سوريون عطشى على ضفاف الفرات
أحمد البوليلي
بدأ المجلس المحلي في قرية الخريطة بالعمل على أحد أكبر المشاريع التي نفذتها المجالس المحلية بدعم من الحكومة السورية المؤقتة
(دير الزور- سوريا) يقول الحاج عبدالله (60عاماً) “كنت في ريعان الشباب وكنا ننعم بنهر صغير يجعل من قريتنا جزيرة فراتية, لكن بعد بناء سد الثورة في محافظة الرقة توقف نهرنا الصغير وبدأت
مأساة جديدة”.
في 15 آب/أغسطس الماضي بدأ المجلس المحلي في قرية الخريطة بالعمل على أحد أكبر المشاريع التي نفذتها المجالس المحلية بدعم من الحكومة السورية المؤقتة, وهو إعادة تأهيل مجرى النهر الصناعي الصغير الذي يصل طوله إلى 12.7 كلم، ويصل عرضه من الأسفل الى ثمانية أمتار ومن الأعلى الى 14 متراً, بكلفة وصلت إلى نحو 100 ألف دولار أميركي .
رئيس المجلس المحلي في قرية الخريطة محسن العليوي (40 عاماً) وخلال لقائه مع “دماسكس بيورو” يصف هذا المشروع بأنه “من أهم وأضخم المشاريع التي نفدتها المجالس المحلية في دير الزور, وهو عبارة عن إعادة تأهيل لهذا النهر الذي توقف منذ سبعينيات القرن الماضي”. ويقول العليوي “هذا النهر ينقسم من نهر الفرات في قرية زغير شامية مرورا ببلدة الخريطة وحوايج ذياب ثم يعود ليصب في نهر الفرات في بلدة عياش وكأنه أحد روافده”.
هذا النهر الذي جعل قسما كبيرا من القرى والبلدات السابقة الذكر كجزيرة فراتية، ساهم في ري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تقدر بألف هكتار، فضلاً عن أنه ساهم في إيصال المياه إلى أكثر من 60 ألف نسمة تقطن في القرى.
الناطق باسم المجلس المحلي في قرية الخريطة محمد حسان (25 عاماً) الموجود في تركيا لمتابعة بعض المشاريع الإنمائية الأخرى وسب تمويلها تحدث عبر الانترنيت لـ “دماسكوس بيورو” عما سيوفره هذا المشروع لأهالي المنطقة معتبرا أنه ” سيساهم في تخفيض نسبة الأجور المترتبة على ري المحاصيل بنسبة 50 في المئة. حيث سيسمح للأهالي والجمعيات الفلاحية بسحب المياه من هذا النهر مقابل مردود مالي مناسب يعود تحديده للمجلس المحلي في الخريطة”.
يتوسم الحاج عبدالله في هذا المشروع الخير الكثير “هذا العمل يذكرنا بأيام الشباب”. متمنيا على القائمين بهذا المشروع استمرارية العمل الجدي من أجل استثمار هذا النهر لري هذه الاراضي التي لم تعرف الري خلال السنوات السالفة. وأضاف عبدالله “كثيرا ما تباكى المهندسون في الأيام الماضية من الخوف على هذه الأرضي من التصحر ولكنهم لم يقدموا شيئا سوى الكلام”.
رضوان (26 عاماً) ورث عن والده قطعة من الأرض أشاد بهذا العمل الذي سيساهم في إحياء مساحات من الاراضي الميتة وقال “ورثت قطعةً من الأرض ولكنني لم أزرعها بسبب الكلفة المرتفعة، ولكنني الأن سأبدأ بحرثها وزراعتها كونها تقع إلى جانب النهر، وأصبح ريّها من أيسر الأمور”.
جمال هذه الجزيرة التي خلفها النهر كان سبباً مباشراَ في زيادة التكاليف، حيث سيضطر القائمون على المشروع إلى إعادة هيكلة الجسور لتسهيل التواصل بين المناطق داخل وخارج الجزيرة الصناعية. أمين العرسان (32 عاماً) المشرف الرئيسي على المشروع يرى “إن بناء الجسور على هذا النهر والتي من شأنها تسهيل التواصل بين المناطق على جانبي النهر, هو الاساس في ارتفاع تكلفة المشروع, ولكننا من جانب آخر نعتز بإنشاء هذه الجسور اذا نرى فيها تجسيدا للجسور التي هدمتها قوات النظام. كجسر السياسية, والجسر المعلق, والعديد من الجسور الاخرى”.
ويضيف العرسان “كلفة المشروع حسب الدراسة الأولية 100 ألف $ و قد أقر هذا المبلغ من قبل الجهة الداعمة، وهي الحكومة المؤقتة. و كانت الكلفة بهذا الرقم على أساس أن الآليات التي تنفذ المشروع من المصالح العامة ويتكفل القائمون على المشروع بتأمين الوقود اللازم لها. ولكن بما أن الآليات التي تنفذ الآن تعمل مقابل أجر فقد يحتاج المشروع لمبالغ إضافية لإنجازه على الوجه الأكمل”.
لعل هذا المشروع كان بصمة واضحة المعالم لعمل الحكومة السورية المؤقتة في الداخل السوري على الرغم من أن هذه المنطقة تقع تحت السيطرة التامة لمقاتلي الدولة الإسلامية.
ويلفت المهندس الزراعي حسن فيحان (48عاماً)”إن هذا المشروع جاء بعد صعوبة في ري مساحات شاسعة من الاراضي الأمر الذي ساهم في انخفاض مستوى المياه الجوفية الى 13 مترا وهذا الرقم كبير جدا حيث أنه يودي الى جفاف التربة وبالتالي سنواجه مشكلة كبيرة وهي التصحر”.
ويقول فيحان “إن عواصف العجاج التي تجتاح المنطقة الشرقية سببها الرئيسي هو تفكك التربة والزحف الصحراوي الى أراضٍ كانت سابقا اراضٍ زراعية مستثمرة سواء من قبل الدولة او الفلاح”.
ويحذّر فيحان من أن تأخير انشاء هذا المشروع سيؤثر بشكل مباشر على تربية الأغنام في هذه المناطق “المشكلة في الزحف الصحراوي والجفاف لا تقف عند الزراعة فقط بل ان العواصف الغبارية أو العجاج لها تأثيرها السلبي المباشر على نمو النباتات الصحراوية وبالتالي تؤدي الى صعوبة تربية الاغنام في هذه المناطق”.
مشروع هذا النهر سيكون ثنائي المفعول على حد قول محمود المصطفي (27 عاماً) “هذا النهر يصب بنهر الفرات في بلدة عياش, للوهلة الأولى يظنه الزائر بأنه أحد روافد الفرات, الأمر الذي قد يجعل من هذه المنطقة منطقة سياحية بعد زوال المحنة وانتصار ثورتنا”.