سوسن على الحاجز
اطفال من مدينة زملكا ورائهم بناء مدمر
"والآن بعد ما يقارب الخمس سنوات لا تزال سوسن تقبع في سجون النظام، ولا نعلم أكانت على قيد الحياة أم قتلوها."
استيقظ ابني الصغير صباح ذاك النهار وهو مريض جدا وحرارته مرتفعة. قلت لزوجي: علينا اخذ الطفل الى الطبيب.
ذهبنا من قريتنا الحاكورة الى قرية الحويز. فحصه الطبيب وأعطاه بعض أدوية العلاج، ولكن دون جدوى. كانت حالته تزداد سوءاً.
قررت عرضه على طبيب آخر. إنه الدكنور فايز جرجس دادو، أحد أمهر الأطباء في سوريا. ذهبت مع والدي إلى عيادة الطبيب في بلدة السقيلبية. بعد معاينته طلب اجراء فحوصات محددة وتحاليل تعوزها معدات غير متوفرة إلا في العاصمة دمشق.
كان زوجي مطلوب للنظام، فلم يستطع اصطحابي إلى العاصمة، ولكنه طلب إلى والدي القيام بهذه المهمة عنه. وهذا ما حصل. ذهبنا إلى العاصمة في اليوم التالي، وكانت حال ابني تزداد سوءاً. حين وصلنا إلى العاصمة اتصل أبي بأختي سوسن التي كانت تقيم في بلدة دمر البلد القريبة من دمشق.
ارتحنا عند اختي سوسن قليلا واكملنا طريقنا إلى مشفى الاطفال الواقع في وسط العاصمة دمشق. وبعد وصولونا بقليل حولونا الى المختبر لإجراء التحاليل. زبنتيجة التحاليل تبين أن إبني يعاني من مرض تليف الأمعاء، وسوف يحتاج لعلاج طويل حتى يشفى.
عدنا الى منزل اختي سوسن التي فرحت برؤيتها مجددا بعد غياب عام كامل بسب الحرب. ولكن مرض ابني كان يشغل بالي. كان علي إعادته إلى المشفى باكراً حيث يفترض أن يمكث هناك حتى يتحسن. وفي اليوم التالي ذهبت أختي سوسن معي إلى المشفى كي تبقى بجانبي، أما أبي فبقي بالبيت، وزوجها ذهب الى عمله.
وبعيد الظهر اتصل زوج سوسن ليخبرنا ـن أبي متعب قليلاً. قلت لسوسن أن تذهب لتطئمن عليه ولتهتم بمنزلها وانني سأكون بخير مع ابني وان لا داعي للقلق واننا سننتظر عودتها.
ذهبت سوسن ، وبقيت مع ابني كنا ننظر من النافذة، نراقب طرقات دمشق وطبيعتها. كنت أتألم وأنا أفكّر بما حلّ ببلادي الجميلة. وكنت أنظر في وجه ابني متسائلة عن المستقبل الذي ينتظره وينتظر أجيال سوريا الغد.
وبعد مرور ساعة على ذهاب سوسن اتصل زوجها يسأل عنها. أخبرته انها ذهبت. أصابه القلق كما أصابني. منزلهما لا يبعد كثير عن المشفى. ربع ساعة كافيه للوصول. حاولت طمأنته وقلت له ربما كثرة الحواجز على الطرقات أخّرت وصولها.
بت قلقة جدا على سوسن، لماذا لم تصل حتى الآن. وبعد مرور ساعة عاودت الاتصال بزوجها ليخبىرني انها لم تصل بعد. ذهب زوجها للبحث عنها في المشافي وعند اصدقائها لكن دون جدوى.
سوسن اختفت !
بدأت أشعر بالحزن والغضب والتعب والألم. أأخاف على إبني أم على أبي أم أقلق على أختي أم على أولادي الذين تركتهم مع والدهم في القرية. حلّ المساء ولم تأتِ سوسن. ومضت ليال ثلاث ولم يعلم أحد عنها شيئاً.
ظننا أنها اختطفت ولكن اتصال يوسف ابن خالتي وضع حدّاً للتمهنات. أختي سوسن معتقله بفرع المزة 205، كان الأمر صدمة للجميع. ماذا فعلت سوين حتى يعتقلوها؟ أخبرنا يوسف الذي كان مع النظام ورفض الانشقاق عنه، انهم اعتقلوها بتهمة أنها معارضة.
وبعد عناء طويل ومحاولات توسط عدة ومداخلات، سمحوا لنا بزيارة سوسن لمده عشرة دقائق. اأنا لم أستطع الذهاب وترك ابني بمفرده. ذهب أبي وزوجها. وبعد عودتهما اخبراني بما روته سوسن لهما.
كانت في طريق عودتها، وعند أحد حواجز النظام وأثناء تفتيش السيارة التي كانت تقلها، حاول العنصر الذي فتش السيارة التحرش بها فما كان منها إلا أن ضربته. وبدأت بالصراخ أمام الناس المتواجدين على الحاجز، فاعتقلوها بتهمة أنها معارضة.
لو أن سوسن قبلت أن ينال ذاك النذل من شرفها لكانت بيننا الآن. ولكن كرامتها أبت أن يمسّ أحد شرفها، ودفعت الثمن غالياً. سألها زوجها إن كان أحد قد تعرّض لها فأجابت وهي تبكي لا.
وعدهم رئيس الفرع انه بعد أن يتم تحويلها إلى المحكمه ستحاكم وتعود إلينا سريعاً. ولكن كلامه كان كذباً. لم يحاكموها بل قاموا بنقلها الى فرع سجن صيدنايا. هذا ماعلمناه من ابن خالتي يوسف. أما أنا فبقيت هناك شهراً كاملاً من اجل علاج ابني.
حين عدنا إلى القرية، كان أبي يخفي وجهه من الناس. الكل اصبح يعلم أن سوسن معتقلة عند النظام، والكل يعلم ما يحل بالفتاه عندما تكون داخل سجون النظام.
زوج سوسن تزوج بعد اعتقالها بأربعة اشهر. مات أبي على سريره إثر أزمة قلبية. مات وهو يبكي على شرف اختي سوسن ويخاف أن يكونوا قد لوثوه بأيديهم.
والآن بعد ما يقارب الخمس سنوات لا تزال سوسن تقبع في سجون النظام، ولا نعلم أكانت على قيد الحياة أم قتلوها.
فرح العمر (26 عاماً) من ريف حماه الغربي متزوجه وأم لاربعة أطفال تحمل الشهادة الإعدادية.