبة في كلية التمريض ،متفوقة بين زميلاتها، دعتني لحضور حفل تخرجها من الكلية. ذهبنا سوية إلى صالة التخرج. أذكر هبة وفي عينيها دمعة لا يمكن نسيانها، تقول: “عقبالك”. تلك الكلمة أعادتني إلى أيام حلمت أن أكون في هذا المكان والناس تهنئني ولكن الله قدر وما شاء فعل. 

في طريق عودتنا إلى المنزل شجعتني هبة على إكمال دراستي. وعدتني أنها ستساعدني في جميع ما أحتاجه. اقتنعت وصممت بمشيئة الله أن اكمل دراستي. عدت إلى المنزل وأخبرت زوجي بقراري. لكن  الرد كان قاسياً جداً، مع كلمات تدفع إلى الإحباط واليأس والإذلال. لم أكترث وبقيت مصممة على قراري. وبدأت بتحضير دورات للثانوية. وكانت هبة تساعدني في جميع ما احتاجه، ولكن زوجي يتذمر وبشدة. كان الأمر صعباً، ولكنني فعلتها .

كانت الحياة صعبة بالنسبة للظروف المعيشية. ومع الزوج وأهل الزوج، حيث كان الحل الوحيد لإنهاء أي نقاش هو الضرب، عائلة توسوس وتؤمن بالشعوذة والسحر، حالات من الهلع والرعب والخوفعشتهابينهم.

صباح يوم الأربعاء كنت أستعد للذهاب إلى عملي، انقضّ علي بالصراخ، ومن ثم بالضرب. أخبرني أنه لن يسمح لي بالعمل بعد اليوم. ولن أكمل دراستي ولن أفعل أي شيء إطلاقاً.أجهشت بالبكاء، اتصلت بأبي ليوصلني إلى مكان عملي أتى أبي وأوصلني إلى مكان عملي، دون أن يسألني أي شي. كنت في حالة قهر وإحباط. وبعد العمل عدت إلى منزل أهلي لآخذ طفلتي وأعود إلى منزلي. لكن زوجي كان قد جاء بغيابي وأخذ طفلتي وذهب. في إشارة إلى أنه لم يعد يريدني.

فوجئت بتصرّفه ولكنني لم أكترث. ظننت أنها أيام وينتهى الأمر. أيام قليلة وذهبت إلى عملي، فاجأني في مكان العمل حيث طالب بفصلي وسط ضجة افتعلها بين الموظفين والموظفات. أسرعت وقدمت استقالتي من عملي لأشتري كرامتي بين الناس. عدت إلى منزل اهلي حيث عانقت أمي بحزن شديد وبكلمة الحمد لله.

شهور مضت وكنت مصابة بالاكتئاب، لا أكلّم  أحداً ولا أرى إلّا قلّة من الأشخاص. يحترق قلبي على ما يفعله بي وعلى حرمانه لي من طفلتيّ، ولم تنته القصة هنا، استيقظت من الصدمة الأولى لأرى شرطياً يسلمني برقية يبلغني فيها الحضور إلى قسم الشرطة المدنية. أصبت بحالة هلع ورعب شديد كاد يقتلني. وبدأت بترديد كلمات متقطعة لا إرادية: أنا؟ لماذا؟ ماذا فعلت؟

توجهت مع أمي وأبي إلى قسم الشرطة حيث أخبرني المحقق أني متهمة بسرقة مبلغ مالي وقطع ذهب وأشياء أخرى من منزل زوجي. أجبت فوراً أن هذا غير صحيح. ولكن المحقق صرخ بي بقوة في محاولة لإخافتي لعلّي أعترف إن كنت مذنبة. بعد ساعات عدة من التحقيق تمت تبرئتي من جميع التهم الموجهة إلي.

خرجت من ذلك المكان، وبالرغم من أنها ساعات قليلة، إلّا أنني شعرت بحياة جديدة، بقوة روح وجسد، وصلابة قلب جبار. لن أبقى هكذا، لا أحد يستطيع اتهامي بشيء أخلاقي لا تسمح لي أن افعل شيئاً كهذا. توجهت مسرعة إلى المحكمة الشرعية حيث تقدمت بدعوى تفريق وشقاق. وبعد إخبار القضاة بما فعله ذاك الرجل بي، وعلموا بكذبه أنصفوني بالحق. بقيت ثلاثة أشهر أتابع المحكمة الشرعية متنازلة عن جميع حقوقي وحضانة طفلتي مقابل الطلاق.  كان يرفض تطليقي رغبة بإذلالي  رغم أنه كان قد تزوج بأخرى.

عقدت المحكمة بتاريخ  مايو/أيار ٢٠١٩، جلسة حضرناها معا، قال له القاضي: إن لم تقبل بتطليق زوجتك سوف تطالب بجميع حقوقها وحضانة أطفالها. رد على القاضي بعد صمت: أوافق على قرار الطلاق. وبدأ القاضي يلقنه ما يقول .تمت التفرقة، وانتهى الكابوس، وشعرت بعائق ثقيل  ابتعد عن طريقي، ومن ناحية اخرى تمزق قلبي على طفلتيّ اللتين ستبقيان بدون أم . خرجت من المحكمة كالمنتصرين، عدت إلى المنزل لأرى جميع أهلي وإخوتي ينتظرون لتهنئتي بخلاصي منه.

لن تتوقف الحياة على رجل أو امرأة، التجارب القاسية ليست فبفشل، هي قصة نجاح لم نتخيلها يوماً ما .

أسينات محمد (22 عاماً) من مدينة معرة النعمان أم لطفلتين. حائزة على شهادة في التمريض، متطوعة في منظمة من منظمات المجتمع المدني.