سوريون يرون في الهجرة إلى أوروبا أملهم الوحيد
منذ اندلاع الحرب في العام 2011، حاول الآلاف اجتياز رحلة العذاب ولكن قلة فقط نجحوا.
مناف حشاش
(ريف إدلب- سوريا) تقع قرية تلمنس في ريف إدلب الجنوبي وهي تخضع حاليا لسيطرة جبهة النصرة. تتعرض البلدة بين الحين والآخر لغارات جوية وقصف من قبل القوات الحكومية، وخاصة تلك المتمركزة في وادي الضيف المحاذي للقرية من الجهة الغربية.
أكثر من نصف سكان القرية البالغ عددهم نحو 20 ألف نسمة، نزحوا إلى أماكن أكثر أمناً داخل سوريا. وهاجر العشرات منهم بطرق غير شرعية إلى أوروبا، ولم ينجح في الوصول إليها سوى قلّة.
محمود (20 عاماً) الطالب الجامعي هو أحد هؤلاء القلة الذين نجحوا، ترك بلدته تلمنس في آب الماضي وهو اليوم يطلب اللجوء في النروج. خلال تواصله مع “دماسكوس بيورو” عبر سكايب وصف رحلته
الشاقة التي قادته إلى تركيا ومنها إلى الجزائر.
بعد يومين من وصوله إلى الجزائر، دفع محمود نحو 300 دولار أميركي لمهربين لمساعدته على العبور إلى تونس. يقول محمود قطع نحو خمسة كيلومترات على جانبي الحدود الجزائرية-التونسية سيراً على الأقدام، مع نحو 80 شخصاً بينهم سوريين وعراقيين وأشخاص من جنسيات إفريقية مختلفة. اجتازت المجموعة الحدود إلى ليبيا على متن بضعة سيارات تعود للمهربين.
وصلوا إلى مدينة زوارة الليبية الساحلية، حيث دفع كل منهم 700 دولار.
ركبوا البحر ليلاً قاصدين إيطاليا عبر مركب لمهربين محترفين. وحسب محمود دفع كل منهم ألف دولار أميركيلمجموعة مهربين أخرىتمتلك قاربا لعبور المتوسط.
“تغلبت على خوفي من البحر، خاصة وأننا نسمع من حين لآخر عن غرق مراكب لمهاجرين..” قال محمود الذي لم يسافر بحرا من قبل. “استسلمت لأحلامي ولإرادة المهربين.. ثم وجدت نفسي في مركب لا تتجاوز مساحته المئة متر مربع مع نحو 380 شخصاً”.
ويضيف: “رحلتنا البحرية استغرقت نحو 20 ساعة، تخللها مرافقتنا من قبل سفينة رومانية أوصلتنا إلى خفر السواحل الإيطالية، الذي أوصلنا إلى سواحل جزيرة صقلية الإيطالية”. العبدالله لا يعلم ما إذا كان المهربون أنفسهم اتصلوا بالسفينة الرومانية، أو أنها اكتشفتهم مصادفة، أو بالتنسيق مع حكومة أوروبية.
المهرّبون لا يسافرون في البحر مع المهاجرين، هم يرسلون قبطاناً واحداً فقط، عليه أن لا يسمح للكاميرات الأوروبية بتصويره، أو اعتقاله. بحسب ما يوضح البدالله ويضيف “ولكن قبطاننا لم ينجح في ذلك واعتقلته الشرطة الإيطالية بعد أن تم تصويره من قبل طائرة إيطالية على ما أعتقد”.
أشار محمود العبدالله إلى أنه تم تسجيل أسماء المهاجرين وبياناتهم وتغيير ملابسهم في ميناء في صقلية لم يعد يتذكر اسمه، وبعد ليلة في ذلك الميناء نقلتهم الشرطة الإيطالية إلى فندق في مدينة كاتانيا. تمكن محمود من الهرب من ذلك الفندق إلى مدينة ميلانو ليتجنب أخذ بصماته، حتى لا تعيده النروج إلى إيطاليا بموجب نظام البصمات المنصوص عنه في معاهدة دبلن لعام 2003، ووقعت عليها أغلب الدول الأوربية، ومنها إيطاليا والنرويج، والتي لا تجيز للشخص أن يتقدم بطلب اللجوء إلى دولتين موقعتين على المعاهدة، وإذا تم ذلك فعلى الدولة الثانية أن تعيده للدولة الأولى.
