صديقي الخيالي يحبني

"جلسنا على الكرسي في المستشفى، قال لي بأنه يحبني منذ ولادتي وأنه حزين لما حصل لي. ثم غفوت وهو يتحدث، لا أذكر كل ما قاله ولكنني حينما استيقظت وجدت نفسي نائمة على الكرسي"

في البداية أريد أن أقول أن طفولتي كانت جيدة ولكنني كنت أعاني قليلاً من القيود وتحمل المسؤولية … وكنت أعتقد طوال تلك السنوات أنني في حلم، وأن ما يحدث معي ليس حقيقة وسأستيقظ يوماً ما…
كثيرة هي الأشياء الغريبة التي كانت تحدث معي. كان لدي شخص كظلّي، يرافقني أينما ذهبت يتحدث معي بخيالي ويظهر لي بأحلامي .
كبرت وأصبحت فتاة مراهقة، ولكنني أكره نفسي بشدة … والدي كان يكرهني كلما كبرت ويزيد كرهه مع الأيام أكثر فأكثر… لا أعلم ما هو السبب ،المهم أنني لم أعد أطيق والدي… لدرجة أصبحت أشك في أنني لست ابنته … وفكرت كثيراً في الهروب عندما أنتهي من دراستي لأعيش وحيدة. ولكنني أيضاً لم أستطع فعل ذلك، لأنني لن أستطيع العيش بعيداً عن أهلي وأقاربي وأحبتي … فالفراق صعب جداً.
استسلمت للأمر الواقع، ذلك أنني ولدت في عائلة متشددة ومعقدة، وما علي إلا الصبر… بالنسبة لعلاقتي مع الآخرين فأنا مختلفة جداً عن الفتيات الأخريات، وهذا يزعجني. لا أرى أحداً يشبهني أو يفهمني. أشعر أنني آتيه من الماضي لا أنتمي إلى هذا الجيل.
لا أقول أنني وحيدة فتصرفاتي الغريبة والمزاجية كانت تعجبهم. لدى أصدقاء كثر، ومع ذلك أشعر بالوحدة… الشعور بالوحدة ليس سيئاً … ولكن السيء حينما أكون وحدي أتكلم مع شخص غير مرئي أضحك معه. أخبره تفاصيل حياتي، وأحيانا أسأله هل أنت حقيقة موجود ! فيجيب أن علي ألا أسأله مثل هذه الأسئلة مرة أخرى .
خلال دراستي الجامعية لم يتوقف والدي عن ضربي، لا بل زاد. كثيرة هي المواقف التي بقيت محفورة بذاكرتي، لم استطع نسيانها. حاولت كثيراً ولكن لم استطع نسيانها … وكنت أشكو همي دائماً خلال طفولتي للشخص الخيالي الذي كان يأتي لخيالي، نتحدث سويا،ً أسمعه و يسمعني واذا ما غفوت نكمل حديثنا بالمنام.
كان لطيفاً أستمتع بالتحدث معه، صديقي الخيالي بقي معي طوال حياتي، لا أدري لربما ما سببه والدي لي من إلم في حياتي جعلني أتخيل أو أتوهم. أو لربما هو حقيقي، لا أعلم .
آخر حادثة حصلت معي لم تكن كأي حادثة قبلها. ففي يوم من أيام الشتاء الماطر، عاد والدي إلى المنزل وكان جائعاً جداً، فلم يجد طعاماً. كانت امي قد خرجت من المنزل لتشتري بعض الاغراض فضربني على وجهي حتى دخت واستفرغت على الارض.
وبقيت في حالتي هذه مرمية على الأرض حتى أتت أمي، كنت غائبة عن الوعي. اتصلت أمي بالإسعاف وأخذوني إلى المشفى. في المشفى أخبرني الطبيب بأن أذني قد ثقبت وأحتاج إلى عملية لترقيع غشاء طبلة الأذن.
وسأل الطبيب: لأنه لا يوجد التهاب في الأذن كيف ثقبت؟ هل ضربها أحد؟ أجابت أمي أن الكرة قد صفعت وجهي، وهذا ما تسبب بثقب أذني. حزنت كثيراً لما قالت. كم تمنيت في ذلك الحين أن أخبر الأمن عما حصل لي.
بعد العملية وفي الساعه الرابعة صباحاً استيقظت على صوت يقول لي: هيا بنا. ثم سحبني من يدي وهو يقول لي: هيا. قلت: لا أريد، أشعر بالنعاس … فجأة شعرت بأن أحداً يحملني من سريري، والمشكلة أنني لم أخف بل قلت له أول مره أشعر بك، هل أنت حقيقي ؟
لقد كان ذلك الصديق الخيالي الذي يتحدث إلي بخيالي منذ طفولتي. جلسنا على الكرسي في المستشفى، قال لي بأنه يحبني منذ ولادتي وأنه حزين لما حصل لي. ثم غفوت وهو يتحدث، لا أذكر كل ما قاله ولكنني حينما استيقظت وجدت نفسي نائمة على الكرسي، أيقظتني أمي وسألتني: لماذا تنامين هنا؟ لم أجبها.
خرجنا من المستشفى وعدنا الى منزلنا من جديد … لم أكن مرتاحة لعودتي للمنزل. كنت خائفة جداً. كانت حالتي الصحية متعبة وأذني تؤلمني وأشعر بدوار في رأسي. وبالرغم من كل مرضي وتعبي لم أكن أرغب بالعودة الى ذلك المنزل. كنت خائفه من أن يضربني من جديد.
وكانت ببالي كل الذكريات السيئة تعيد نفسها كيف صفعني بكأس الماء، فقط لمجرد اختلاف وجهتي نظرنا، وتذكرت أيضاً حينما طلبت منه أن أبقى عند صديقتي لأنام عندها، حينما عدت الى المنزل ضربني حين رآني. كنت أتمنى أن أتذكر مرة واحدة ضربني فيها لأنني أخطأت …
وبالرغم من كل ما يدور في رأسي من ألم وذكريات سيئة، لا أستطيع أن أغير شيئاً، فهذا قدري. بعد اجرائي للعملية استمرت أذني تؤلمني كثيراً، واحياناً كنت أستيقظ في الليل وأنا ابكي من شدة الألم. لم أتحسن بعد العملية. وبعد أسبوع التهبت اذني كثيراً ، فذهبنا للطبيب وأخبرنني أنني إذا لم أتحسن على الدواء من المحتمل إجراء عملية أخرى.
في تلك الفترة حاولت الاهتمام بمواعيد الدواء وبعد شهرين شعرت بتحسن والتأم غشاء أذني. ولكنني لم أستطع تجاوز الأمر مع نفسي. بقي بداخلي كره شديد لوالدي، انتظرت أن يتقدم لي أي عريس مناسب حتى أترك والدي ولا أريد رؤيته بعد ذلك.
ولكن سرعان ما تغير كل شيء بداخلي حين مرض والدي. فبينما كنت في الجامعة أتابع محاضرة اتصلت أمي بي. لم استطع أن أجيب ولكن حينما عاودت الاتصال اكثر من 6 مرات، خرجت من المحاضرة واتصلت بها. أخبرتني بأنهم قد نقلوا والدي إلى المشفى بعد حادث بالسيارة بينما هو مسافر لرؤية عمي الذي يسكن في مدينة في تركيا.
وذهبت مسرعة إلى لمستشفى، وحينما وصلت رأيت والدي بوجه شاحب على السرير وكانت ملابسه كلها دماء، خرجت من غرفة الانعاش وبكيت وتوسلت الله ألّا يضره فيبقي هو والدي. ثم بعد أسبوع تحسن الحمد الله وخرج من المستشفى، وقد تغير كثيراً معي، فلم يعد قاسي القلب كما كان في السابق .
ريما القاسم (23 عاماً) طالبة جامعية في كلية التربية وتعمل كمدرسة في روضة أطفال.