شنشراح الأثرية في حاس مهددة بالزوال

أحمد العكلة

“حياة أطفالي أهم من بقاء الآثار، فإذا لم نسكن هنا فمصيرنا هو أما الموت بقصف الطائرات أو البقاء في خطر”

(حاس – ريف إدلب) ينظر الطالب الجامعي عباس اليحيى (21عاماً) بعين الأسى لما حل بالقرية الأثرية الواقعة شمال بلدته حاس في ريف إدلب الجنوبي، بعد تهدم أغلب معالمها والتي يعود تاريخها الى آثار بلدة شنشراح حيث تنتشر خيم النازحين تصوير أحمد العكلةالعهد الروماني قبل مئات السنين. ويقول اليحيى “”كانت مكانا للتنزه والاصطياف لنا واليوم أضحت أثراً بعد عين”.

قرية شنشراح، أو ما يعرف حاليا بخربة حاس، هي قرية كبيرة نسبياً إذا ما قورنت بغيرها من قرى المدن المنسية أو ما يعرف بقرى الكتلة الكلسية والتي تتكون من نحو 800 قرية وموقعاً أثرياً، بُنيت في الفترة ما بين القرنين الأول والسابع للميلاد . يقدر عدد بيوت شنشراح بـ 150 بيتاً، وتحيط بها أراضٍ مزروعة بأشجار الزيتون والكرمة. تعرّضت هذه المدينة للتدمير عام 1099 ميلادية على يد الفرنجة، كما نتيجة قصفها من قبل قوات النظام من جهة وتحويلها إلى منازل سكنية وملاجئ من قبل النازحين من القرى المجاورة. و تضم هذه القرية ستة كنائس، إحداها يعود تاريخها للقرن السادس الميلادي وكانت معبداً رومانياً.

شنشراح التي تقع في منطقة جبل الزاوية وتبعد نحو 2 كلم عن قرية ربيعة و5 كلم عن مدينة كفرنبل، وإسمها يعني مكان الانشراح أو استراحة القمر بحسب ما يقول حسن (40 عاماً) وهو باحث في الشؤون التاريخية. وتتميز البلدة باحتوائها على عدد من البيوت, التي تتألف في أغلب الأحيان من طابقين، ومعصرة زيتون يعود تاريخها للعام 372 ميلادية، بالإضافة إلى عدد كبير من المدافن الأرضية. ومن أبنيتها المهمة والمميزة برج مؤلف من ثلاثة طوابق، يقع منفرداً إلى الجنوب الشرقي من المدينة، تم استخدامه كبرج متقدم للمراقبة يرقى إلى العهد الأيوبي. بالإضافة إلى خزانات مياه أرضية، كانت بالأصل مقالع حجرية. ويقول حسن أن آثار قرية شنشراح، أو خربة حاس، تعود للعهد الروماني البيزنطي بل و ترقى آثارها للقرن الأول الميلادي، وفيها كنيسة كبيرة أقيمت في القرن الرابع الميلادي على أنقاض معبد وثني، ويوجد في البلدة مسجد صغير من العصور الوسطى ومدافن وتوابيت، وفيها قبر منسوب إلى الفيلسوف اليوناني ديوجين.

مع اشتداد عمليات القصف من قبل قوات النظام على القرى المجاورة، شكّلت البيوت الأثرية ملجأ آمناً للسكان الذين هربوا من بيوتهم المدمرة، حيث قاموا بإعادة تأهيل الأبنية والمدافن الأرضية الأثرية على عجل وحوّلوها إلى ملاجئ، وبشكل بدائي للاحتماء من عمليات القصف ومن برد الشتاء وحرارة الصيف. وبالتالي أصبحت معظم معالم القرى الأثرية في المنطقة والتي يعود تاريخها إلى البيزنطي والروماني وتلك القصور والمعابد تعج بالحياة من جديد, لكنها تعاني من سوء الوضع الصحي والخدمي، بالإضافة إلى تعرّض الموقع والمباني الأثرية لعدد من التعديات تختزل المعاناة التي يعيشها الشعب السوري منذ اندلاع الثورة.