سافر محمود العبدالله إلى النروج بالقطار، بمساعدة مهرب دفع له مبلغ 400 يورو. وبعد أن وصل إلى أوسلو سلم نفسة للشرطة النروجية طالباً اللجوء الإنساني.
أجرت السلطات النروجية تحقيقاً مع محمود، أعطوه بطاقة شخصية ونقلوه إلى بيت خاص باللاجئين، ليعيش فيه مع مهاجر آخر من محافظة درعا، ومازال ينتظر قبول طلبه وإعطائه إقامة مؤقتة لمدة ثلاث سنوات. والسلطات النروجية تعطيه مبلغاً شهرياً قدره 2300 كراون، تكفيه طعاماً وشراباً وثمن السجائر بل ويزيد منها، على حد قوله.
محمود العبدالله، لم يتكيف حتى الآن مع برد النروج، ولكنه لا ينوي العودة إلى سوريا أبداً، ويقول ساخراً: “بلاد الغرب أوطاني”. ويطمح إلى مواصلة دراسته للآثار وبناء حياة جديدة ويحلم بالجنسية النروجية.
يوافق على ذلك والدا محمود العبدالله ، وتقول أمه: “لم يبق لنا في سوريا أمل في شيء.. لا يوجد في سوريا شيء سوى الخوف والموت.. سننضم إلى ولدنا إذا أتيحت لنا الفرصة مستقبلاً”.
في أيلول/ سبتمبر 2014، قدرت الأمم المتحدة بنحو ثلاثة ملايين عدد السوريين الذين لجأوا إلى دول الجوار ومنها لبنان، الأردن، ركيا والعراق. وبحسب آمنستي أنترناسيونال، استقبلت هذه الدول نحو 97% من لاجئي سوريا، ما يعني أن أعداد الذين يصلون إلى أوروبا بطريقة شرعية هي أعداد ضئيلة جدا. وتوقول آمنستي أن دول الاتحاد الأوروبي استقبلت نحو 12 ألف لاجئ. وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن أقل من 40 ألف سوري طلبوا اللجوء في الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من العام 2014.
الطريق إلى أوروبا صعب ومليء بالمطبات. وبحسب مكتب المنظمة الدولية للهجرة، فقط في العام 2014، غرق أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر في عرض البحر الأبيض المتوسط.
ليس كل من قصد أوروبا وصل. المزارع عبدالله الحمود (44 عاماً)، وهو من نفس بلدة محمود، ترك منزله في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ، قاصداً السويد. سلك بداية نفس الطريق الذي سلكه محمود تقريباً، ولكنه لم يفلح في الوصول إلى هناك. انتهت مغامرته في تونس بعد أن قبضت عليه الشرطة أثناء عبوره الحدود التونسية الليبية، واحتجزته لمدة ستة أيام ثم أعادته جواً إلى تركيا، ومنها عاد إلى بيته في تلمنس منهكاً متعباً مبدياً يأساً وتشاؤماً شديدين. ولكن بالرغم من ذلك ما زال مؤمناً بأن “عذاب أيام وأشهر في طريق السفر والغرق في مياه البحار والمحيطات أرحم من البقاء تحت ظلم نظام بشار الأسد وقصفه لكل شيء”.
يصف الحمود رحلته بأنها “مغامرة فاشلة، عدت منها إلى قريتي بخسارة 2350 دولار”. وفجأة ينفض عنه غبار التشاؤم واليأس قائلاً: “لكني سأعيد الكرة ولن أستسلم أبداً، سأهاجر إلى السويد مهما كلف الأمر.. سأبيع منزلي وأهاجر إلى السويد”.
وهو ما لا توافق عليه زوجته سوزان (35 عاماً) التي تقول: “لا أريد أن يبيع المنزل.. كفانا خسائر.. بإمكاننا اللجوء إلى تركيا والعمل هناك ثم العودة عندما تتوقف الحرب.. نحن سوريون وهذه أرضنا.. لا يعقل أن نهجرها بالمرة.. مهما طالت الحرب فلا بد ستنتهي”.
يعتقد النقيب في “حركة حزم” التابعة للجيش الحر باسم السعيد، وهو من أهالي القرية، ان الحل الوحيد لوقف هجرة السوريين تكون عبرإقامة منطقة عازلة تتسع للنازحين داخل سوريا، وفرض حظر طيران يستهدف نظام بشار الأسد، وتسليح الجيش الحر. و”عند ذلك فقط سيقف تهريب السوريين إلى أوروبا” يقول السعيد.