سوشال أهلية بمحلية

عصا صغيرة كفيلة بإخراجك من دوامة، لطالما حاولت الهروب منها. لكن ما لا نعرفه عن هذه العصا، أنها قد تأخذنا إلى دوامة أكبر وأوسع وأشد غرابة من التي نحن فيها. فـكيف وإن كانت تلك الدوامة هي مواقع التواصل الاجتماعي؟؟!!

عندما تُغلق في وجهك جميع الطرق الأخرى، وتفقد ثقتك بمحيطك القريب، فإنك لا محالة ستتمسك بكل قوتك بتلك العصا. وستعشق دورانك في تلك الدوامة. خاصة عندما تكون في سن التمرد واكتشاف الذات.

بيّنت دراسة أجراها يوريبورت، ضمن مشروع خالف تَعرف إن نسبة 61 % من فئة الشباب، تلجأ إلى تمضية معظم وقتها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لعدم وجود وسائل أخرى تشغل فراغهم الذي يشعرون به.

وتأتي بعدها نسبة 27 % يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بسبب فقدانهم الثقة بالواقع. وهذا ما يدفعهم للاعتماد بشكل كلّي في التواصل والوصول إلى المعلومة على الانترنت كمصدر للمعلومات بنسبة 44% وهي نسبة تلي أصحاب الخبرة والأهل والأصدقاء كمرجع أول بغض النظر عن مدى صحّة ومصداقية المعلومات.

وبرغم أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المنفذ الوحيد بالنسبة لهؤلاء الشباب للتعبير عن أنفسهم، عن آرائهم وأفكارهم إلا أنها في نظر 35% منهم محكومة ومقيدة بالكثير من العادات والتقاليد.

وتتجلى العادات بنظرهم بصورة واضحة في الأهل كدائرة أولى، لتتسع هذه الدائرة شاملةً الأقارب، الجيران، المعارف، والعلاقات الاجتماعية المكوّنة غالباً عن طريق الأهل. والذي يكون دورهم الأساسي هو نقل تلك الحارة الضيقة التي تعرف وتشبه بعضها من أرض الواقع إلى مواقع التواصل الاجتماعي مبررين ذلك بالحرص والقلق من ضياع أبنائهم أمام شبح السوشال ميديا.

وينتشر هاجس (شو بدها تقول العالم علينا) على وسائل التواصل الاجتماعي كما هو في واقعنا. ويكبر لديهم خوفهم من تقبل الآخر لصورة أبنائهم على مواقع السوشال ميديا. تقول نغم: “أهلي ينظرون إلى فايسبوك على انه مساحة غير ملائمة أخلاقياً للفتيات”..

ورغم اعتبار 57% من هؤلاء الشباب أن كتابات الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر عن آرائهم الشخصية، إلا أنهم في الحقيقة غير قادرين على مواجهة أهاليهم بوجهات نظرهم الشخصية على أرض الواقع.

كيف يعبرون عنها على السوشال ميديا وهناك آلاف كاميرات المراقبة الموجهة عليهم! وتقول رانيا: “من المستحيل إيصال وجهة نظري إلى أهلي، ففارق العمر والجيل المختلف يجعل من الصعب التفاهم معهم”.

بالتأكيد سيكون من الصعب إيجاد صلة وصل سهلة بين جيلين مختلفين، خاصة عندما يدخل عامل قادر حقاً على تكريس التباعد بينهم. وهذا ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي بين الأهالي واليافعين، الذين هم في مرحلة تأسيس كيانهم وشخصياتهم.

يبقى أن شخصيات أبناء هذا الجيل تتكون ضمن السوشال ميديا، متأثرةً بكل ما حولها من شخصيات افتراضية. الأمر الذي يثير ذعر الأهالي ويدفعهم للدخول في هذا العالم محاولين التقاط الفرصة المناسبة لإحاطة أبنائهم، وإيجادهم من جديد بعد فقدهم ضمن هذا الملعب الواسع.

لكن لهذا الدخول ضرائب قد لا يعلم ماهيتها الأهالي أنفسهم. فقد ينسى العديد منهم أن خبراتهم الحياتية الكثيرة ليست بالضرورة نافعة في مواقع التواصل الاجتماعي. وهي مواقع تحتاج لوعي ومعرفة مختلفة تماماً عمّا خاضوه.

وهنا تكمن الخطورة عندما يلجأ ذلك الأب أو تلك الأم إلى أحد أبنائهم ليتبادلو الأدوار في ما بينهم ويضعوا أنفسهم في موقع المتعلم المبتدئ الضعيف. تقول ريم: “نحن نعمل على زيادة الوعي لدى أهالينا حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.

والأمر الأكثر خطورة لدخولهم هذا هو تسليط الضوء بشكل أكبر على الشرخ والاختلاف الكبير الموجود بينهم وبين أولادهم. فـيركب كل منهم موجته الخاصة متجهاً نحو مجتمع يشبهه. تقول رندلى: “بالتأكيد نحن مختلفين عن أهالينا ووسائل التواصل الاجتماعي أظهرت هذا الاختلاف بشكل أكبر”.

إن وُجد بعض اليافعين المتقبلين لهذا الاختلاف والمتعايشين معه، فـهناك من هو غير مستعد لتقبّله خاصة وأن هذا اليافع بمرحلة تأسيس وتكوين وأكثر ما يهمه هو صورته أمام أصدقائه ومجتمعه الافتراضي، الذي قد لا يتفهم الأهالي خاصيته وأهميته.

يقول عمر: “من المريح ألا يستخدم أهلي فايسبوك تفادياً للإحراجات والانتقادات التي من الممكن يوجهوها لي امام أصدقائي”.
قد يكون من الصعب أن نرى أبناءنا وهم في سن حرج وسط مساحة لا نهاية لها من الفوضى، ونتركهم من دون رقيب. ولكن أليس علينا الانتباه إلى طريقة رقابتنا التي من الممكن أن تترك في أنفسهم أثراً لا يمحى من عدم الثقة بالنفس!

قد نصل يوماً ما إلى جيل كامل آخر يحتاج إلى الكثير من الدعم والتحفيز ليكون قادراً على قول رأيه من دون خوف أو تردد.