أم عبدالله (48عاماً) التي فقدت زوجها قبل ثلاثة أعوام تاركاً لها عائلة مكونة من خمسة أطفال، تقطن مع أبنائها في أحد الكهوف الأثرية. يعانون من البرد شتاءً، بشكل شبه مستمر، دون وجود أي نقطة طبية في المخيم.

قبل بداية الثورة السورية كانت السلطات الرسمية تهتم بهذه المنطقة، وتمنع عنها التعديات مثل قطع الاشجار الحرجية المجاورة أو نهب القصور الاثرية، خصوصاً أنها كانت تشكل عامل جذب للسياح من كافة دول العالم وخصوصاً السياح الأوربيين، بسبب تمتعها بمنظر خلاب وامتلاكها تحفاً أثرية ضربت في أعماق التاريخ. كما كان يتم الاهتمام بالتشجير  وبزرع أشجار السرو والصنوبر واللوز مما يعطيها شكلاً متجانساً وبديعاً. أما اليوم فتم قطع أغلب أشجار التي سبق أن تم زرعها بجوار القرية الأثرية من قبل السكان والنازحين بسبب طقس الشتاء البارد وغلاء أسعار المحروقات.

منع المجلس المحلي في بلدة حاس بالتعاون مع المركز الأمني في البلدة قطع الأشجار أو التعدي على البيوت الأثرية، وتمت مصادرة الأشجار المقطوعة والقبض على عدد من اللصوص وتقديم بعضهم إلى المحاكم، وطلب المجلس من النازحين تعهداً بالعودة إلى منازلهم وترك ملاجئهم في حال توقف القصف.

رئيس المجلس المحلي في بلدة حاس أبو محمد (46عاماً) يقول أن وضع المنطقة أصبح أفضل بعد السيطرة على معسكري وادي الضيف والحامدية، ولم تعد هناك حجة لبقاء النازحين فترة أطول طالما أن قراهم لم تعد تتعرض للقصف كما في السابق بسبب وقوعها كخط جبهة، ونحن طلبنا منهم العودة لأن هذه المنطقة الرئة الوحيدة للسكان الذي يمكنهم من خلالها التنزه .

يوافقه الرأي أيهم الشيخ (23عاماً) صاحب أحد المحلات لبيع المواد الغذائية إذ يقول: “يجب إخطار النازحين فوراً بالمغادرة من قبل الجهات المعنية بالأمر فعذرهم بوجود جيش النظام قد انتهى وعاد الكثير من السكان إلى قراهم فحياتهم ليست أغلى من حياة أبناء قريتهم”.

المهندس الكهربائي فيصل عكلة (52عاماً) لديه رأيه المغاير فهو يرى بضرورة إبقاء النازحين على الأقل في فصل الشتاء، فإذا خرجوا الآن لا يمكنهم تدبر أمورهم سريعاً، فهناك عوائل تهدمت بيوتها وبعضهم لا يملك ثمن استئجار أحد البيوت أو حتى شراء برميل مازوت.

يقول أبو أحمد وهو أحد النازحين من بلدة كفرومة إلى القرية الأثرية أن القصف المكثف على بلدته والذي أودى بحياة 4 أشخاص في المنزل المجاور لمنزله، أجبره على البحث عن أي مكان يستطيع أن يؤمن به على حياته وعلى حياة أطفاله. ويضيف أبو أحمد: “نعرف بأن هذه القصور الأثرية ستتضرر بسبب أتخاذها كملاجئ لنا، ولكن قناعاتي التامة بأن حياة أطفالي أهم من بقاء الآثار، فإذا لم نسكن هنا فمصيرنا هو أما الموت بقصف الطائرات أو البقاء في خطر”.