شبح الفقر يهدد عائلات المعتقلين السوريين

على حاجز بلدة حرستا في محافظة ريف دمشق أوقفتها دورية أمنية مدججة بالسلاح، وهي محملة بالسلات الغذائية والألبسة إلى عائلات المعتقلين والشهداء. صادر رجال الأمن السلات والألبسة، واحتجزوها لمدة ثلاثة أيام، ومن ثم أفرجوا عنها بضغط شعبي من أبناء منطقتها. لم تكن هذه المرة هي الأولى التي تقوم بها “وعد” ذات الثلاثين ربيعاً بتوزيع المعونة على عائلات فقدت معيلها إما قتلاً أو إعتقالاً، لكنها المرة الأولى التي تتعرض فيها للإعتقال ولمصادرة المساعدات وتقول وعد: “هناك العديد من العائلات التي تحتاج إلى السلات الغذائية وتحتاج إلى الألبسة في فصل الشتاء وفي ظل غياب المعيل الأسري”.

منذ بداية الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011 ما زالت الأجهزة الأمنية تمارس الإعتقال التعسفي والإختفاء القسري لعدد كبير من الناشطين السلميين، وما زال الآلاف منهم موجودين داخل الأقبية الأمنية على الرغم من مرور شهرين على إعتقالهم وهي المدة القانونية للتوقيف. ولا تعلم عائلاتهم عن ظروف إعتقالهم ومكان تواجدهم شيئاً. وحسب إحصائيات “مركز توثيق الإنتهاكات في سورية” VDC فإن عدد المعتقلين في سورية بلغ آخر شهر يناير/كانون الثاني 17985.

وفي ظل القمع الأمني والإعتقال العشوائي لا تملك عائلات المعتقلين في سوريا أي دعم مادي رسمي، أو حتى مدني بشكل علني بإستثناء بعض التجار وميسوري الحال الذين يقومون بتبرعات غذائية ومالية لتلك العائلات. وتنتمي “وعد” إلى مجموعة من الفتيات اللواتي يخرجن صباحاً إلى بعض التجار المعروفين بتضامنهم مع الثورة السورية. فيقدمن لهم قائمة بأسماء العائلات التي تحتاج إلى المعونة، ليقوم التجار بتأمين أبسط الأمور الحياتية كالسكر والشاي والرز والزيت وغيرها من المواد الغذائية الأساسية. إلا أن هؤلاء التجار يخافون أيضاً من بطش الأجهزة الأمنية إذا إنكشف أمرهم وهذا ما يؤكده منير صاحب محل الألبسة الأوربية المستعملة: “كنت أقوم بتقديم الألبسة إلى بعض عائلات مدينة بانياس في الساحل السوري على مدى أكثر من شهرين، إلا إن الأجهزة الأمنية إكتشفت أمري وقامت بملاحقتي ومداهمة منزلي لمرات عدة وتهديد أفراد أسرتي إن قمت بمساعدة هؤلاء المحتاجين”. وقد أغلق منير محله التجاري وهو الآن في حالة خوف دائم من الإعتقال: “رغم ذلك أحاول أن أساعد تلك العائلات من أماكن أخرى”.

عائلات سورية كثيرة غاب عنها المعيل الأسري، وغابت عنها أدنى متطلبات الحياة، مع هذا بقت مصرة على متابعة المشوار حتى النهاية، كما هو حال “سرور” أحد معتقلي الثورة السورية والذي بقي رهن الإعتقال ثلاثة أشهر وأفرج عنه بموجب العفو الرئاسي. إعتقل سرور برفقة أخويه خلال مظاهرة في مدينة دوما: “لم يبق في عائلتي سوى أختي الصغيرة، ولم يكن لدينا أي مردود مادي”. ولولا التكافل الإجتماعي وبعض الخيّرين من المواطنين، كما يقول سرور، لما كان يعلم المصير الذي كان ينتظر عائلته: “فالسلطة تضغط على عائلات المعتقلين حتى تكف الناس عن الخروج للمطالبة بالحرية والكرامة. مع هذا لست نادماً على خياري هذا ولن نعود إلى منازلنا حتى نحصل على حريتنا!”.

مشكلة العائلات السورية التي غاب عنها المعيل الأسري ليست فقط في المأكل والمشرب، وإنما في الإنخفاض الشديد في درجات الحرارة أيضاً. فمع الإنقطاع المتكرر للكهرباء وإنقطاع شبه تام لمادة المازوت تعاني الكثير من العائلات السورية وبخاصة عائلات المعتقلين وذوات الدخل المحدود من البرد الشديد. “دلال” وهي أم لإثنين من المعتقلين تذهب يومياً إلى محطات الوقود لعلها تحصل على كمية من المازوت تحمي بها أطفالها الصغار من البرد الشديد وتقول: “في مرات كثيرة لا احصل على المازوت بسبب الكميات القليلة التي تأتي إلى مناطق الإحتجاجات، والإزدحام الشديد على تلك المحطات”.

مازالت “وعد” وزميلاتها يمارسن واجباتهن في توزيع المعونة على عائلات المعتقلين والشهداء، ولا يخشين من الإعتقال أو الملاحقة الأمنية. وما زال “منير” يتواصل مع التجار لإقناعهم بمساعدة عائلات المعتقلين ويقوم بتوزيعها بنفسه رغم تخفيه عن الأنظار، والأضرار المادية الكثيرة التي لحقت به. وعاد “سرور” إلى نشاطه في التظاهر والمطالبة بحريته وحرية وطنه. و “دلال” ما زالت تنتظر أن تحل مشكلة المازوت في مدينتها وأن يتم الإفراج عن ابنيها.

إنها سورية التي تنتظر أن تحل الأزمة المستمرة فيها لأكثر من عشرة أشهر، والقتل والإعتقال التعسفي والإختفاء القسري مستمر أيضاً فيها. وما زال المواطن السوري ينتظر أن يلجأ النظام السوري إلى الحل السياسي بدلاً من الحل الأمني لمعالجة الأوضاع الراهنة، ويفرج عن جميع المعتقلين في سجون البلاد من أجل الإنتقال من سلطة الإستبداد إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية.